7 سنوات مرت على سقوط نظام العقيد معمر القذافي، حاكم ليبيا لأكثر من 42 عاما، ولا تزال البلاد تبحث عن الأمن والاستقرار وسط حالة من الفراغ السياسي والفوضى والانقسام التي عمت تلك الأرض الشاسعة ذات المليون و760 ألف كيلو متر مربع، وذلك بسبب الصراع على السلطة والتناحر وانتشار المليشيات المدعومة من الخارج والأطماع في هذه الدولة صاحبة احتياطيات النفط الأكبر في قارة أفريقيا.
وتعد الأزمة الليبية إحدى أولويات السياسة الخارجية المصرية في الوقت الراهن، فتربط البلدين مصالح أمنية واقتصادية، فضلا عن الروابط الاجتماعية، ولاسيما لكون ليبيا بوابة مصر الغربية حيث تشكل الحدود الممتدة بين البلدين – على طول الخط الحدودي من الشمال عند البحر المتوسط وإلى الجنوب حيث الحدود مع السودان – مسافة نحو 1200 كيلو متر.
وبحسب المراقبين، فإن ليبيا حاليا هي الشغل الشاغل لمصر التي لا تدخر جهدا لمساعدة الليبيين على العبور ببلادهم إلى بر الأمان وتجاوز هذه المرحلة العصيبة من تاريخهم، وقد استضافت القاهرة منذ يونيو 2017 ست جولات للحوار بين العسكريين الليبيين الذين يمثلون مختلف مناطق ليبيا، وتم التوصل إلى عدد من الوثائق التفصيلية ولم يتبق سوى التوقيع عليها واعتمادها من قبل القيادات الليبية.
وتؤكد مصر دوما الالتزام بالحل السياسي كسبيل وحيد لإنهاء الأزمة، وتحقيق المصالحة بين مختلف أطياف الشعب الليبي، ورفض التدخل الخارجي والخيار العسكري لتسوية الأزمة، وضرورة الحفاظ على كيان ووحدة الدولة الليبية ومؤسساتها الوطنية، وأهمية أن يكون الحل “ليبي – ليبي” بعيدا عن أي حلول مفروضة من الخارج.
وأكد السفير منير زهران رئيس المجلس المصري للشئون الخارحية – في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط – أنه منذ اللحظة الأولى من اندلاع الأزمة عام 2011 ومصر مهتمة بالأوضاع في ليبيا وكرست جميع الجهود لعودة الأمن والاستقرار إليها..وجمعت الفرقاء الليبيين بالقاهرة في محاولة إعادة التلاحم فيما بينهم وتضافر جهودهم مع مصر وجميع الدول المحبة للسلام والمحبة لليبيا.
ولفت إلى أهمية أن يتفق الليبيون فيما بينهم على تأييد الجهود المبذولة وتنفيذ اتفاق الصخيرات وقرارات مجلس الأمن ذات الصِّلة وإجراء استفتاء لدستور جديد وانتخابات ديمقراطية سليمة لتحقيق ذلك و(اتفاق الصخيرات هو اتفاق تم توقيعه بمدينة الصخيرات بالمغرب عام 2015 تحت رعاية الأمم المتحدة بهدف إنهاء الحرب الأهلية المندلعة في ليبيا في أعقاب الثورة ومقتل العقيد معمر القذافي في أكتوبر 2011).
وقال إن مصر تؤيد جهود ممثل الأمين العام للأمم المتحدة إلى ليبيا غسان سلامة، مذكرا بأنه تم الاستماع إلى رؤيته خلال مشاركته في النسخة الثانية من منتدى شباب العالم بشرم الشيخ في مطلع نوفمبر الماضي .
وأشاد رئيس المجلس المصري للشئون الخارجية بنأي الليبيين بأنفسهم عن التعاون مع أطراف خارجية لا تريد الخير لليبيا وشعبها مثل تركيا وقطر التى بثت عدم الاستقرار وصرفت الأموال على التنظيمات الإرهابية بما يضعف من الكيان الليبي ويؤثر على الاستقرار والسلامة الإقليمية لليبيا.
وشدد زهران على ضرورة ألا ننسى ما تمثله ليبيا لدى الشعب المصري حيث العلاقات الضاربة في جذور التاريخ والجغرافيا، فهناك مصريون من أصول ليبية ومئات الألوف من المصريين يعملون بليبيا وكانوا يعتبرونها كأنها بلدهم الثاني وذلك منذ الملك محمد إدريس السنوسي (أول حاكم لليبيا بعد الاستقلال عن إيطاليا وعن قوات الحلفاء) ومن ثم ثورة الفاتح (التي أطاح فيها القذافي بحكم المملكة الليبية وأعلن نشوء الجمهورية العربية الليبية).
ومن جانبه، قال الدكتور يوسف أحمد الشرقاوي سفير مصر السابق في اليمن وموريتانيا – الذي كان يتولى إدارة الملف الليبي ودول المغرب العربي بوزارة الخارجية المصرية عام 2012 – إن ليبيا تعاني من حالة انقسام شأنها شأن سوريا واليمن، وهي بالنسبة لمصر ومصر بالنسبة لها أمن قومي مشترك.
وأضاف أنه في ضوء علاقات الجوار والمصاهرة والمصالح القومية العليا، فمصر مهتمة بشدة بالأوضاع في ليبيا ولها مجموعة من الأهداف تحاول أن تعمل على تحقيقها وهى العمل على إنجاح المصالحة في ليبيا وإنهاء حالة الفوضى والانقسام، وإرساء الأمن والاستقرار، وإعادة بناء مؤسسات الدولة الليبية وتوحيدها، وأكد على أهمية مساندة الجيش الليبي ورفع حظر السلاح عنه باعتباره رمانة الميزان لإعادة الأمن والاستقرار للبلاد، مشيرا إلى دعم مصر لهذا الجيش الوطني دون مساندة أي قوى أخرى على أرض ليبيا.
وأشاد الشرقاوي بجهود مصر لمساعدة ليبيا الشقيقة باستضافة العديد من اللقاءات التي جمعت قوى سياسية ومشايخ وأعيان ليبيا وممثلين عن منظمات المجتمع المدني، في إطار المحاولات لإيجاد حل للأزمة بأيدي الليبيبن أنفسهم، فضلا عن مشاركة مصر في مؤتمرات دولية حول ليبيا سواء على المستوى الإقليمي أو الدولي، وآخرها مؤتمر باليرمو بجنوب إيطاليا (12 – 13 نوفمبر) الذي شارك فيه الرئيس عبد الفتاح السيسي، وكذلك الاجتماع الوزاري الـ12 لآلية دول جوار ليبيا بالخرطوم (29 نوفمبر) وشارك فيه وزير الخارجية سامح شكري .
وأوضح أن ليبيا تمر حاليا بمرحلة حاسمة في تاريخها وتقف في مفترق طرق مما يتوجب على مصر مواصلة جهودها ومساعيها لمساعدة الليبيين على تحقيق المصالحة وإنهاء الفوضى والوصول إلى حل سلمي في بلادهم، مع استمرار دعم المشير خليفة حفتر قائد الجيش الوطني الليبي والترحيب بمبادرة الدول الصديقة والشقيقة التي تعمل تحت مظلة الأمم المتحدة لحل الأزمة .
وترى مصر أن الأوضاع بليبيا في حاجة إلى جيش وطني يحارب الإرهاب ويعيد السلم والأمان لشعبه، ولذلك ترعى مصر مشروعا لتوحيد المؤسسة العسكرية الليبية، من أجل توفير دعامة أمنية لا غنى عنها للعملية السياسية وضمانة لتنفيذ مخرجاتها بما في ذلك خلق الظروف المناسبة لعقد الاستحقاقات الانتخابية المقبلة في ليبيا، وبما يسمح بتفرغ الجيش الوطني الليبي للقيام بدوره الأصلي في الحفاظ على أمن البلاد ومكافحة الإرهاب.
وطالب الرئيس عبد الفتاح السيسي – خلال لقائه بوسائل الإعلام الأجنبية بمصر في ختام فاعليات النسخة الثانية من منتدى شباب العالم في نوفمبر الماضي – برفع حظر السلاح جزئيا عن الجيش الليبي لتمكينه من القيام بدوره في حفظ الأمن والاستقرار بالبلاد، قائلا “ندعم الجيش الوطني الليبي باعتباره المسؤول عن حفظ الأمن، حيث تعمل مصر على توحيد جهود المؤسسة العسكرية الليبية للتعامل مع التهديدات الحالية”.
وكان مجلس الأمن قد أصدر قرارا في مارس 2011 طلب فيه من جميع الدول الأعضاء بالأمم المتحدة منع بيع أو توريد الأسلحة وما يتعلق بها إلى ليبيا، ويشمل ذلك الأسلحة والذخيرة والمركبات والمعدات العسكرية وشبه العسكرية وقطع الغيار، ويتم تمديد هذا القرار كل عام حتى الآن، حيث تبنى مجلس الأمن الدولي بالإجماع، في يونيو الماضي، قرارًا صاغته بريطانيا يقضي بتمديد حظر السلاح المفروض على ليبيا لمدة عام آخر، كما كان قد فرض مجلس الأمن بالإجماع في 14 يونيو 2016، قرارا يجيز تفتيش السفن في عرض البحر قبالة سواحل ليبيا بالقوة.
ومن ناحيته، قال السفير أشرف عقل سفير مصر السابق في كل من فلسطين واليمن، ورئيس مجلس أمناء مركز الوعي العربي للدراسات الاستراتيجية – في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط – إن دور مصر ليس داعما للجيش الوطني الليبي فقط ولجهود توحيد المؤسسة العسكرية، بل تعدى إلى الدعم اللوجيستي في عدد من المناطق لأننا نعتبر أن أمن ليبيا وأمن مصر هو أمن واحد، فضلا عن دور مصر في رعاية الحوار القائم بين الأطراف الليبية .
وأضاف أن مصر ركزت على البنود الأساسية لمؤتمر “باليرومو” من ضرورة احترام جميع الأطراف الليبية لنتائج الانتخابات، وتحمل المؤسسات الشرعية مسئوليتها، واعتماد دستور يحقق السيادة الليبية، مشيرا إلى أن من مخرجات مؤتمر “باليرمو” اعتبار اتفاق الصخيرات هو المسار الحيوي الوحيد للوصول إلى الحل السياسي.
وأوضح أن مصر أكدت دعمها لنتائج مؤتمر “باليرومو” من ناحية والإصلاحات التي أعلنتها حكومة الوفاق الوطني في سبتمبر الماضي من ناحية أخرى، فضلا عن تأييدها للجهود الرامية إلى حل سياسي وتحقيق المصالحة بين الليبيين.
وأكد السفير عقل أن الرئيس السيسي يبذل جهدا كبيرا في دعم التوصل لتسوية شاملة مع التأكيد على ضرورة التمسك بوحدة الأراضي الليبية ودعم مؤسساتها واحترام إرادة شعبها، مذكرا بأن مصر جزء أساسي من تسوية العملية في ليبيا ويأخد برأيها دائما في الاعتبار.
وأرجع عقل استمرار الأزمة الليبية إلى أسباب داخلية وهي الانقسامات وحالة الارتباك والفوضى التي تشهدها البلاد وإلى انتشار الجماعات المتطرفة والصدامات بين الفصائل المسلحة في جميع مناطق البلاد تقريبا، فضلا عن وجود حكومتين متنافستين مما يسهم في تأجيج الصراع ويجعل الأمل في الحل بعيدا، محذرا في هذا الصدد من أن مصير ليبيا يكون مثل مصير الصومال، أما خارجيا فأشار إلى وجود أطراف معروفة عربية وإقليمية ودولية تلعب في أمن ليبيا وهو ما يعطل العملية السياسية بالبلاد.
وأشار السفير أشرف عقل إلى أن حكومة الوفاق الوطني المدعومة من الأمم المتحدة يمكنها تجاوز المعضلات المتعلقة بالدستور، لافتا إلى ضرورة الالتزام بوقف إطلاق النار بين المليشيات المتناحرة في طرابلس وغيرها ووضع ترتيبات أمنية لتثبيت الأمن والاستقرار في طرابلس أولا.
وشدد على ضرورة اتخاذ إجراءات حازمة ضد من يحمل السلاح في طرابلس ومصراتة والزاوية والجنوب..معربا عن أمله في تمكن ليبيا من لملمة شتاتها والوصول إلى تسوية وتحقيق الاستقرار الأمني والسياسي في القريب لأن ذلك يؤثر على أمننا واستقرارنا بصورة مباشرة.
ومن ناحية أخرى، ونظرا لعدم ظهور بريق أمل في الأفق يشير إلى انفراجة قريبة، استبعد وزير الخارجية الأسبق محمد العرابي – في تصريح لوكالة أنباء الشرق الأوسط – نجاح الوصول إلى حل للأزمة الليبية في الوقت القريب، معتبرا أن الأجواء غير مناسبة على الإطلاق حاليا لأن الأرض مبعثرة وفِي أيدي أطراف كثيرة وليست هناك سيطرة كاملة عليها.
وأكد العرابي أن الأزمة الليبية دخلت منحنى صعبا وخطيرا بحيث أن كل الوسائل والاقتراحات الموجودة لدى الدبلوماسيين والمخططين قد تعجز عن الوصول إلى حل نظرا لأن الأطراف الموجودة على الأرض بعيدة تماما عن فكرة التقارب مع بعضها البعض أو تقديم تنازلات وأن تكون أكثر مرونة، فكل طرف متغطرس في موقعه أو في موقفه، “وبالتالي فأنا أرى أن عملية الوصول إلى حل في ليبيا أمر صعب جدا في المرحلة الحالية” .
وأضاف أن الحل السياسي هو الطريق الوحيد أمامنا والذي نمتلكه في أيدينا، “ولكن في النهاية لا أحد يتوقع أن نصل إليه خلال مرحلة قريبة، فهذا الموضوع سيطول كثيرا لأن حتى فكرة إقناع الأطراف الليبية أن الحل السياسي هو الأمثل لازالت غير موجودة بسبب تلقي تلك الأطراف الموجودة على الأرض لدعم ومساعدات من جهات خارجية وبالتالي تنشطها وتجعلها أكثر إصرارا على موقفها”، وقال إن مصر تلعب دورا كبيرا في التمهيد للوصول إلى حل الأزمة الليبية الذي هو في أيدي الليبيين أنفسهم وعلينا الاستمرار والمحاولة في طريق الحل السياسي .
وأجمع المراقبون على أن محاولات إدخال مبادرات جديدة لحل الأزمة الليبية بهدف الخروج عن المسار الأممي أو لضياع الوقت أو إلهاء مصر عن ليبيا لن تنجح، فمصر لم ولن تتوقف عن العمل على تسوية شاملة لهذه الأزمة، لأنها لن تقف مكتوفة الأيدي أمام تفاقم ظاهرة الميليشيات المسلحة والاقتتال فيما بينهم وانتشار السلاح والتهريب وانتقال المقاتلين الأجانب من وإلى ليبيا والهجوم على المنشآت النفطية، مما يمثل تهديدا مباشرا لدول الجوار الليبي وعلى رأسها مصر حيث الحدود المشتركة الشاسعة .
وعما إذا كانت تمثل تلك الحدود ووجود إرهابيين مدعومين بأموال وأسلحة من دول خارجية بليبيا، تهديدا للأمن القومي المصري.. يقول السفير محمد العرابي إن الوضع في ليبيا بالتأكيد يمثل قلقا للأمن القومي المصري ولكن لا نستطيع القول إننا مهددون لأننا قادرون على وقف أي قلق أو تهديد، وفد نجحنا بالفعل في ذلك حتى الآن، حيث أن الفوضى العارمة الموجودة داخل ليبيا لم تفيض ناحية حدودنا بفضل سياستنا الصارمة في هذا الاتجاه .
وبدوره، يرى السفير يوسف الشرقاوي أن أي أحداث تقع من حين لآخر من شأنها انتهاك الأمن القومي المصري، تتعامل مصر معها بمسئولية كما حدث من قبل مع قتل مواطنين مصريين، حيث جاء رد الجيش المصري حازما وسريعا بما يحقق الأمن القومي المصري وكذلك الليبي، وأضاف “لن نقف مكتوفي الأيدي أمام هذه البؤر الإرهابية في أراض مجاورة لمصر تنتهك الأمن القومي لمصر..فجيشنا يرد على كل من تسول له نفسه في أن يفكر المساس بأمننا”.
وتستمر السياسة الخارجية المصرية في التعاطي مع الأزمة الليبية وفق لثوابتها الراسخة مع كل أزمات المنطقة وهي عدم التدخل في شئون الدول، وعدم التآمر على أحد، والعمل على الحفاظ على وحدة الدول العربية .
المصدر : أ ش أ