تم نشر أكبر مسح رقمي (ديجيتال) في العالم يعرض الكـون المرئي، يتضمن خرائط لمليارات من النجوم والمجرات، لأول مرة في التاريخ.
أصبح الآن بـمقدور الباحثـين دراسة “أبعــد أطراف الكون واكتساب الفرصة لإلقاء نظرة ثاقبة فاصلة على الطـاقة المظلمة والمادة المعتمة بعيدة المنال،” وذلك باستخــدام الخريطة الأكبر على الإطلاق للكون، وفقاً لما صرح به خبراء لموقع صحيفة “ديلي ميل” البريطانية.
الخريطة هي نتاج جهود مشروع يستخدم تليسكوبا يبلغ طوله ستة أقـدام (1.8 متر)، منصوباً عند قمة البركان “هاليكالا” في ماوي بهاواي، والذي استمر في التقاط صور كبيرة للسماء كل 30 ثانية لمدة أربع سنوات.
وقد استخدم المشروع تلسكوب المسح البانورامي ونظام الاستجابة السريعة، المعروف اختصاراً باسم “بان ستارز”، لالتقاط صـور للأجسام سريعة الحركة، كما قام بتتبع النجوم المتفجرة عبر السماء.
ويأتي مشروع المسح الرقمي للكون في إطار تعاون دولي يشمل جامعات “أدنبرة” و”دورهام”، بالإضافة إلى جامعة “كوينز” في بلفاست، جنباً إلى جنب والدعم من قبل كل من وكالة “ناسا” ومؤسسة العلوم القومية.
وتخضع حالياً الصور، التي تم التقاطها بواسطة مشروع “بان ستارز”، والتي قام بنشــرها، الاثنين، معهد علوم التليسكوب الفضائي وجامعة “هاواي”، للتحليل بغـرض التعرف على الأجسام الفلكية وتصنيفها في مجلدات ستصبح متاحة لكل علماء الفلك حول العالم بالعام القادم.
وقد تم بالفعل إتاحة بعض البيانات من المسح الرقمي للاطلاع من قبل علماء الفلك، مما أدى إلى اكتشاف مئات من انفجارات نجوم “سوبرنوفاي”، التي تكتسب عند انفجارها بريقاً يزيد مليار مرة عن بريق الشمس، والتي ينبعث منها كميات هائلة من الطاقة أثناء موتها.
وقد أتاحت تلك الخرائط للعلماء مشاهدة النجوم المنفردة في المجرات القريبة، وكذا اكتشاف تيارات عملاقة من النجوم في مجرة “درب التبانة”.
وكان قد تم رسم خريطة تفاعلية لمجـرة “درب التبانة” في العام الماضي، ساهمت في الكشف عن الكثير من التفاصيل الدقيقة للتكوين المعقـد لمجـرتنا. ولكن المسح الرقمي، الذي تم الكشف عنه الاثنين، أثمر عن رسم خريطة الكون الأكثر تفصيلاً التي أمكن التوصل إليها حتى الآن.
ويجري تقديم بيانات المسح في خطوتين: الخطوة الأولى هي “السماء الستاتيكية” التي بدأت حالياً والتي تقدم قيمة متوسطة لمواقع ودرجة بريق ولون الأجسام، التي رصدت في السماء في لحظات زمنية منفردة.
أما الخطوة الثانية، والمقرر البدء بها خلال عام 2017، فستكون الافراج عن مجموعة أخرى من البيانات تشمل مجلدات وصور من كل مجموعة منفردة من اللقطات التي تسجيلها بالتليسكوب “بان ستارز” من منطقة معينة بالسماء.
ويقول البروفيسور آندي لورنس، من كلية الفيزياء والفلك بجامعة “ادنبره”: “إن هذا المسح السريع والمتكرر قد ساعدنا على اكتشاف أحداث بالغة الندرة، مثل تحويل ثقـب أسود ضخم لنجمة عابرة إلى أشلاء، ولم يكن متاحاً لنا رصد مثل هذه الأحداث بدون هذا المسح الرقمي”.
وأضاف “إن الإفصاح عن البيانات سوف يتيح لعلماء الفلك حول العالم إمكانية دراسة أعداد هائلة من النجوم والمجرات البعيدة بطرق لا يمكننا حتى تخمينها”.
وقد توصل علماء الفلك، عند دراسة النجوم والمجرات، إلى أن قوى الجاذبية تبدو أقوى مما كان متوقعاً، وأن المناطق الخارجية من المجرات، مثلما في “درب التبانة”، تدور بسرعة أكبر حول المركز أكثر مما كان يمكن حسابه باستخدام كمية المادة العادية مثل النجوم والكواكب والغازات بين النجوم.
وبطريقة نمطية، فـقـد كان تفسير علماء الفيزياء لهذا التناقض بافتراض وجود شيء آخر هناك لا يستطيعون رؤيته، وهو ما وصفوه بأنه المادة المظلمة. وبالتالي فإن الخريطة الجديدة سوف تفتح الأبواب لدراسة المادة المظلمة والطاقة المعتمة بعيدة المنال، ومن المحتمل أن يتمكن العلماء من تفسير الأمور الغامضة المتعلقة بالكون.
ويقول دكتور نايجل ميتكالف، من جامعة “دورهام”، رئيس مجموعة التحقق من البيانات العلمية في مشروع المسح البانورامي “بان ستارز PS1 “: “نشهد الآن سنوات من العمل الشاق الذي سوف يؤتي ثماره. إن “بان ستارز” مفهوم جديد وقد قدم العديد من التحديات على طول الطريق، ولكن في النهاية نحن مستعدون لإتاحة هذا المسح الفريد من نوعه لكل علماء الفلك حول العالم”.
واضاف ميتكالف: “ولسوف يكون له أثره على جميع فروع علم الفلك تقريباً، من دراسات النظام الشمسي، وصولاً إلى مجرتنا وحتى في الكون البعيد”.
وفي مايو 2010، شرع مرصد “بان ستارز”، في عمل مسح رقمي للسماء في ضوء الأشعة تحت الحمراء المرئية والقريبة.
وقال علماء الفلك إنه كان أول مسح يجرى بهدف مراقبة السماء بسرعة كبيرة مراراً وتكراراً، للبحث عن الأجسام المتحركة والأشياء العابرة أو المتغيرة، بما في ذلك الكويكبات التي ربما تكون تشكل تهديدا للأرض.
ويوضح دكتور كن تشامبرز، مدير مراصد “بان ستارز” بجامعة هاواي: “أن عمليات المسح التي تقوم بها “بان ستارز1″ تسمح لأي شخص بالاطلاع على ملايين الصور واستخدام قاعدة البيانات والمجلدات التي تحتوي على القياسات الدقيقة لمليارات من النجوم والمجرات”.
وأضاف: “وقد حققت “بان ستارز” بالفعل اكتشافات عن الأجسام القريبة من الأرض والكائنات في حزام كويبر في النظام الشمسي، وصولاً إلى الكواكب الوحيدة بين النجوم، إذ أنها رسمت خريطة ثلاثية الأبعاد للغبار في مجرتنا، كما اكتشفت تيارات جديدة من النجوم، فضلاً عن اكتشافها أنواع جديدة من النجوم المتفجرة وشبيهات النجوم البعيدة في الكون المبكر”.
المصدر: وكالات