قالت صحيفة واشنطن بوست الأمريكية، اليوم السبت، إنه بعد أسبوعين من سلسلة الخسائر التي أدت إلى حالة من الارتباك بين قادة الحزب الديمقراطي، انفجر مجددا الصراع الإيديولوجي المستمر منذ سنوات بين اليسار التقدمي والمعتدلين، حيث بدأ الطرفان في تبادل اللوم ومحاولة السيطرة على توجيه الحزب في المستقبل.
وأوضحت الصحيفة على موقعها الإلكتروني أنه مع محاولة الحزب التحضير للانتخابات النصفية المقبلة بعد عامين، والتكهنات حول من سيتولى رئاسة اللجنة الوطنية الديمقراطية، والتوقعات بوجود مناقشات داخلية حول كيفية التعامل مع السيطرة الجمهورية الكاملة على البيت الأبيض والكونجرس، لا يملك الديمقراطيون الكثير من الوقت للوصول إلى توافق حول مسارهم المستقبلي.
وقال جو كايازو، الاستراتيجي الديمقراطي والموظف السابق في حملة السيناتور بيرني ساندرز (من ولاية فيرمونت):”السؤال هو:هل تريد أن تكون الأقل تقدمية وأنت تنظر من خارج المنزل إلى الداخل؟ أم تريد أن تكون الأكثر تقدمية وأنت في الطاولة مع الصفقة التي يجري إبرامها؟”. وأضاف كايازو أنه يجب على التقدميين أن يتكيفوا مع الواقع السياسي الحالي في واشنطن، الذي يهيمن عليه الجمهوريون.
وظهرت الانقسامات الإيديولوجية داخل الحزب الديمقراطي بشكل علني في اليوم الذي تم فيه إعلان فوز الرئيس السابق دونالد ترامب في الانتخابات الرئاسية على نائبة الرئيس كامالا هاريس. ونشر ساندرز بيانا لاذعا على وسائل التواصل الاجتماعي ينتقد حملة هاريس بسبب تخليها عن قاعدتها الشعبية بعد أن قضى ترامب أشهرا يحاول إقناع الناخبين أنهم كانوا في وضع اقتصادي أفضل عندما كان في منصبه.
وكتب ساندرز:”لا ينبغي أن يكون من المفاجئ أن حزبا ديمقراطيا تخلى عن الطبقة العاملة يجد أن الطبقة العاملة قد تخلى عنهم”. وأضاف:”بينما يدافع قادة الحزب الديمقراطي عن الوضع الراهن، فإن الشعب الأمريكي غاضب ويريد التغيير. وهم على حق”.
من جانبه، وصف رئيس اللجنة الوطنية الديمقراطية، جيامي هاريسون، هذا التحليل بـ”الهراء الصريح”، مؤكدا أن إدارة بايدن-هاريس قد أصدرت سلسلة من الإصلاحات التي تدعم العمال، بما في ذلك خلق وظائف جديدة من خلال التشريعات الرئيسية، مثل قانون خفض التضخم.
وقال هاريسون: “هناك العديد من التحليلات بعد الانتخابات، وهذه ليست واحدة منها”.
وعلى مدى عقد من الزمان، تم إعاقة تقدميين يسعون للوصول إلى أعلى المناصب في الحزب لصالح خيارات أكثر اعتدالا. في حين أن بعضهم أخذ العزاء في تبني إدارة بايدن لسياسات ليبرالية، مثل توسيع الائتمانات الضريبية للأطفال وإعفاء الديون الطلابية، فإن قصف إسرائيل لقطاع غزة قد شكل آخر مصدر للاحتكاك داخل الحزب الديمقراطي.
واشتكى التقدميون من أن هاريس قد سعت للتموقع في الوسط السياسي، حيث حملت مع الملياردير مارك كوبان والنائبة السابقة ليز تشيني، بدلا من محاولة إثارة المزيد من الحماس من بعض الكتل الانتخابية اليسارية. لكن الديمقراطيين المعتدلين جادلوا بأن الناخبين قد تحركوا إلى اليمين بوضوح وأن الحزب يجب أن يتكيف مع هذا التحول في الرسالة ليجذب هؤلاء الناخبين.
وقال بعض الاستراتيجيين الديمقراطيين إن رسالة ساندرز فاتتها نقطة حاسمة: حتى في الولايات الزرقاء مثل كاليفورنيا، تحول الناخبون إلى اليمين ليس فقط في السباق الرئاسي ولكن أيضا في المبادرات الانتخابية والسباقات المحلية، لا سيما بين الناخبين من ذوي الدخل المنخفض والمتوسط، وفقا لاستطلاعات الخروج ونتائج الانتخابات.
لقد تحركت معظم مقاطعات البلاد الثلاثة آلاف نحو اليمين مقارنة بعام 2020، بما في ذلك تحول متوسط بنسبة 7.5% إلى اليمين في المقاطعات الحضرية التي عادة ما تؤيد الديمقراطيين بشكل ساحق.
وقال مات بينيت، المؤسس المشارك لمركز “ثيرد واي” الفكري الديمقراطي المعتدل: “إذا ألقيت نظرة واحدة على خريطة المقاطعات وكيف تحركت، حيث تحركت جميعها تقريبًا إلى اليمين منذ عام 2020 وخلصت إلى أنه يجب أن نتحرك إلى اليسار، فأنا أعتقد أن تحليلك السياسي خاطئ”.
وأضاف بينيت وآخرون أن إحباط الناخبين من التضخم وارتفاع الأسعار قد ساهم في الاستياء من الإدارة الحالية، وهو الأمر الذي كان من المستحيل على هاريس معالجته في الفترة القصيرة من حملتها الانتخابية.
لكن التقدميين قالوا إنه لم يطلب منهم تقديم نصائح لحملة هاريس حول كيفية معالجة هذه المخاوف الانتخابية.
قال النائب رو خانا (من كاليفورنيا)، الذي دعم حملة ساندرز الرئاسية في 2020 وشارك في حملات بايدن وهاريس هذا العام، وآخرون من الديمقراطيين التقدميين إنهم لم يتحدثوا مع هاريس بشأن جهودها لجذب الناخبين الذين قد يكونون مهتمين بالسياسات التقدمية.
وأوضح أن ساندرز، الذي كان زميلا لهاريس في مجلس الشيوخ، تحدث معها مرة واحدة فقط، وكانت مكالمة روتينية عندما أعلنت أنها ستترشح لخلافة بايدن.
وقال خانا: “لم نركز على الاقتصاد. لم نركز على تجديد الحلم الأمريكي. لم نركز على التصنيع والأجور المرتفعة والحد من الرواتب المفرطة للرؤساء التنفيذيين. بدلا من ذلك، أنفقنا مليار دولار في تنظيم حفلات في جميع أنحاء أمريكا. كان الأمر سخيفا”.
على الرغم من جمع أموال ضخمة للحملة، فإن الحملة الآن تواجه تدقيقا أكبر حول كيفية إنفاق الأموال على المستشارين والمشاهير.
وحاول ساندرز التأثير على حملة هاريس، لكنه فشل، وفقا للأشخاص المطلعين على هذه المحاولات. بعد رفض ترامب الإجابة عن سؤال حول زيادة الحد الأدنى للأجور بعد حملة انتخابية توقف خلالها لفترة قصيرة في مطعم ماكدونالدز في بنسلفانيا، قال ساندرز لعدد من مساعدي حملة هاريس إنه يجب عليها الإعلان عن اقتراح جريء لزيادة الحد الأدنى للأجور على مستوى البلاد، أعلى من الحد الأدنى الذي حاولت إدارة بايدن تحديده. بدلا من ذلك، أجابت هاريس فيما بعد على سؤال صحفي بقولها إنها تؤيد الحد الأدنى للأجور البالغ 15 دولارا للساعة.
وقال مسؤول في الحملة، تحدث بشرط عدم الكشف عن هويته لمناقشة الاستراتيجية بشكل مفتوح، إن أفكار هاريس السياسية بشأن إنهاء استغلال الشركات للأسعار وتخفيض تكاليف الإسكان كانت مستوحاة من مقترحات تقدمية طويلة الأمد. واحدة من آخر محطات الحملة الانتخابية لهاريس شملت ظهور النائبة ألكسندريا أوكاسيو-كورتيز (ديمقراطية من نيويورك). في الوقت نفسه، كان ساندرز وخانا وآخرون من التقدميين يعملون كوكلاء للحملة. وأضاف المسؤول أن حملة ترامب و”سوبر باك” الداعمة لها تمول إعلانات تلفزيونية كانت تهدف إلى تصوير هاريس على أنها ليبرالية للغاية.
وقال المسؤول: “كانت هذه الديناميكية التي كان علينا التعامل معها في الحملة الانتخابية”.
وقال خانّا: ترامب أظهر ذكاء مع الطبقة العاملة، وتابع إن زيارة ترامب إلى ماكدونالدز كانت ذكية، وأنه قد حقق تقدما كبيرا مع الطبقة العاملة من خلال التحدث إلى مخاوفهم بشأن الاقتصاد. وأظهرت الاستطلاعات أن الناخبين كانوا يهتمون بشكل أكبر بقضايا مثل الاقتصاد، بدلا من قضايا مثل حقوق الإجهاض وحقوق المتحولين جنسيا.
ووفقا لاستطلاعات الخروج الأولية، قال حوالي ثلث الناخبين إن حالة الديمقراطية والاقتصاد كانت القضايا الرئيسية التي أثرّت في تصويتهم، في حين أن أغلبية ضئيلة من الناخبين قالوا إنهم يثقون بترامب أكثر في التعامل مع الاقتصاد، والهجرة، والجريمة و”الأزمات”.
ومن جانبها أشارت النائبة براميلا جيابال (من ولاية واشنطن)، رئيسة الكتلة التقدمية في الكونجرس، إلى الإغاثة التي قدمها الديمقراطيون أثناء فترة ترامب. وقد يشعر بعض الناخبين أنهم كانوا يحصلون على مزيد من المال أثناء رئاسة ترامب، وخاصة مع توزيع شيكات التحفيز خلال فترة الجائحة، مقارنة بعهد بايدن، بعد أن انتهت المساعدات.
وقالت جيابال: “الناخبون فضلوا السياسات التقدمية لكنهم لم يدركوا من كان وراءها”.وأضافت: “أعتقد أننا لم نوضح ذلك أبدًا. الناخبون لم يرفضوا سياساتنا الاقتصادية”.
أوضحت جيابال وآخرون أنهم بدأوا في جهود لفهم المزيد عن مشاعر الناخبين وما يريدون سماعه. وقد جمعت أوكاسيو-كورتيز ردود الأشخاص على سؤال طرحته على إنستغرام حول سبب تصويتهم لها ولترامب. عبر العديد عن اهتمامهم بالقادة الشعبويين.
وقال فايس شاكير، مستشار ساندرز، إنه يأمل أن يبدأ الديمقراطيون في السفر إلى مختلف أنحاء البلاد للاستماع إلى الناخبين وفهم مشاكلهم. وأضاف أن الديمقراطيين بحاجة إلى بذل المزيد من الجهد لشرح كيفية تفاقم التفاوت في الدخل خلال فترة ترامب.
كما أدت نتائج الانتخابات إلى نقاشات داخلية في الحزب الديمقراطي حول مواقف الحزب من القضايا الاجتماعية، مثل حقوق المتحولين جنسيا، التي كانت موضوعا للهجمات المتكررة من اليمين.
وفي الوقت نفسه، قال النائب جريج لاندسمان (من ولاية أوهايو) وآخرون من الديمقراطيين المعتدلين إنهم يخططون لإيجاد أرضية مشتركة مع الجمهوريين المعتدلين في الكونجرس.
وأضاف لاندسمان أنه سيقترح أن خطة ترامب الضريبية الجديدة لا ترفع الضرائب عن الأسر من الطبقة الوسطى، وأنه يتوقع أن يتمكن من إقناع عدد كافٍ من الجمهوريين بالانضمام إليه.
وقال لاندسمان:”كل شيء رئيسي تم إنجازه في هذا الكونجرس، كان بقيادة الأغلبية الثنائية، الوسطية العملية التي قادت الحملة”.
المصدر : أ ش أ