ذكرت صحيفة “واشنطن بوست” الأمريكية أن الرئيس الأمريكى دونالد ترامب يحاول إصلاح العلاقات مع إيران وإصلاح الاتفاق النووى معها الذى قام هو بنفسه بخرقه، حيث أرسل مبعوثه ستيف ويتكوف للقاء مسؤولين إيرانيين في مسقط، عاصمة سلطنة عُمان.
وأوضحت الصحيفة أنه منذ ما يقارب سبع سنوات، انسحب ترامب من الاتفاق النووى مع إيران والذى كان ثمرة سنوات من الدبلوماسية والضغط السياسي الذى قاده سلفه، الرئيس السابق باراك أوباما.
وتابعت أنه تم التوصل إلى الاتفاق بالتعاون مع قوى عالمية، بما فى ذلك شركاء أوروبيون وروسيا والصين. لكن ترامب وصف الاتفاق بأنه “واحد من أسوأ وأكثر الاتفاقات انحيازا التى دخلت فيها الولايات المتحدة على الإطلاق”، وانسحب من الجانب الأمريكى للاتفاق بشكل أحادى، وأعاد فرض العقوبات على إيران التي كانت قد رفعت مقابل التزام طهران بتقليص قدراتها على تخصيب اليورانيوم وخضوع منشآتها النووية لرقابة دولية صارمة.
وبحسب معظم التقييمات، فقد كان الاتفاق يحد بالفعل من قدرات إيران النووية. لكن ترامب اعتبر أنه منح إيران الكثير من التنازلات، ولم يفعل ما يكفي لكبح أنشطتها غير النووية، بما في ذلك دعمها الطويل الأمد لشبكة من الجماعات المسلحة في الشرق الأوسط.
وقال ترامب في حينه مبررا قراره بالانسحاب من “خطة العمل الشاملة المشتركة” (الاسم الرسمي للاتفاق الذي تم التوصل إليه عام 2015): “إذا لم نفعل شيئا، نعرف تماما ما سيحدث. فى فترة وجيزة، ستكون الدولة الأولى الراعية للإرهاب على وشك امتلاك أخطر أسلحة فى العالم”.
والواقع الآن أن إيران، نظريا، أصبحت أقرب إلى امتلاك سلاح نووى مما كانت عليه قبل انهيار الاتفاق. وقد استمرت آثار حملة “الضغط الأقصى” التى أطلقها ترامب خلال ولايته الأولى حتى عهد الرئيس السابق جو بايدن، الذى فشلت محاولاته المحدودة لإحياء الدبلوماسية مع إيران فى تحقيق نتائج ملموسة. فى هذه الأثناء، سرعت إيران عمليات تخصيب اليورانيوم، بينما اشتبكت وكلاؤها فى لبنان والعراق واليمن مع القوات الأمريكية وحلفائها.
واستطردت الصحيفة أنه وسط الفوضى التى تميز ولايته الثانية، يحاول ترامب إصلاح الأمور، ومبعوثه الخاص، رجل العقارات المتنقل ستيف ويتكوف، سيقود اليوم السبت فريقا للقاء مسؤولين إيرانيين فى مسقط. مضيفة “أهداف القمة — التى وصفتها الولايات المتحدة بأنها “محادثات مباشرة”، فيما وصفتها إيران، لأسباب دعائية، بأنها “غير مباشرة” — توصف بأنها متواضعة، لكن ترامب أظهر رغبة واضحة في تجنب التصعيد العسكري والسعي إلى التوصل إلى اتفاق جديد مع الإيرانيين”.
وأشارت إلى أنه يبدو أن الأجواء تختلف عن تلك التى سادت خلال ولايته الأولى، حين كان ترامب محاطا بعدد من الصقور المناهضين لإيران فى حكومته، وغالبا ما كان يهدد طهران، بل ووافق على اغتيال القائد العسكرى الإيرانى البارز الجنرال قاسم سليمانى. وقال ترامب للصحفيين هذا الأسبوع:”أنا لا أطلب الكثير… لكن لا يمكنهم امتلاك سلاح نووى”.
ولفتت الصحيفة إلى أن المسئولين الإيرانيين غيروا بدورهم لهجتهم. فقد وجهت السلطات الإيرانية هذا الأسبوع توبيخا رسميا لصحيفة متشددة بسبب مقال توقّع اغتيال ترامب — وهي خطوة غير مألوفة من نظام يتسم بشعاراته المعادية لأمريكا منذ عقود. وفي يوم الثلاثاء، نشر وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجى، مقال رأي فى صحيفة “واشنطن بوست”، استخدم فيه لغة دغدغ فيها أذنا ترامب، متهما إدارة بايدن بـ”غياب العزيمة الحقيقية”، ومشيرا إلى “فرصة تريليونية” بانتظار الشركات الأمريكية في إيران إذا نجحت الدبلوماسية.
وأشار أليكس فتانكا، خبير الشؤون الإيرانية في معهد الشرق الأوسط في واشنطن، إلى أن اللهجة التصالحية في مقال عراقجي تعكس ضعف النظام الإيراني الذي يواجه احتجاجات شعبية كبيرة في الداخل، ويسعى لتجنب هجمات عسكرية أمريكية أو إسرائيلية على منشآته الحيوية. وقال: “هذا يدل على أن إيران في وضع حرج”، مضيفا أن الرسالة الضمنية للمقال هي بمثابة “همسة” لترامب مفادها: “نحن نحترمك بطريقة لم نحترم بها بايدن من قبل”.
وقد تشعر إدارة ترامب أيضا بشيء من الإلحاح. إذ من المقرر أن تنتهي هذا العام آلية الأمم المتحدة التي تتيح إعادة فرض العقوبات على إيران (“سناب باك”). وحتى في ظل تهديداته المتقطعة لإيران بشن ضربات عسكرية إضافية، قد يرغب ترامب في إظهار وجود زخم دبلوماسي حقيقي قبل رحلته المقررة إلى الشرق الأوسط الشهر المقبل.
وقالت الصحيفة إن ترامب لم يكن واضحاً بشأن ما يأمل أن يحققه من الاتفاق الجديد مع إيران. ويبدو أن العودة الكاملة إلى القيود التي فرضها الاتفاق الأصلي غير مرجحة، نظرا لتقدم البرنامج النووي الإيراني واعتزاز ترامب بقراراته السابقة.. أما التوصل إلى اتفاق أشمل يتناول عناصر أخرى من سياسة إيران الخارجية وبرامجها العسكرية، فيبدو أكثر صعوبة.
وتابعت الصحيفة أن بعض الصقور في واشنطن، بمن فيهم مستشار الأمن القومي لترامب، مايكل والتز، طرحوا فكرة “التفكيك الكامل” للبرنامج النووي الإيراني ، وهو ما يسميه بعض المحللين “نموذج ليبيا”، في إشارة إلى قرار الزعيم الليبي معمر القذافي عام 2003 بالتخلي عن برنامج بلاده النووي.
لكن تلك الخطوة، كما يذكر كثيرون، حرمت القذافي من رادع محتمل ضد التدخل العسكري الغربي، والذي أدى إلى سقوطه في عام 2011، بحسب الصحيفة.
وقال فتانكا: “المحادثات قد تكون أكثر نجاحا إذا ظلت ضيقة النطاق”، مضيفا: “لكن إذا بدأ الحديث عن تفكيك على نمط ليبيا — فهذا أمر لا تستطيع هذه الحكومة (الإيرانية) فعله سياسيا”.
وأشارت الصحيفة إلى أن الشيطان يكمن في التفاصيل، وفريق ترامب لا يعج بالخبراء. وقال كريم سجادبور، محلل الشؤون الإيرانية في مؤسسة كارنيجي للسلام الدولي : “أنت لا تتفاوض على سعر نهائي أو صفقة كبرى، بل على قضايا تقنية دقيقة مثل مستويات تخصيب اليورانيوم، ومواصفات أجهزة الطرد المركزي، وأنظمة التفتيش”.
وأضاف: “هناك هوّة شاسعة بين القول بأن إيران لا يمكنها امتلاك سلاح نووي، وبين القول بأن برنامجها النووي يجب أن يفكك مثل نموذج ليبيا. وهناك خطر أن يهزم الجانب الأمريكي، الذي يفتقر حاليا إلى الخبرة الواضحة والهدف المحدد، في التفاوض أمام الجانب الإيراني الذي يمتلك الاثنين معا”.
وأشار علي واعظ من مجموعة الأزمات الدولية إلى أنه “إذا تمكن الجانبان من إيجاد أرضية مشتركة بشأن حجم البرنامج النووي الإيراني المقبول -ونطاق المحادثات المستقبلية-، فقد يعقدان محادثات أكثر تنظيما، فنية ومباشرة”. ولكن إذا انهار المسار الدبلوماسي، وفرضت عقوبات إضافية على إيران، فقد نرى سيناريو تنسحب فيه إيران من معاهدة حظر الانتشار النووي التابعة للأمم المتحدة، مما سينهي أي جهود دولية لمراقبة أنشطتها.
وكتب واعظ: “ليس من الواضح ما هو الحدث المحدد الذي سيؤدي إلى عمل عسكري أمريكي أو إسرائيلي، لكن إذا فشلت الدبلوماسية، فقد ألمح ترامب إلى أن قصف المنشآت النووية الإيرانية سيكون الخيار /البديهي/”.
المصدر: أ ش أ