دخلت مالي مرحلة سياسية مهمة، عقب تشكيل حكومة جديدة بعد إعلان تولي الكولونيل المتقاعد “باه نداو” منصب الرئيس الانتقالي، وتعيين رئيس اللجنة الوطنية لإنقاذ الشعب “عاصمي جويتا” نائبا له، وتعيين الدبلوماسي “مختار وان” رئيسا مؤقتا للوزراء في أواخر سبتمبر الماضي.
وسيضطلع كل من “باه نداو، مختار وان” بمهمة الإشراف على فترة انتقالية تمتد 18 شهرا حتى تعود مالي إلى الحكم المدني.
وذكرت الرئاسة المالية -في بيان بثه التلفزيون الرسمي اليوم الثلاثاء- أن وزارات الدفاع والإدارة المحلية والأمن والمصالحة الوطنية سيتولاها عسكريون في بداية فترة 18 شهرا انتقالية تعود بعدها البلاد لحكم مدني، فيما سيتولى مدنيون 21 منصبا آخر في الحكومة، فيما يعتبره محللون نموذجاً للحكم على غرار التجربة السودانية.
ومنذ بداية الأزمة في مالي، تأخذ دول غرب أفريقيا على عاتقها ضرورة العودة إلى الحياة الطبيعية والاستقرار فى البلاد، وعليه طالبت المجموعة المجلس العسكري الحاكم ضرورة تعيين رئيس ورئيس وزراء انتقاليين بحلول 15 سبتمبر الجاري، وذلك خلال القمة 57 للمجموعة مع تأكيد على إعادة السلطة للمدنيين سريعا، إلا أن الفترة الممنوحة للمجلس العسكري انتهت دون التوصل إلى اتفاق على رئيس ورئيس وزراء.
جاء تشكيل هذه الحكومة، نتيجة للجهود الدبلوماسية التي قامت بها الجماعة الاقتصادية لدول غرب إفريقيا (الإيكواس) مدعومة بجهود دولية وإقليمية أخرى، للخروج من الأزمة السياسية التي تعيشها مالي بعد الإطاحة بالرئيس إبراهيم بوبكر كيتا في 18 أغسطس المنصرم.
كانت الفترة التي سبقت تشكيل الحكومة الجديدة بمالي قد شهدت مشاورات مكثفة بين المجلس العسكري وقادة الأحزاب السياسية ومنظمات المجتمع المدني، وكان المقترح أن تكون الفترة الانتقالية لسنتين، يتولى قيادتها رئيس معين من طرف المجلس، قبل عودة السلطة للمدنيين.
وقد تضمنت المقترحات إنشاء هيئات انتقالية لسد الفراغ بعد استقالة الرئيس، وحل البرلمان، ونصت المقترحات على أن يعمل الرئيس في المرحلة الانتقالية، الذي سيؤدي مهام رئيس الدولة، على احترام الميثاق، وتعيين رئيس للوزراء، وتستمر مؤسسات الدولة في العمل لحين إنشاء مؤسسات جديدة بعد انتخابات عامة.
وقد لاقى تشكيل حكومة جديدة بمالي لإدارة الفترة الانتقالية على مدار 18 شهراً ترحيباً دولياً وإقليمياً، حيث رفعت مجموعة (إيكواس) العقوبات المفروضة عليها، واعتبرت ذلك مقدمة لعودة النظام الدستوري ودعم العملية الانتقالية في الدولة الواقعة في منطقة الساحل.
وحسب رأي متخصصين في الشأن الإفريقي، ثمة صعوبات متعددة خلال المرحلة الانتقالية ربما تعوق عملية الانتقال إلى حكومة مدنية بصورة سهلة
وبسيطة في ضوء مجموعة من الاعتبارات.
فهناك حالة من فقدان الثقة تجاه وعود السياسيين، لأنهم يغيرون تحالفاتهم السياسية وفقًا لمصالحهم الشخصية، ويعزز من تلك الحالة أنه وفقاً للدستور المالي، كان من المفترض أن يصبح رئيس الجمعية الوطنية رئيسا مؤقتا ويقوم بتنظيم انتخابات جديدة بعد استقالة الرئيس، لكن هذا الخيار لم يعد موجوداً، بعد أن أقال الرئيس “كيتا” الحكومة وحل البرلمان قبل تقديم استقالته، وتشير تطورات الأحداث السياسية في مالي، إلى أنه عندما تم انتخاب “كيتا” في المنصب لأول مرة في عام 2013، كانت طموحات الشعب المالي هي تحقيق الأمن والاستقرار، لكنه لم يتعامل بحكمة مع التهديدات، ابتداء بالفساد والمحسوبية، وانتهاء بالعنف السياسي وغياب الأمن. وسرعان ما ثبت أن وعوده في حملته الانتخابية لعام 2013 باجتثاث الفساد واستعادة سيادة وأمن البلاد مجرد شعارات.
ومن بين الاعتبارات الحاسمة في تقرير معالم المرحلة السياسية القادمة في مالي ما يعتبره المحللون تغيرا في قواعد اللعبة السياسية من جانب المعارضة في مالي.. حيث يمثل تحالف 5 يونيو بزعامة الإمام “محمود ديكو” مصدر المعارضة المالية، والتي نشطت عقب قرار المحكمة الدستورية في أبريل الماضي، بإلغاء نتائج حوالي 30 مقعدا في انتخابات تجديد الرئيس كيتا للفترة الثانية عام 2018.
ومنذ ذلك الحين، طالبت حركة (5 يونيو) المعارضة بحل البرلمان، وتشكيل حكومة انتقالية ودعت عقب اعتقال عدد من قياداتها، الجماهير إلى تصعيد حراكهم حتى تحقيق الهدف وهو استقالة الرئيس، ودعوا المواطنين إلى استخدام العصيان المدني، ثم تغيرت الأحوال إلى القبول بالمشاركة في إدارة البلاد خلال الفترة الانتقالية.
ورغم المتغيرات الحاكمة والمتشابكة لطبيعة تطورات المشهد السياسي في مالي، إلا أن الخوف من تغلغل الجماعات المتطرفة في المناطق الرخوة من دولة مالي، تجعل من المصلحة الدولية والإقليمية العمل على عبور الفترة الانتقالية بأمان، إذ يخشى المراقبون من أن الاضطرابات السياسية ستسمح للمتطرفين في مالي بتوسيع نفوذهم مرة أخرى.
وثمة رغبة دولية وإقليمية ملحة للدفع باتجاه تثبيت دعائم الأمن والاستقرار في دولة مالي، إذ تحاول فرنسا والأمم المتحدة وغرب إفريقيا إعادة الاستقرار في مالي حتى لا تتكرر أحداث انقلاب 2012 الذي ترك فراغا في السلطة سمح للجهاديين بالسيطرة على مناطق الشمال وإعلان استقلالها.
وسيكون السلوك السياسي للقائمين على مفاصل المرحلة الانتقالية (باه نداو، مختار وان) إما داعماً لعودة الأمن والاستقرار، أو دافعاً لزعزعة استقرار مالي ومنطقة الساحل ككل، حيث يواصل تنظيم القاعدة والجماعات المرتبطة بتنظيم داعش توسيع نطاق انتشارها في المناطق البعيدة عن الحكومة المركزية.
المصدر : أ ش أ