شهدت منطقة الخليج العربي خلال الفترة الماضية جملة من التحركات السياسية غير المسبوقة في توقيت واحد، فلم يكن من قبيل الصدفة أن تكون هناك قمتان خليجيتان مع دولتين إقليميتين، الأولى القمة الإيرانية مع كل من سلطنة عمان والكويت. والثانية القمة التركية مع كل من السعودية والبحرين وقطر.
وبحسب مراقبين فإن الرئيس التركي رجب طيب أردوغان اختار زيارة البلدان الخليجية التي تجمعه بها علاقات جيدة فقط، مستثنيا الإمارات وسلطنة عمان والكويت. كما اختار الرئيس الإيراني حسن روحاني زيارة كل من سلطنة عمان والكويت بحكم العلاقات الطيبة بين الدول الثلاث، وربط المراقبون بين عدم زيارة أردوغان لكل من الكويت وسلطنة عمان وزيارة روحاني لهذين البلدين، بوجود حالة من التنافس التركي الإيراني في المنطقة الخليجية وأنها باتت ساحة لترتيب الملفات الإقليمية والدولية.
ولم يكد يمر أسبوع على زيارة روحاني، إلى الكويت وعمان؛ لتعزيز التعاون بين الخليج وطهران ومحاولة تخفيف حدة التوترات بينهما، حتى جاءت زيارة أخرى لأمير الكويت الشيخ صباح الأحمد، إلى سلطنة عمان في تحرك فسره مراقبون أنه يستهدف تشكيل صيغة للحوار مع إيران، من أجل توحيد جهود الكويت ومسقط في إنهاء القطيعة بين الخليج وطهران.
ويؤكد محللون أن زيارة أمير الكويت لمسقط جاءت لتعزز فرص نجاح هذه التحركات، لاسيما وأن السلطنة أدت دورا رئيسيا في المفاوضات التي أفضت إلى التوصل للاتفاق النووي بين إيران والقوى الكبرى في يوليو 2015، واستضافت محادثات سرية بين ممثلي طهران وواشنطن.
وفي الوقت الذي يؤكد فيه مراقبون أن زيارة أمير الكويت للسلطنة تعني أن ثمة معالم باتت واضحة لصياغة أسس مقبولة لحوار مع إيران شجعت عليه القمة الخليجية الأخيرة في البحرين، يؤكد محللون سياسيون أن المحاولات الكويتية العمانية لرأب الصدع الخليجي الإيراني، تأتي بعد اعتراف بعض الدول الخليجية بخسائرها في ملفات المنطقة، فاستنزاف الرياض في الحرب اليمنية وسيطرة روسيا وتركيا وإيران على الملف السوري، إضافة إلى موقف إدارة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، الغامض تجاه هذه الملفات، كلها أمور أدت إلى إظهار النية للوصول لتفاهمات “الضرورة” بين الخليج وطهران في ملفات المنطقة.
ولعل العامل الأبرز في السعي لهذه التفاهمات، تفاوت مواقف دول الخليج تجاه طهران، فالكويت وعمان كليهما لديه نظرة مختلفة نحو إيران عن دول الخليج الأخرى مثل السعودية والبحرين، في حين الإمارات لها علاقات اقتصادية واسعة مع طهران، وقطر لديها تنسيقات وتفاهمات مع طهران، خاصة أنها تبحث عن دور إقليمي لها في الشرق الأوسط.
واشنطن دافع للتحركات
لم يكن من الممكن أن تشهد منطقة الخليج هذه التحركات السياسية المحمومة لولا مواقف الإدارة الأمريكية الجديدة برئاسة ترامب من كل من إيران والخليج.
فقد تبنى الرئيس “ترامب” منذ حملته الانتخابية وأركان إدارته توجهات مختلفة عن تلك التي تبنتها الإدارة السابقة، يتمثل أهمها في أنها بدأت تركز على أن الخلاف مع طهران لا ينحصر في الاتفاق النووي، رغم أهميته، وإنما يتركز أيضا حول دعم إيران لـ”الإرهاب” الذي بات يهدد مصالح الأمريكيين طبقا لرؤية الإدارة الأمريكية الجديدة.
لهذا، تحولت لغة التعامل بين الطرفين، من التصالح إلى التصادم، وهو ما بدا جليا في تأكيد إدارة “ترامب” أن كل الخيارات باتت متاحة في مواجهة تهديدات إيران. وفي المقابل تحذر إيران من أنها لن تتوانى عن الرد على أية إجراءات أمريكية ضدها.
وفي ضوء ذلك، يبدو أن التصعيد سوف يكون الخيار الأكثر ترجيحا في التفاعلات بين طهران وواشنطن خلال المرحلة المقبلة، في ظل اتساع نطاق الخلافات بينهما، بداية من الاتفاق النووي مرورا بالحرب ضد الإرهاب، وانتهاء بالملفات الإقليمية المختلفة، على غرار الملف اليمني. وإن كان ذلك لا ينفي – في المقابل – أن طهران ربما تسعى، في لحظة ما، إلى اختبار احتمال الوصول إلى تفاهمات مع إدارة ترامب حول تلك الملفات.
وبعبارة أخرى، فإن تعمد الإدارة الأمريكية الجديدة توسيع نطاق الخلافات مع إيران، ليشمل “ملفات غير نووية”، سوف يفرض خيارات ضيقة أمام الأخيرة، خاصة أنها تواجه في تلك الفترة ضغوطا دولية وإقليمية لا تبدو هينة، فضلا عن أنها لا تستطيع بسهولة التلويح بخيار وقف العمل بالاتفاق النووي، رغم العقوبات الأمريكية الجديدة التي فرضت عليها، لا سيما أنها سوف تتحمل في تلك اللحظة المسئولية الدولية عن فشل الاتفاق، وسوف تخاطر بالدخول في مواجهة عسكرية مع الولايات المتحدة الأمريكية.
ولذا، فإن إيران سوف تتجه – على الأرجح – إلى مواصلة خطواتها التصعيدية التي اعتادت عليها، لا سيما فيما يتعلق بإجراء تجارب أو مناورات صاروخية، انتظارا لما سوف تتخذه إدارة ترامب من خطوات جديدة في الملفات الإقليمية “غير النووية”، وفي مقدمتها الملفان السوري واليمني اللذان يحظيان بأهمية خاصة بالنسبة لها إلى جانب ملف دعم إيران للإرهاب، وبعدها تبدأ في تحديد خياراتها التي يمكن أن تستند إليها في التعامل مع الضغوط المتتالية التي بدأت تفرضها الإدارة الأمريكية الجديدة عليها.
أما دول الخليج فقد رأي ترامب أن هذه الدول يحب أن تتحمل نفقة حمايتها من قبل القوات الأمريكية الموجودة في بعض دول المنطقة، كما جدد الرئيس الأمريكي، في خطابه بولاية فلوريدا أمام أول مهرجان شعبي لأنصاره منذ توليه الرئاسة تعهده بإقامة مناطق آمنة في سوريا، وأن دول الخليج ستتحمل تكلفتها، وكان البيت الأبيض قد أكد في نهاية يناير الماضي أن ترامب اتفق مع العاهل السعودي، في اتصال هاتفي، على دعم إقامة مناطق آمنة بسوريا واليمن. واتفقا على أهمية تعزيز الجهود المشتركة لمكافحة “متشددي تنظيم الدولة”.
وتأسيسا على ذلك باتت منطقة الخليج ساحة للتفاهمات الإقليمية والدولية، بحكم أهميتها في صياغة هيكل النظام الدولي وإعادة موازين القوى العالمية بما يحقق لكل قوى مصلحتها القومية وحساباتها الاستراتيجية وفق الأطر والمصالح المتبادلة عالميا وإقليميا.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)