تأتي زيارة خادم الحرمين الشريفين للقاهرة ،الخميس 7 إبريل، لتسطر صفحة جديدة في العلاقات التاريخية بين القاهرة والرياض، ولترمي بفم المتشككين في سيرورة العلاقات بين البلدين جحرا، ولتؤكد ليس فقط، على متانة وعمق العلاقات الإستراتيجية والتكاملية وتشعبها في شتى المستويات والمجالات بين البلدين، وإنما لتمثل عودة ركيزتا الأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط.
وتكتسب هذه الزيارة أهمية بالغة في خضم التحولات التي تمر بها المنطقة العربية بصفة عامة، والنظام الإقليمي العربي بصفة خاصة، إذ يصفه محللون بـ”المأزوم” الذي يمر بإعادة تشكيل نظرا للتحولات السائلة التي تشهدها دولة بعد انهيار نظم وتصدع دول وصعود فواعل إرهابية وميلشيات مسلحة بديلة لسلطة الدولة، وتدخلات لأطراف إقليمية لتوسيع النفوذ الاستراتيجي لها داخل عواصم عربية عدة.
وتبرز زيارة خادم الحرمين الملك سلمان إلى مصر المصير المشترك للبلدين، وتؤكد “إستراتيجية” العلاقات الثنائية والتلاقي في مواجهة المخاطر القادمة من الإقليم، بما يستلزم توافق الرؤى والأهداف ويضمن تعزيز التعاون الاستراتيجي، والاقتصادي، والعسكري ويوحد الجهود لمجابهة ما تتعرض له منطقة الشرق الأوسط من مؤامرة كبيرة من قبل القوى الدولية والإقليمية.
ووصف مراقبون الزيارة أنها تحمل رسالة الشراكة بين القاهرة والرياض لمختلف الأطراف في الإقليم، وأنها تعد حجر أساس في أي تشكيل إقليمي جديد في الشرق الأوسط، حيث تمثل الشراكة المصرية ـ السعودية ركيزتا القوة والأمن والاستقرار في المنطقة.
وقد أكد على هذا المعنى الراحل الملك عبد العزيز آل سعود في توضيح الأهمية الإستراتيجية للعلاقات المصرية السعودية بمقولته الشهيرة “لا غنى للعرب عن مصر – ولا غنى لمصر عن العرب”.. وأكدها أيضا الرئيس عبد الفتاح السيسى قائلا “إن العلاقة بين مصر والسعودية تعد أساسا للأمن والاستقرار في منطقة الشرق الأوسط، وإن المسؤولين في البلدين مدركون لهذا الأمر المستقر والمتفق عليه منذ عهد الملك عبد العزيز آل سعود، رحمه الله، الذي أدرك بحسه الاستراتيجي أهمية وضرورة دعم هذا التوجه”.
ومن هنا تعتبر العلاقات بين القاهرة والرياض الأكثر كثافة على المستوى الاقتصادي والسياسي، ما وضعها في عداد العلاقات الحيوية وذات صبغة إستراتيجية، خاصة أن الدولتين تتفقان حول مجموعة من القواعد الأساسية والمبادئ الحاكمة لعدد كبير من القضايا؛ كما أن اهتمام الجانبان دوما هو الحفاظ على أمن وسلامة المنطقة.
جذور تاريخية ضاربة في الأعماق
تتميز العلاقات بين مصر والسعودية بالرسوخ والثبات، وبجذورها الضاربة في أعماق التاريخ، وتجلى ذلك منذ توقيع معاهدة الصداقة بين البلدين عام 1926، إذ أيدت السعودية مطالب مصر الوطنية في جلاء القوات البريطانية عن الأراضي المصرية ووقفت إلى جانبها في الجامعة العربية والأمم المتحدة وجميع المحافل الدولية، وفى 27 أكتوبر عام 1955 تم توقيع اتفاقية دفاع مشترك بين البلدين.
ثم تجلت أروع صور العلاقات في وقوف السعودية إلى جانب مصر أثناء العدوان الثلاثي على مصر عام 1956، وقدمت مساعدات لمصر في 27 أغسطس 1956 بلغت (100 مليون دولار)، وذلك بعد سحب العرض الأمريكي لبناء السد العالي، وفى 30 أكتوبر من نفس العام أعلنت السعودية التعبئة العامة لجنودها لمواجهة العدوان الثلاثي على مصر.
ودعا الملك فيصل بن عبد العزيز، عقب عدوان 1967، إلى ضرورة الوقوف بجانب الدول الشقيقة المعتدى عليها وتخصيص مبالغ كبيرة لتمكينها من الصمود، واستمرت المساندة السعودية لمصر حتى حرب أكتوبر 1973، حيث ساهمت المملكة في الكثير من النفقات التي تحملتها مصر قبل الحرب، وقادت المملكة معركة البترول لخدمة حرب أكتوبر.
وفي أعقاب ثورتي 25 يناير 2011، و30 يونيو 2013، قدمت السعودية دعمها السياسي والدبلوماسي والمالي، ودعمت خريطة الطريق المصرية سياسيا واقتصاديا بعد ثورة يونيو حتى تخطت مصر مرحلة الأزمة واتجهت نحو مرحلة البناء.
وعلى الجانب الآخر، سارعت مصر بدعم السعودية في حماية أمن منطقة الخليج العربي، عقب إعلان الرياض عن خوض معركة لدعم شرعية الرئيس في اليمن، بعد انقلاب الحوثيين على الحكم هناك، مدعومين في ذلك بقوات إيرانية لتنفيذ المخططات الإيرانية في المنطقة.
وأكد الرئيس السيسي مرارا وتكرارا أن الأمن القومي العربي وأمن الخليج جزء لا يتجزأ من الأمن القومي المصري، قائلا عبارته الشهيرة “مسافة السكة” للدلالة على أن مصر لن تتوان في الدفاع من مصالح أشقائها في الخليج.
مشروعات مستقبلية
تتناول مباحثات الرئيس السيسي والملك سلمان العديد من القضايا، أهمها: طرق مكافحة الإرهاب والوضع فى سوريا واليمن وليبيا والأوضاع في لبنان، والأمن الإقليمي العربي وآليات تعزيزه، بالإضافة إلى إتمام العديد من الاتفاقيات الاقتصادية وإطلاق العديد من المشاريع الكبرى.
إذ تشهد الزيارة توقيع نحو 12 اتفاقية ومذكرة تفاهم في مجالات الطاقة والبترول والتعليم والزراعة والإعلام والثقافة والسياحة والقوى العاملة والتدريب والاستثمار.
ومن المقرر الاتفاق على تمويل مصر من احتياجاتها من المشتقات البترولية لمدة 5 سنوات مقبلة، بالإضافة إلى توقيع مذكرة تفاهم بشأن الاستثمارات السعودية في مصر، والتي قد أقرها سابقا الملك سلمان بقيمة 3 مليارات دولار.
وستشهد المباحثات إتمام اتفاق بين وزارة التعاون الدولي والصندوق السعودي بشأن تنمية سيناء في مجالات عدة، منها الزراعية والصناعية والخدمات التحتية بقيمة 1.5 مليار دولار.
ومع تشعب وتنوع العلاقات بين مصر والسعودية في الجوانب السياسية والاقتصادية والتجارية والاجتماعية والثقافية والدينية والعسكرية، فإن ثمة أفكارا للتعاون الدفاعي بين البلدين، ومنها التركيز على أمن البحر الأحمر ووحدات عسكرية متنقلة وتأسيس الهيكل الدفاعي الإقليمي.
ويبقى القول أن هذه الزيارة التاريخية لخادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز للقاهرة سوف تمثل دفعة قوية للأمام، وتفتح بابا واسعا للأمل في تبادل الرؤى والأفكار من أجل إنهاء حالة التشرذم العربي وزيادة القدرة على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية وتوحيد قوة الصف العربي.
المصدر: وكالات