نصف سنة مرّت ولا نهاية تلوح في الأفق للحرب الروسية الأوكرانية التي غدت نقطة تحول في مشهد العلاقات والتوازنات الدولية، وخلّفت أزمة عالمية حادة متعددة الأوجه اقتصاديا وإنسانيا وأمنيا.
في 24 فبراير الماضي أعلن الرئيس الروسي فلاديمير بوتن إطلاق العملية العسكرية الخاصة في أوكرانيا دفاعا عن جمهوريتي لوجانسك ودونيتسك المعلنتين من طرف واحد بشرق أوكرانيا، واللتين أعترف بهما عشية بدء الحرب.
وتركزت المرحلة الأولى من الحرب على استهداف مختلف المناطق الأوكرانية وخاصة محيط العاصمة كييف التي عمل الروس على محاصرتها وتطويقها تمهيدا لاقتحامها، وتغيير نظام الرئيس فولوديمير زيلينسكي.
أخفقت موسكو وفق مراقبين وخبراء في تحقيق ذلك الهدف مع المقاومة التي أبدتها القوات الأوكرانية وتصاعد وتيرة الدعم العسكري الغربي لها بأسلحة نوعية، رغم التحذيرات الروسية المتكررة من مغبة ذلك.
دفع ذلك موسكو بعد نحو شهر من بدء الحرب لإعلان دخول المرحلة الثانية من عمليتها العسكرية والتركيز على تحرير دونباس الشرقية، التي مثلت شرارة اندلاع الحرب، وهو ما نجحت فيه لحد بعيد عبر تقدمها الميداني هناك مسيطرة على معظم المناطق في حوض دونباس الاستراتيجي ولا سيما مدينة ماريوبول بعد معركة دامية وحصار طويل على مدى شهرين لمصنع آزوفيستال الذي كان آخر معقل للقوات الأوكرانية فيها.
ومن ثم أعلنت روسيا سيطرتها بالكامل على كافة مناطق لوغانسك بشرق أوكرانيا في 2 يوليو الماضي، بعد سيطرتها على مدينة ليسيتشانسك الاستراتيجية.
ونجح الروس أيضا في التقدم جنوبا والسيطرة على غالبية المناطق على الشريط البحري الجنوبي على بحري آزوف والأسود، ومن أهمها مقاطعة خيرسون التي اكتملت السيطرة عليها في 16 مارس الماضي، بما أتاح لهم السيطرة على رئة أوكرانيا البحرية والتحكم بحركة الصادرات والواردات منها وإليها، فضلا عن أن السيطرة على خيرسون فتحت الباب أمام الربط البري بين الأراضي الروسية مرورا بإقليم دونباس وإلى شبه جزيرة القرم.
مع بداية الحرب شرعت الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة الأميركية ودول الاتحاد الأوروبي، في فرض حزم متصاعدة ومتتالية من العقوبات على روسيا، بما جعلها الدولة الأكثر تعرضا للعقوبات عالميا، لكن تأثيرات هذه العقوبات بدت سيفا ذي حدين وفق خبراء اقتصاديين ما ساهم في حدوث أزمة اقتصادية عالمية طالت أمن الطاقة والغذاء، وفي ارتفاع معدلات التضخم وغلاء الأسعار وشح المواد وتعطل سلاسل التوريد بشكل غير مسبوق، ما أدخل ليس فقط الاقتصاد الروسي بل والاقتصادات الغربية كاقتصاد منطقة اليورو في أزمات حادة، خاصة مع رد الروس على تلك العقوبات بعقوبات وإجراءات مضادة، لاسيما في قطاع الطاقة حيث تعتمد الدول الأوروبية بشكل كبير على إمدادات الغاز والنفط الروسيين.
رغم أنها بدأت بعد 5 أيام فقط من بدء المعارك في بيلاروسيا ومن ثم انتقلت لتركيا، لكن جولاتها المتتابعة لم تفلح في إحراز اختراقات حقيقية، بما فيها اللقاء الذي جمع وزيري خارجية البلدين الروسي سيرغي لافروف والأوكراني دميترو كوليبا، باسطنبول في 10 مارس الماضي، حيث كان صوت السلاح في الميدان هو الطاغي، ما قاد في المحصلة لتوقف المفاوضات وجمودها وسط تبادل الاتهامات بين الطرفين بتعطيلها وبوضع شروط تعجيزية.
واستمر الوضع على ماهو عليه دبلوماسيا إلى أن تم التوصل مؤخرا لاتفاق الحبوب بين موسكو وكييف الذي وقع برعاية الأمم المتحدة في مدينة إسطنبول التركية في 22 يوليو الماضي، لاستئناف حركة التصدير من الموانىء الأوكرانية، والذي جاء وفق محللين بفعل تراكم الضغوط الدولية على الجانبين على وقع تفاقم أزمة الغذاء العالمية بفعل الحرب بينهما وتقلص صادراتهما من الحبوب والغلال وعلى رأسها القمح كونهما من أكبر منتجيه ومصدريه.
بعد سيطرتها خلال الأشهر الماضية على مناطق واسعة في شرق وجنوب أوكرانيا، بدأت موسكو بتكريس سياسة الأمر الواقع الروسي فيها تمهيدا وفق مراقبين لضمها لروسيا، من قبيل منح مواطني تلك المناطق الجنسية وجوازات السفر الروسية واعتماد اللغة والعملة (الروبل) الروسيتين فيها، وصولا لإجراء عمليات استفتاء فيها لتقرير مصيرها ما بين روسيا وأوكرانيا، حيث تعتزم السلطات الموالية لموسكو في منطقة زابوروجيا الأوكرانية تنظيم أول استفتاء للانضمام لروسيا في منتصف شهر سبتمبر القادم، ويتوقع أن تتبعها مقاطعة خيرسون الجنوبية وغيرها من مناطق خاضعة للنفوذ الروسي.
في 5 أغسطس الجاري دخلت استهدافات المواقع النووية على خط الأزمة، حيث تبادلت موسكو وكييف الاتهامات بقصف محطة زابوروجيا النووية جنوبي أوكرانيا، والتي سيطرت عليها القوات الروسية بعيد بداية الحرب، ما بات يهدد بوقوع كارثة نووية قد لا تقف سمومها عند تخوم القارة الأوروبية فقط.
المصدر : وكالات