نشرت صحيفة واشنطن بوست مقالاً للرأي كتبه جوزيف ليبرمان، السيناتور الأمريكي السابق عن ولاية “كونيتيكت” الأمريكية في مجلس الشيوخ خلال الفترة من 1989 وحتى عام 2013، أكد فيه أن غياب القيادة الأمريكية يجعل العالم أكثر خطورة من أي وقت مضى.
يقول ليبرمان: “على مدى أكثر من خمسين عاماً، دأب قادة الأمن القومي على التجمع سنوياً في مؤتمر ميونيخ للأمن، الذي كان بمثابة اجتماع سري تم إنشاؤه خلال الحرب الباردة، بصفته مكاناً لاجتماع الحلفاء الغربيين الذين يقفون في مواجهة الخطر الشيوعي. وكان ليَّ شرف حضور ما يقرب من نصف هذه الاجتماعات، بداية من فترة الأمل والإثارة التي أعقبت انهيار الاتحاد السوفيتي في تسعينيات القرن العشرين، ومروراً بالحروب الصعبة لما بعد أحداث الحادي عشر من سبتمبر. ولكن يمكنني القول أن أيا من تلك الاجتماعات لم يكن مثيراً للقلق مثل الاجتماع الذي عُقد خلال الشهر الجاري”.
ويصف ليبرمان أن سبب ذلك يرجع إلى أن العالم لم يشهد أبداً من قبل الخطورة ذاتها التي يشهدها اليوم، فضلاً عن غياب القيادة، كما بات المتطرفون والإرهابيون وحدهم الأشخاص الذين يتصرفون بجرأة، ومن ثم يمتلكون زمام الأمور والمبادرات، على حد تعبيره.
ويؤكد ليبرمان أن عدم الاستقرار الموجود في العالم حالياً يفوق بكثير ما كان موجوداً منذ نهاية الحرب العالمية الثانية؛ وتأتي التهديدات من القوى التوسعية (التي تم تشجيعها على ذلك) مثل إيران وروسيا والصين، إضافة إلى التنظيمات الإرهابية مثل داعش والقاعدة، وهو ما يعني برأي كاتب المقال أن “أعداء الحرية باتوا يتقدمون في مسيرتهم”.
وينتقد ليبرمان الولايات المتحدة التي تولت القيادة العالمية بعد الحرب العالمية الثانية لحماية الأمن القومي الأمريكي والرخاء والحرية، بيد أنها اختارت في هذه اللحظات الحاسمة أن تصبح أكثر سلبية تجاه ما يحدث في العالم.
يضيف ليبرمان: “بالطبع لا يمكن القول إن غياب القيادة الأمريكية كان سبباً في حالة عدم الاستقرار التي يشهدها العالم، بيد أنه شجع على تفاقم هذه الحالة”.
ويلفت كاتب المقال إلى أنه رغم وجود خطر التطرف الإسلامي العنيف على مدار عدة عقود، فإن تخلى الولايات المتحدة عن الارتباط العسكري والسياسي في العراق، إلى جانب الفشل في التدخل لوقف المذابح في سوريا، خلق فراغاً في قلب منطقة الشرق الأوسط، وتم استغلال هذا الفراغ من أخطر القوى الموجودة بالمنطقة والمعادية للولايات المتحدة وهي: السنة المتعصبة وإيران.
ويذكر ليبرمان أن نتيجة ما سبق تمثلت في إنشاء ملاذ إرهابي غير مسبوق، فضلاً عن هيمنة إيران على العديد من العواصم العربية.
وينوه الكاتب إلى أن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قد عمد إلى استغلال هذا الفراغ أيضاً، بداية من الاستيلاء على شبه جزيرة القرم، ثم الانتقال إلى شرق أوكرانيا خلال عام 2014، وكان رد فعل الولايات المتحدة على خرق النظام العالمي قاصراً على كلمات غاضبة وفرض عقوبات ضد موسكو.
يقول ليبرمان: “ولكن في الوقت نفسه يجب ألا نغفل أن الولايات المتحدة رفضت منح الأوكرانيين الأسلحة الدفاعية التي ربما تفرض تكلفة عسكرية أكبر على روسيا للمغامرة بها وبدلاً من ردع روسيا ومنعها من المزيد من العدوان، أرسل الموقف المتردد للولايات المتحدة في أوكرانيا إشارة إلى الكرملين مفادها أن الولايات المتحدة ذاتها يمكن أن تتعرض للردع إذا تصرفت روسيا بجرأة وحزم”.
وبحسب الكاتب ،، استفاد بوتين من هذا الدرس في سوريا؛ إذ أرسل قواته العام الماضي من أجل تحويل دفة الحرب التي كانت في طريقها لإضعاف بشار الأسد وعلى الرغم من التوقعات بأن “روسيا تنجرف إلى مستنقع”، فإن موسكو نجحت في إرساء نفسها بصفتها قوة لا يستهان بها في منطقة أخرى حيوية.
ويأسف ليبرمان إلى أن استجابة الولايات المتحدة تمثلت في طلب المساعدة من بوتين لإطفاء الحرائق التي أشعلها بنفسه.
ويستطرد في انتقاداته قائلاً: “في أماكن كثيرة جداً خلال السنوات الأخيرة، قامت الولايات المتحدة بالتعامل مع خصومها بصفتهم شركاء أساسيين يتم التودد إليهم، وفي الوقت نفسه تعمد إلى تجاهل ومضايقة وتشويه سمعة حلفاؤها وشركاؤها التاريخيين لأنهم بمثابة العوائق في طريق السلام، ولكن على الرغم من شعورهم بالإحباط إزاء الولايات المتحدة، فإن أصدقاءنا يعترفون أنهم غير قادرين بمفردهم على إدارة الأزمات التي تواجههم من دون مساعدة الولايات المتحدة”.
ويشير ليبرمان إلى أن الولايات المتحدة، خلال اجتماع ميونيخ هذا الشهر، صادقت على تقليص دورها؛ بالموافقة على التوصل إلى اتفاق بشأن سوريا يعزز من مكانة روسيا من ناحية، ويضغط على المعارضة السورية من ناحية أخرى، إضافة إلى أن هذا الاتفاق لديه فرصة ضئيلة لإنهاء حملة العنف العشوائي التي تشنها روسيا نيابة عن نظام بشار الأسد ضد الشعب السوري الذي طالت معاناته.
ويختتم ليبرمان بحث الولايات المتحدة على إعادة تأكيد دورها التاريخي في قيادة العالم، ولا يعني ذلك أن تتصرف بمفردها، وإنما يجب عليها التنسيق مع شبكة عالمية من الحلفاء والأصدقاء الذين يتطلعون إلى مثل هذا الشيء كما ينصح ليبرمان الناخبين الأمريكيين باختيار “الرئيس الذي يدرك أهمية القيادة الأمريكية في العالم”.