رصدت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، الوضع العالمي بعد مرور ستة أشهر منذ بدء العملية الروسية في أوكرانيا، قائلة إن الحرب هيمنت على عناوين الأخبار الدولية، في حين تعطلت سلاسل التوريد العالمية مما أثار روحا جديدة من التضامن في الغرب. فبالنسبة للعديد من الأوروبيين، كانت هذه اللحظة بمثابة “نقطة تحول في التاريخ” – مثلما أعلن المستشار الألماني أولاف شولتز في الأسابيع الأولى من الصراع.
ورأت الصحيفة -في تحليل أوردته عبر موقعها الاليكتروني اليوم الاثنين- أن الأبعاد الأخلاقية الصارخة للحرب أدت إلى سقوط الموازين عن أعين النخب الأوروبية التي سعت إلى تسوية سلمية مع روسيا.
وذكرت الصحيفة أنه لا يزال ضباب الحرب يخيم على أوكرانيا. وبعيدا عن المشاهد التي نرى فيها انتشارا للخنادق في البلاد والمدن الساحلية المحاصرة والمدمرة، لا يزال هناك صراع بين الأيديولوجيات وحتى رؤى التاريخ. فمن ناحية يرفض الغرب ما وصفته الصحيفة بالانصياع للطموحات الإمبريالية الجديدة للرئيس الروسي فلاديمير بوتين. وهذه رؤية رددها مؤيدون في الغرب – بمن فيهم الرئيس الأمريكي جو بايدن نفسه- الذي أعلن في مارس أن أوكرانيا تخوض “معركة كبيرة من أجل الحرية.
أما عن بوتين فهو بالطبع، يرى كل شيء بشكل مختلف. حيث تدفق الجيش الروسي عبر حدود أوكرانيا في 24 فبراير. وشعر الرئيس الروسي بالغضب حيال توسع الناتو في أوروبا الشرقية وحذر من ظهور أراضي “مناهضة لروسيا” والتي كانت ضمن “أرضنا التاريخية”. واعتبرت الصحيفة أن ما حدث لم يكن من أجل كبح جماح النفوذ الغربي فحسب ، بل من أجل تعويض مأساة سقوط الاتحاد السوفيتي -والتي حسبما قال بوتين- أخلت “بتوازن القوى في العالم”.
وأشارت الصحيفة أن إعادة التوازن التي تصورها بوتين لم تمض مثلما كان معتقدا. فقد قاومت أوكرانيا بشجاعة وأجبرت القوات الروسية على التراجع بعد حملة فاشلة للاستيلاء على كييف. وكذلك توسع الناتو، ليجعل السويد وفنلندا تحت مظلة التحالف العسكري البارز في العالم.
وأضافت أن حصيلة العقوبات الغربية على الاقتصاد الروسي كانت قاسية: إذ تم تجميد نصف الاحتياطيات الأجنبية للبلاد، وانسحبت مئات الشركات الغربية من السوق الروسية.
وأوضحت واشنطن بوست أنه بعد ستة أشهر من الحرب، بالكاد تغيرت الرسالة الأوكرانية إلى النخب الغربية. فقد قال الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي في مقابلة أجريت معه مؤخرا: “كل ما نحتاجه هو أسلحة” ، مجددا مطالب حكومته المتكررة بالحصول على مزيد من الأسلحة المتقدمة والذخائر. وتمنح هذه المعدات أوكرانيا المزيد من النفوذ في ساحة المعركة ، وفي الوقت ذاته تمنحها ثقلا في المفاوضات النظرية المستقبلية مع روسيا.
وعلى الرغم من التأخيرات والعقبات اللوجستية، فقد وصلت تلك المساعدة -بقيادة الولايات المتحدة- إلى أوكرانيا. خصصت إدارة بايدن حتى الآن أكثر من 10 مليارات دولار من المساعدات الأمنية إلى كييف.
لكن هذا الاتجاه الصاعد قد يتضاءل: ففي أوروبا، أثار اقتراب فصل الشتاء وحالة اليقين التي تدعو للتشاؤم حول ارتفاع تكاليف الطاقة بشكل صارخ تساؤلات حول ما إذا كان الغرب يمكن أن يحافظ على نفس العزم في دعم أوكرانيا للأشهر الستة المقبلة كما كان الحال في النصف الأول من العام.
وقالت الصحيفة إنه لا يمكن لأي حكومة بمفردها إدارة الصدمات الأوسع نطاقا للحرب ، والتي تضمنت هزات في سلاسلةالتوريد الزراعية العالمية التي أدت إلى ارتفاع أسعار المواد الغذائية في أجزاء من إفريقيا وانهيار الحكومات في جنوب آسيا. ونتيجة لذلك ، يعرب المسؤولون من الدول غير الغربية عن ارتباكهم المتكرر في مواجهة الحماسة التي تظهر في العواصم الغربية، حيث يعد الحديث عن تسوية مع روسيا أو تقديم تنازلات لها أمرا محرما. وقال دبلوماسي أفريقي كبير “الأمر الذي يحيرنا أكثر هو فكرة أن صراعا مثل هذا يتم تشجيعه في جوهره على الاستمرار إلى أجل غير مسمى.”
ونسبت الصحيفة إلى الرئيس الإندونيسي جوكو ويدودو قوله: “إن التنافس بين الدول الكبرى أمر مثير للقلق بالفعل”. ما نرغب فيه هو أن تكون هذه المنطقة مستقرة وسلمية حتى نتمكن من بناء النمو الاقتصادي.
واختتمت الصحيفة الأمريكية مقالها بالقول إن الاستقرار قد يكون بعيد المنال. لا سيما في ظل استمرار الوضع في أوكرانيا ، ويخشى الخبراء من اتساع قوس الخطر والانتقام ، من الهجمات المدمرة على المناطق المدنية ليصل إلى الاغتيالات والتخريب عبر الحدود. قال المعلق الجيوسياسي برونو ماكايس: “ستة أشهر طويلة من الحرب” ، وما زلنا نشعر “بإحساس أنها كانت مجرد مقدمة”.
المصدر : أ ش أ