هل تحسم انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي مستقبل ترامب السياسي؟
تشكل انتخابات التجديد النصفي لمجلسي الكونجرس الأمريكي (النواب والشيوخ) والمقررة في السادس من نوفمبر المقبل أهمية سياسية كبرى، سواء بالنظر إلى المناخ السياسي الذي تجري فيه أو النتائج المحتملة لهذه الانتخابات وانعكاساتها على مستقبل الرئيس دونالد ترامب السياسي.
وتعتبر هذه الانتخابات بمثابة استفتاء على شعبية الرئيس الأمريكي وسياساته التي انتهجها منذ فوزه في الانتخابات الرئاسية ووصوله إلى البيت الأبيض قبل نحو عامين، ومن ثم فإن نتائجها المرتقبة ستحدد بشكل كبير ملامح المشهد السياسي الأمريكي خلال المدة المتبقية من الفترة الرئاسية الأولى لترامب أوفرصه في الفوز بفترة ثانية، في حال قرر خوض الانتخابات الرئاسية القادمة عام 2020.
وتترقب الأوساط السياسية الأمريكية والدولية نتائج هذه الانتخابات، في ظل التوقعات بأن يسيطر الديمقراطيون على الكونجرس على حساب الجمهوريين في حال فوزهم بالأغلبية في مجلسي النواب والشيوخ؛ الأمر الذي قد يمكنهم من عرقلة قرارات وسياسات الرئيس ترامب خلال ما تبقى من فترته الرئاسية أو حتى الذهاب إلى التصويت على عزله من منصبه إن تمكنوا من ذلك.
وتجرى الانتخابات النصفية كل عامين لانتخاب أعضاء مجلس النواب جميعا والبالغ عددهم 345 عضوا، وثلث أعضاء مجلس الشيوخ، أي التنافس على 35 مقعدا في مجلس الشيوخ المؤلف من 100 مقعد، إلى جانب انتخاب 36 حاكما من أصل 50 من حكام الولايات الأمريكية، فضلا عن إعادة انتخاب العديد من المكاتب المحلية.
ويسيطر الجمهوريون حاليا على الكونجرس بمجلسيه إلى جانب أن سيد البيت الأبيض هو ممثل الحزب الجمهوري، لكن الديمقراطيين يأملون في تحقيق فوز كاسح في هذه الانتخابات مستغلين حالة الانقسام والجدل الحاد حول أداء إدارة الرئيس ترامب الجمهورية التي تتعرض لحملة انتقادات حادة في الأوساط السياسية والإعلامية الأمريكية إلى جانب الاتهامات والفضائح الشخصية التي تلاحق ترامب نفسه وبعض المسؤولين المحيطين به، والتي ألقت بظلالها بشكل كبير ليس فقط على صورة الرئيس، بل على فرص الحزب الجمهوري في الانتخابات النصفية القادمة.
وفي ظل هذه الأجواء السياسية غير المؤاتية لإدارة الرئيس ترامب والحزب الجمهوري، فإن السؤال المحوري المطروح حاليا يتركز حول فرص الحزب الديمقراطي في الفوز بالأغلبية في مجلس النواب والشيوخ؟ وفي حال فوزهم هل سيتلو ذلك تحركا من جانب الديمقراطيين داخل الكونجرس لعزل ترامب من منصبه بالنظر إلى الاتهامات الموجهة له، والتي يرى البعض أنها تستوجب عزله وفقا للمادة الثانية من الدستور الأمريكي.
وفيما يتعلق بالنتائج المحتملة للانتخابات النصفية تظهر استطلاعات الرأي، التي أجريت مؤخرا، أن لدى الحزب الديمقراطي ومرشحيه فرصة كبيرة لاستعادة الهيمنة على الكونجرس وتحقيق الأغلبية التي تمكنهم من كبح جماح الرئيس ترامب وإدارته الجمهورية وعرقلة الكثير من القرارات والسياسات التي يرفضها الديمقراطيون.
وتستند هذه الاستطلاعات إلى المتاعب الكثيرة التي تواجه إدارة ترامب والانتقادات الواسعة لسياسات الرئيس ومواقفه.
لكن محللين ينظرون بحذر إلى استطلاعات الرأي هذه وما تظهره من مؤشرات حول نتائج الانتخابات؛ لاسيما بعدما جرى في الانتخابات الرئاسية السابقة والتي كانت معظم استطلاعات الرأي خلالها ترجح فوز المرشحة الديمقراطية هيلاري كلينتون على دونالد ترامب، في حين جاءت النتائج النهائية عكس ذلك تماما.
هذا الحذر لا ينفي أن أمام الحزب الديمقراطي فرصة كبيرة لتحقيق فوز كاسح في الانتخابات النصفية على حساب خصمه الحزب الجمهوري الذي يشهد حالة من الانقسام الداخلي غير المسبوق في صفوف أعضائه ومناصريه حيال سياسات ترامب، في حين تقف كل استطلاعات الرأي في صف الحزب الديمقراطي في انتخابات مجلس النواب.
ويرجح المراقبون، في هذا الصدد، أن يستعيد الديمقراطيون الأغلبية في مجلس النواب، إلا أن الأمر لن يكون بهذه السهولة في مجلس الشيوخ، حيث قد لا يتمكن الديمقراطيون من انتزاع الأغلبية من الجمهوريين، فلكي يحصل على الأغلبية في مجلس الشيوخ، فإن الحزب الديمقراطي بحاجة إلى تأمين 26 مقعدًا من أصل 34 مقعدًا سيجرى عليهم إعادة الانتخاب، وفضلا عن ذلك يحتاج الحزب للفوز بمقعدين على الأقل حتى يتمكن من تحقيق الأغلبية في مجلس الشيوخ.
وإلى جانب الانقسام الحالي داخل صفوف الحزب الجمهوري، فإن من العوامل الأخرى التي تعزز فرص الحزب الديمقراطي في الفوز بالانتخابات النصفية هو أن السوابق التاريخية للانتخابات الأمريكية تظهر أن الحزب الحاكم عادة ما يخسر هذه الانتخابات، والتي تأتي في منتصف مدة ولاية الرئيس الموجود في البيت الأبيض.
كما يسعى الديمقراطيون لاستغلال ما تثيره سياسات ترامب الشعبوية والتي لا تخلو من ملامح عنصرية ضد الأقليات من ذوي الأصول الإفريقية أو اللاتينية أو المرأة أو الديانات الأخرى وخاصة الإسلام والمسلمين، لحفز وتشجيع قواعدهم الانتخابية للمشاركة بكثافة والتصويت لصالح مرشحي الحزب الديمقراطي في الانتخابات النصفية.
إلا أن كل ما سبق لا يعني أن فوز الديمقراطيين بالانتخابات النصفية بات محسوما خصوصا في ظل حالة الانقسام الشديدة التي يعاني منها الحزب الديمقراطي، وتمسك بعض قياداته التقليدية بمواقعها وعدم سماحها بضخ دماء جديدة في قيادة الحزب، الأمر الذي قد يحد من المكاسب التي يمكن أن يحققها الحزب في هذه الانتخابات.
يضاف إلى ذلك أن هناك العديد من العوامل التي تصب في صالح الرئيس ترامب ومن ثم الحزب الجمهوري، وعلى رأسها النمو غير المسبوق الذي يشهده الاقتصاد الأمريكي حاليا وانخفاض معدلات البطالة إلى أدنى مستوى لها منذ سنوات طويلة، فضلا عما حققته البورصة الأمريكية من مكاسب، وكلها عوامل سيستغلها الجمهوريون في الانتخابات النصفية .
كل ما سبق يجعل مسألة التنبؤ بنتائج انتخابات التجديد النصفي للكونجرس الأمريكي أمرا صعبا للغاية، لكن في حال نجح الديمقرطيون في تحقيق هذه الأغلبية، فهل يعني ذلك تمهيد الطريق لعزل الرئيس ترامب من منصبه كما يتوقع بعض المحللين والأوساط السياسية؟.. المؤكد أن سيطرة الحزب الديمقراطي على الكونجرس قد ينعش الحديث عن إمكانية عزل ترامب، وقد يشهد الكونجرس تحركات في هذا الصدد من قبل النواب الديمقراطيين إلا أن ذلك لا يعني أن هذا ما سيحدث في النهاية.
فمسألة عزل الرئيس الأمريكي ليست سهلة كما يعتقد البعض، بل هي عملية معقدة للغاية، فقرار العزل يتطلب أولا توقيع أكثر من نصف أعضاء مجلس النواب عليه ثم يتم إحالة القرار إلى مجلس الشيوخ الذي يجب أن يصوت ثلثا أعضائه بالموافقة حتى يمر قرار العزل إلى المرحلة الأخيرة، وهي المحكمة الدستورية العليا صاحبة القول الفصل في قرار العزل.
وأيا تكن نتيجة الانتخابات النصفية للكونجرس الأمريكي فإنه الراجح أنه سيكون لها ما بعدها، ففي حال حقق الديمقراطيون الأغلبية فسيكون بانتظار ترامب وإدارته أياما صعبة من التعايش والمواجهة مع كونجرس معاد له ولقراراته، أما في حال جاءت الانتخابات بنتائج مغايرة للتوقعات وحافظ الجمهوريون على الأغلبية، فإن ذلك سيكون بمثابة تجديد للثقة في إدارة ترامب الذي سيكون في وضع يمكنه من المضي قدما في تنفيذ سياساته كما يريد.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)