تستضيف العاصمة الفنلندية هلسنكي مساء اليوم /الأربعاء/ اجتماعا طارئا لوزراء داخلية دول الاتحاد الأوروبي الـ28 لبحث سبل مواجهة مشكلة المهاجرين الذين يتم إنقاذهم في البحر، وكيفية توزيعهم بين الدول الأوروبية المستقبلة لهم.
وجاء هذا الاجتماع بدعوة من الرئاسة الفنلندية الدورية للاتحاد الاوروبي، وبمبادرة من باريس وبرلين، بهدف التوصل إلى إجراءات محددة توضح ما يجب القيام به بعد عمليات إنقاذ المهاجرين، ووضع أسس لـ “ائتلاف” يضم الدول المستعدة لتقاسم استقبال المهاجرين الذين يتم إنقاذهم، دون الاضطرار إلى الدخول في مفاوضات شاقة لدى وصول كل دفعة من المهاجرين، وذلك في محاولة لوضع حد للتجاذبات الدبلوماسية حول الدولة التي يفترض أن تستقبلهم.
وأكدت الرئاسة الفنلندية على أهمية التوصل إلى إجراءات تقوم على التشارك في المسؤولية من قبل أكبر عدد ممكن من الدول الأعضاء، مشيرة إلى ضرورة تخفيف الضغط عن الدول المنتشرة على الخطوط الأولى للوافدين من المهاجرين.
وتعالت الأصوات الأوروبية المطالبة بسياسة أوروبية أكثر تنسيقا إزاء مشاكل الهجرة، حيث هاجم ساسة أوروبيون نهج الاتحاد الأوروبي في التعامل مع ملف الهجرة غير الشرعية، وعمليات إنقاذ المهاجرين في سواحل البحر الأبيض المتوسط.
فعلى سبيل المثال، أعلنت الألمانية فون دير لاين، التي وافق البرلمان الأوروبي مساء أمس على تعيينها رئيسا للمفوضية الأوروبية، عزمها على تقديم مقترح لإبرام “ميثاق جديد للهجرة واللجوء” لحل الخلاف المستمر منذ سنوات حول سياسة الهجرة في الاتحاد الأوروبي، مؤكدة على أن الزيادة المخططة لقوات حماية حدود الاتحاد الأوروبي إلى 10 آلاف حرس حدود سيتعين إتمامها بحلول عام 2024، وليس كما هو مخطط حاليًا بحلول عام 2027.
كما أكدت على ضرورة قيام الاتحاد الأوروبي بالحد من الهجرة غير الشرعية والتصدى لمهربى البشر، مع الحفاظ على حق اللجوء وتحسين أوضاع اللاجئين، والذى يمكن تحقيقه عبر توفير “الممرات الإنسانية” التى تقدم الحماية للأشخاص.
من جانبه تقدم وزير الخارجية الإيطالي، إنزو موافيرو ميلانيزي، أول أمس في اجتماع لوزراء خارجية الاتحاد الأوروبي، بمجموعة من المقترحات تقوم على ضرورة تغيير طريقة التعامل مع ملف الهجرة واللجوء والتعامل معه كملف يمس القارة الأوروبية وتجاوز أسلوب معالجة كل ملف على حدة وفق حلول قائمة على حالات الطوارئ.
ودعا إلى تبني “حلول مستقرة ومنظمة” لهذه المسألة، مؤكدا أهمية أن يتم توزيع اللاجئين القادمين داخل الاتحاد الأوروبي وفقا “لمعايير موضوعية وواضحة”، ولافتا إلى أن “النظام لن يُطبق إلا إذا انضم إليه عدد كبير من دول الاتحاد”.
كما اقترح أن يتم تمكين راغبي اللجوء في الدول التي تشهد صراعات في التقدم بطلبات خارج الاتحاد الأوروبي للحصول على اللجوء من خلال “مكتب أوروبي في الدولة الأقرب إليهم التي تنعم بالسلام”، وأن يتم نقل اللاجئين الحاصلين على الموافقة جوا إلى الاتحاد الأوروبي، لتجنب عناء التعامل مع مهربي المهاجرين فضلا عن تكبد الرحلات الشاقة عبر البحر.
غير أن هذه المقترحات لم تلق قبولا واسعا من قبل بعض الدول لاسيما ألمانيا حيث اعتبر وزير الدولة الألماني لشئون أوروبا، ميشائيل روت، أن هذه التدابير المقترحة من الجانب الإيطالي لا توفر حلولا فورية ولا تسهم “بصورة فعالة” في إعادة الأمور إلى نصابها لأن الاتحاد الأوروبي يتفاوض بالفعل من أجل نظام شامل منذ أشهر دون إحراز تقدم كبير، وأكد روت أن ألمانيا تركز على التوصل إلى “آلية إنسانية فورية” قائمة على التضامن بين الدول الأوروبية الراغبة في استقبال المهاجرين على أساس كل حالة على حدة.
وخلال الأسابيع القليلة الماضية، جددت كل من إيطاليا ومالطا معارضتهما الاستمرار في استقبال قوارب لمهاجرين بعد إنقاذهم من البحر المتوسط، حيث إنهما من الدول الأكثر استقبالا للاجئين في الاتحاد الأوروبي بسبب وضعهما الجغرافي، وهو ما فتح الباب من جديد لبحث قضية تقاسم الأعباء بين الدول الأعضاء بالاتحاد الأوروبي.
وتحظى قضية الهجرة بأهمية أولية على الساحة الأوروبية وأصبحت تتداول دائما في قلب المباحثات بين القادة الأوروبيين، فهي قضية خلافية بين الدول الأعضاء بسبب عدم تحديد استراتيجية مشتركة وواضحة حول ملف الهجرة الذي أسهم خلال السنوات الأخيرة في تعزيز مكانة الأحزاب المتطرفة داخل الدول الأوروبية فضلا عن ظهور التيارات الشعبوية والحركات الداعية إلى حصر الإقامة في أوروبا على أبنائها الأصليين دون غيرهم.
وأسهمت موجات الهجرة كذلك في وصول أعداد من الإرهابيين إلى أوروبا ضمن المهاجرين، وهو ما أدى بدوره إلى زيادة معدل العمليات الإرهابية في مدن أوروبا وانتشار أعمال العنف.
وفي ضوء تفاقم أزمة المهاجرين غير الشرعيين في البحر المتوسط خلال الأسابيع الأخيرة والأوضاع الصعبة للاجئين في ليبيا، وجهت الأمم المتحدة نداءً عاجلاً إلى الدول الأوروبية تطالب فيه بإعادة النظر في إجراءاتها بشأن سياسة الهجرة، موضحة أن الأوضاع الصعبة التي يمر بها اللاجئون والمهاجرون الآخرون في ليبيا يجب أن تدفع الأوروبيين والدول الأخرى المستقبلة لهم إلى إعادة التفكير في الأمر، إضافة إلى أهمية إعادة قبول عمليات البحث والإنقاذ داخل مياه البحر المتوسط ونقل المهاجرين إلى موانىء آمنة.
ووفقا لإحصائيات الأمم المتحدة، بلغ إجمالي عدد المهاجرين الذين عبروا إلى أوروبا من خلال البحر المتوسط عام 2018، نحو 117 ألف شخص وتوفي 2275 على الأقل مقارنة بـ 172 ألف مهاجر خلال العام 2017 توفي 3139 شخصا.
ويرى المراقبون أنه على الرغم من الانخفاض الملحوظ في أعداد المهاجرين القادمين إلى أوروبا، خاصة بالمقارنة بعامي 2015 و2016، إلا أن مشكلة الهجرة لا تزال تشكل تحديا مهما أمام القارة العجوز خاصة في ظل غياب سياسة مشتركة حول كيفية التصدي للمهاجرين، وهو ما يهدد بدوره أمن القارة الأوروبية واستقرارها .