في تطور نوعي جديد للتوتر الحاصل في العلاقات الأمريكية الصينية، أغلقت بكين القنصلية الأمريكية في مدينة تشنجدو ردا على إغلاق قنصليتها في مدينة هيوستن الأمريكية، الأمر الذي ينذر بحرب دبلوماسية أوسع بين البلدين.
وتعد القنصلية الأمريكية في تشنجدو الوحيدة في غرب الصين والأكثر أهمية نظرا لقربها من منطقة التبت ذاتية الحكم في جنوب غربي الصين، وتعمل العديد من الشركات الأمريكية في تلك المنطقة.
وألقت الخارجية الصينية باللوم والمسؤولية على الولايات المتحدة، مؤكدة أنها لا تريد أن تستمر الأمور في التصاعد بهذه الطريقة، وقالت في بيان “
المسؤولية تقع بالكامل على الجانب الأمريكي ونحث مرة أخرى الجانب الأمريكي على إلغاء قراراته الخاطئة ذات الصلة لتهيئة الظروف اللازمة لعودة العلاقات مرة أخرى إلى طبيعتها”.
إذ تتهم واشنطن بكين بانتهاكات حقوق الإنسان في هونج كونج وتقييد الحريات واضطهاد الأقليات والقيام بعمليات التجسس وسرقة الملكية الفكرية والمعلومات التجارية والطبية من المؤسسات الأمريكية، إضافة إلى الاتهامات بالتسبب في جائحة كورونا، إلا أن التوترات بلغت منحنى جديدا بعد إغلاق القنصلية الصينية باعتبارها خطوة غير مسبوقة وتدل على التدهور الحاد في العلاقات.
تبلور ملامح خطة انتقامية
وكانت العلاقات بين واشنطن وبكين قد شهدت الأسبوع الماضي تصاعدا جديدا في التوتر على خلفية تصريحات ستيف بانون كبير المستشارين الاستراتيجيين للبيت الأبيض سابقا، بأن لدى الرئيس دونالد ترامب “خطة حرب” متكاملة لمواجهة الحزب الشيوعي الصيني، وضع هذه الخطة ـ حسب وصف بانون ـ “المجلس الحربي” الذي يضم مستشار الأمن القومي روبرت أوبراين، ورئيس مكتب التحقيقات الفيدرالي كريستوفر راي، ووزير الخارجية مايك بومبيو، والمدعي العام وليام بار.
وكشف بانون أن “هؤلاء الأربعة وضعوا خطة حرب متكاملة ومتماسكة لمواجهة الحزب الشيوعي الصيني في الحرب التكنولوجية والمعلوماتية والحرب الاقتصادية، للانتقال بعد ذلك مع حلفاء أمريكا إلى فتح بحر الصين الجنوبي، ودعم حلفائها في الهند على حدود التبت التي تحتلها الصين”.
واعتبر بانون أنه حان الوقت للتوقف عن “اللعب مع الحزب الشيوعي الصيني”، مؤكدا أنه يجب مطالبة بكين بتقديم كل المعلومات والوثائق المتعلقة بالفيروس وفتح المختبرات والسماح للعلماء الأمريكيين والأجانب بدخولها ومحاورة موظفيها، تحت طائلة مواجهة عواقب قاسية، تشمل قطع الصين عن الدولار الأمريكي وفرض عقوبات على القيادة الصينية بمن فيهم الرئيس شي جين بينج.
واقع الأمر أن ملامح هذه الخطة الأمريكية الجديدة بدأت تتبلور معالمها، بعدما كشفت استراليا عن نيتها للسير في ركب الولايات المتحدة بشأن حديث الصين عن حقوقها في بحر الصين الجنوبي.
وقالت أستراليا في إعلان لموقفها قدمته للأمم المتحدة في نيويورك مؤخرا إنها ترفض أيضا مزاعم الصين بأحقيتها في السيادة البحرية حول جزر متنازع عليها في بحر الصين الجنوبي، باعتبارها متعارضة مع معاهدة الأمم المتحدة لقانون البحار.
وتضمن الإعلان رفض أستراليا لمزاعم الصين بأن لها حقوقا تاريخية أو حقوقا ومصالح بحرية مثلما ترسخ في سياق الممارسات التاريخية الطويلة في بحر الصين الجنوبي، وأكدت أستراليا أنها لا تقبل تأكيد الصين بأن سيادتها على جزر باراسل وجزر سبراتلي محل اعتراف واسع في المجتمع الدولي، مشيرة لاعتراض فيتنام والفلبين.
وكانت الولايات المتحدة قد رفضت هذا الشهر حديث الصين عن حقها في موارد أغلب بحر الصين الجنوبي، مما أثار انتقاد بكين التي تقول إن موقف الولايات المتحدة يؤجج التوتر في المنطقة.
لماذا حرب القنصليات؟
بررت الإدارة الأمريكية إقدامها على خطوة إغلاق القنصلية الصينية في هيوستن، بسبب ما وصفته بمحاولات الصين القيام بعمليات تجسس وسرقة معلومات تجارية وطبية تتعلق بأبحاث معملية أمريكية للتوصل إلى لقاح لجائحة كورونا.
وأكدت مسؤولة بوزارة العدل الأمريكية أن الصين استأثرت بحصة كبيرة من قضايا التجسس وسرقة الأسرار التجارية بلغت 80 % من إجمالي قضايا التجسس لدى الوزارة.
وقالت مسؤولة وزارة العدل “من المفهوم أن القنصليات تقوم ببعض الأنشطة للحصول على المعلومات لكن القنصلية الصينية في هيوستن تجاوزت حدود ما يمكن قبوله وقامت بأنشطة موسعة ورغم أنها أنشطة لا تخضع بالضرورة لتوجيه تهم جنائية نظرا للحصانة الدبلوماسية للقنصليات، إلا أن أنشطة القنصلية الصينية في هيوستن كانت من أسوأ الأنشطة الخبيثة وعملت على سرقة أبحاث متعلقة بالحصول على معلومات تخص الأمن القومي الأمريكي”.
وأوضح مسؤول بالخارجية الأمريكية أنه لهذا السبب كان من الضروري التحرك لإغلاق القنصلية، واعتبر الخطوة بمثابة رسالة واضحة للصين أن الولايات المتحدة جادة وأن استهداف قنصلية هيوستن لم يكن اختيارا عشوائيا، وأن إدارة ترامب تعمل لإعادة التوازن في العلاقات.
من جانبه، هاجم وزير الخارجية الأمريكية مايك بومبيو، الصين والحزب الشيوعي الصيني، وقال”نحن بحاجة إلى استراتيجية تحمي الاقتصاد الأمريكي وأسلوب حياتنا، والعالم الحر يجب أن ينتصر على هذا الاستبداد الجديد”. وأضاف بومبيو – في خطابه المتشدد الذي يلخص رؤية الإدارة الأمريكية للطموحات الصينية – “لقد فتحنا أذرعنا للمواطنين الصينيين فقط لرؤية الحزب الشيوعي الصيني يستغل مجتمعنا الحر المفتوح، إن هذا النموذج من التعامل الأعمى مع الصين يجب أن يتوقف”.
وكان مايك بومبيو قد شن سلسلة من التصريحات النارية ضد الصين وسياستها، حيث أكد في أكثر من مناسبة، أن الولايات المتحدة لن تتهاون مع الصين في كل من يخالف العقوبات الأمريكية في التعاون مع إيران، وستعمل واشنطن مع حلفائها في أوروبا على تمديد قانون حظر بيع السلاح لإيران الذي من المقرر أن ينتهي في أكتوبر المقبل، كما أن واشنطن تقف مع الهند في أزمتها الحدودية مع الصين.
كما أكد مايك بومبيو أن التكنولوجيا الصينية خطر على الأمن القومي الأمريكي، حتى إن قدم الحزب الشيوعى الصيني تأكيدات بأنها سلمية، واصفا الرئيس الصيني “بأنه يتبنى أيديولوجية استبدادية مفلسة ولديه رغبة استمرت لعقود في محاولة الهيمنة العالمية التي تهدد أسلوب الحياة لأمريكا”.
وتعقيبا على هذه التصريحات الأمريكية، قالت المتحدثة باسم وزارة الخارجية الصينية “ما يفعله بومبيو عقيم وهو مثل نملة تحاول هز شجرة لقد حان الوقت ليتقدم جميع محبي السلام حول العالم لمنعه من إلحاق مزيد من الأذى بالعالم”، واعتبرت مراكز أبحاث صينية أن هدف الإدارة الترامبية من تكثيف حملة العداء ضد الصين، هو السبيل الوحيد لتشتيت الانتباه وإعادة انتخابه للمرة الثانية.
يبقى القول إنه كلما اقترب مارثون الانتخابات الرئاسية الأمريكية في نوفمبر المقبل، كلما زادت حدة التوترات بين أمريكا والصين، باعتبار أن مستقبل العلاقة مع بكين أحد الأوراق الانتخابية المهمة.
المصدر : أ ش أ