سلطت صحيفة “نيويورك تايمز” الأمريكية الضوء على الوضع الاقتصادي الراهن في سوريا وقالت إنه رغم سرعة انهيار حكومة بشار الأسد بشكل صادم ، فإن إعادة بناء الاقتصاد المدمر سيكون بطيئا بشكل مؤلم .
وأشارت الصحيفة في سياق مقال تحليلي نشرته اليوم السبت إلى أنه بعد ما يقرب من 14 عاما من الحرب الأهلية الوحشية في سوريا أصبحت معظم آبار النفط والغاز والطرق وشبكات الكهرباء والأراضي الزراعية والبنية الأساسية في سوريا في حالة خراب، ويعيش 90 بالمائة من السكان في فقر، وانخفضت قيمة الليرة السورية، كما نفدت احتياطيات البنك المركزي من العملات الأجنبية اللازمة لشراء الضروريات مثل الغذاء والوقود.
قبل الحرب كان النفط يشكل ثلثي صادرات سوريا، وكانت الزراعة تشكل ما يقرب من ربع النشاط الاقتصادي.
وقال الخبير الاقتصادي السوري ورئيس دائرة الاقتصاديين العرب سمير العيطة “إن النظام الاقتصادي بأكمله في سوريا لا يعمل”.
ولفتت الصحيفة إلى أن الإدارة السورية الجديدة تواجه مهمة شاقة تتمثل في توحيد فصائل المعارضة المسلحة وإعادة تشكيل الحكومة وإعادة إرساء سيادة القانون وتوفير الأمن وإدارة الخدمات الأساسية مثل توزيع المياه وغيرها من الموارد، إلا أن هناك اتفاقا واسع النطاق على أن الخطوة الأكثر أهمية في إعادة بناء اقتصاد سوريا هي رفع الولايات المتحدة العقوبات التي قطعت سوريا فعليا عن التجارة والاستثمار الدوليين.
كانت الولايات المتحدة فرضت قيودا في عام 2019 على التدفقات المالية لسوريا، والآن يقطعون سوريا عن الأموال التي تحتاج إليها بشدة للإعمار
والتنمية الاقتصادية، حيث لا تستطيع الأسر ومنظمات الإغاثة إرسال المساعدة، ولا يستطيع اللاجئون تحويل الأموال من الحسابات المصرفية الغربية ولا يستطيع صندوق النقد الدولي والبنك الدولي تقديم المساعدة، وقال العيطة “إن رفع العقوبات حتى مع الإعفاءات المؤقتة يشكل أولوية”.
وفي وقت سابق، قال المبعوث الخاص للأمم المتحدة إلى سوريا جير بيدرسن “إن زعماء الفصائل أصدروا تصريحات مطمئنة بشأن تشكيل حكومة وحدة وشمولية”.
كما ذكرت “نيويورك تايمز” أن واشنطن لديها أوراق اقتصادية أخرى للعب، فمركز إنتاج النفط والآبار العاملة المتبقية تقع في شمال شرق سوريا، وهي منطقة تسيطر عليها ميليشيا يقودها الأكراد وتدعمها الولايات المتحدة.
وقال جوشوا لانديس المدير المشارك لمركز دراسات الشرق الأوسط في جامعة أوكلاهوما “إن النفط كان يمثل في السابق نحو نصف عائدات البلاد، وهذه الحقول تنتمي إلى الحكومة في دمشق ويجب إعادتها إلى سيطرتها”.
ونوهت الصحيفة الأمريكية أن إحياء إنتاج النفط والغاز في سوريا لن يكون سهلا، فقبل الحرب كانت سوريا تنتج 383 ألف برميل يوميا، والآن تنتج أقل من 90 ألف برميل، وفقا للبنك الدولي، وقد دمرت أو تضررت المرافق والأنابيب ومن بينها تلك التي تنقل الطاقة إلى العراق والأردن، وأصبحت سوريا تستورد نفطا أكثر مما تصدر.
وقال ديفيد جولدوين وهو مسؤول كبير في مجال الطاقة في إدارة أوباما “إن الحكومة السورية ستحتاج إلى إثبات بوضوح أنها تمتلك هذه الموارد ولديها الحق في بيعها، ويجب أن تكون قادرة على ضمان الأمن حتى يمكن إصلاح البنية التحتية وتشغيلها”، لافتا إلى أن التحدي الآخر سيكون جذب الشركات الأجنبية أو المشغلين الذين لديهم الموارد والمعرفة لإعادة البناء.
وأكدت “نيويورك تايمز” أن الأمن ضروري ليس فقط لإنتاج النفط والغاز، ولكن أيضا لجذب العديد من الثماني ملايين لاجئ الذين فروا من القتال، فجذب أولئك الذين يتمتعون بالتعليم والمهارات والموارد للعودة أمر بالغ الأهمية لإحياء سوريا .
في الوقت الراهن يعتمد مستقبل سوريا الاقتصادي على قدرة الحكومة في دمشق على تعزيز السيطرة وتأسيس شرعيتها بشكل لا يرضي فقط سكانها ولكن أيضا الولايات المتحدة وحلفائها الذين لديهم الكلمة الأخيرة بشأن العقوبات.
المصدر : أ ش أ