تتجه أنظار العالم نحو مدينة جدة غرب السعودية حيث تنعقد القمة العربية الـ 32 للدول الأعضاء في جامعة الدول العربية بمشاركة ملوك وزعماء العالم العربي، وفي ظل تحديات بارزة تشهدها المنطقة مع انتظار القرارات والتوصيات التي تنبثق منها، لا سيما وأن البلد المستضيف يتمتع بثقل سياسي واقتصادي كبيرين على الساحة العالمية.
وتعتبر الجامعة العربية أقدم منظمة إقليمية في العالم إذ نشأت بعد الحرب العالمية الثانية، وعقدت القمة الأولى بدعوة من الملك المصري فاروق الأول بأنشاص عام 1946 وبحضور ملوك العرب ورؤسائهم وأمرائهم للدول السبع المؤسسة، وهي مصر والسعودية والأردن واليمن والعراق ولبنان وسوريا.
ومنذ ذلك الحين عقدت عشرات القمم في دول عربية عدة، وأفرزت مئات القرارات التي أسهم بعضها في لمّ الشمل العربي تجاه بعض القضايا،ولا تزال القمم الدورية للزعماء العرب مقياساً واضحاً للقوة العربية المتحدة ضد أزمات عالمية كبرى وملفات شائكة ووضع إقليمي ودولي مشتعل.
وبعد أن كانت القضية الفلسطينية في صدارة الاهتمام العربي تاهت وسط جملة من الأزمات الاقتصادية والسياسية، بسبب ما شهدته الدول العربية خلال الأعوام الـ 10 الماضية من حروب وانقسامات آخرها ما يحدث في السودان الآن.
ودعت القمة الأولى التي عرفت بقمة “أنشاص” الطارئة بالإسكندرية في مايو عام 1946 إلى “وقف الهجرة اليهودية وتحقيق استقلال فلسطين وتشكيل حكومة تضمن حقوق جميع سكانها الشرعيين، من دون تفريق بين عنصر ومذهب”.
ودعا الرئيس اللبناني كميل شمعون إلى عقد قمة بيروت في نوفمبر 1956 التي أكدت في بيانها الختامي على دعم مصر في مواجهة “العدوان الثلاثي، وعبرت عن دعمها لنضال الشعب الجزائري ضد الاحتلال الفرنسي”.
أقيمت قمة القاهرة في يناير 1964، وعقدت بدعوة من الرئيس جمال عبدالناصر للبحث في مشروع إسرائيل تحويل مياه نهر الأردن، كما عاود الزعماء العرب اجتماعهم في الإسكندرية في سبتمبر 1964، إذ رحبوا بفكرة إنشاء منظمة التحرير الفلسطينية واعتمدتها الجامعة العربية “ممثلة للشعب الفلسطيني في تحمل مسؤولية العمل لقضيتهم”.
وتعتبر قمة الدار البيضاء في سبتمبر 1965 من القمم المهمة، إذ وافق القادة العرب على طلب منظمة التحرير الفلسطينية إنشاء مجلس وطني فلسطيني ووقعوا ميثاق التضامن العربي في المغرب.
وفي أغسطس أقيمت قمة الخرطوم، وتسمى أيضاً قمة “اللاءات الثلاث”، وعقدت بعد نكسة يونيو 1967، إذ تبنت شعار “لا صلح ولا مفاوضات ولا اعتراف بإسرائيل”، إلا أن القمة التالية في الرباط في ديسمبر 1969 لم تكتمل، ولم تصدر بياناً ختامياً وكان هدفها وضع إستراتيجية موحدة لمواجهة إسرائيل.
وتعد قمة القاهرة في سبتمبر 1970 من القمم الاستثنائية التي أقيمت في أوج المواجهات بين الأردن والفلسطينيين، إذ قرر الاجتماع الذي قاطعته سوريا والعراق والجزائر والمغرب تشكيل لجنة رباعية لحل الخلاف، وأفضت إلى مصالحة بين ملك الأردن الحسين بن طلال والرئيس الفلسطيني ياسر عرفات، وتوفي الرئيس المصري جمال عبدالناصر في اليوم التالي.
تعتبر قمة الجزائز في نوفمبر 1973 من القمم التاريخية، إذ أكدت ضرورة التحرير الكامل لكل الأراضي التي احتلتها إسرائيل عام 1967، وأقرت “استمرار استخدام سلاح النفط العربي ورفع حظر تصدير البترول للدول التي تلتزم بتأييدها للقضية العربية العادلة، وكذلك القيام بإعادة تعمير ما دمرته الحرب من أجل رفع الروح النضالية عند الشعوب العربية”. واتفق القادة العرب في قمة الرباط التي عقدت في أكتوبر 1974 على أن منظمة التحرير الفلسطينية ممثل شرعي وحيد للشعب الفلسطيني.
دعت القمة السداسية التي أقيمت في الرياض في أكتوبر 1976 إلى إنهاء الحرب الأهلية في لبنان ووقف إطلاق النار وتطبيق “اتفاق القاهرة”، كما قررت تعزيز قوات الأمن العربية لتصبح قوة ردع قوامها 30 ألف جندي، شكل السوريون غالبيتها.
وصادقت قمة القاهرة أكتوبر في 1976 على قرارات قمة الرياض وإعادة إعمار لبنان وإنشاء صندوق لتمويل قوات الأمن العربية في لبنان.
تعتبر قمة بغداد في نوفمبر 1978 من القمم الفارقة في التاريخ العربي، بسبب ما نتج منها من تباينات عربية حول العلاقة مع إسرائيل عقب اتفاق الرئيس محمد أنوار السادات ورئيس الوزراء الإسرائيلي مناحم بيجن على اتفاق سلام في العام نفسه، والذي تم توقيعه رسمياً في كامب ديفيد عام 1979، معتبرة أنهما “تمسان حقوق الشعب الفلسطيني والأمة العربية”، وأكدت التمسك بتطبيق قرارات المقاطعة العربية لإسرائيل، وقررت نقل مقر الجامعة العربية من القاهرة إلى تونس.
ودعت القمة الـ 10 في تونس خلال نوفمبر 1979 إلى تطبيق أحكام المقاطعة على إسرائيل والتضامن مع حق سيادة لبنان الكاملة على كامل أراضيه ودعم المقاومة الفلسطينية.
قاطعت سوريا والجزائر ومنظمة التحرير الفلسطينية ولبنان قمة أقيمت في العاصمة الأردنية عمّان في نوفمبر عام 1980، والتي دعت إلى مساندة العراق في حربه مع إيران، وصادقت على برنامج العمل العربي المشترك لمواجهة العدو الصهيوني.
وظهرت تحولات جذرية في قمة فاس المنعقدة في نوفمبر عام 1981 بخصوص ملف التعامل مع القضية الفلسطينية، بإقرار مشروع السلام العربي مع إسرائيل الذي طرحه ولي العهد السعودي آنذاك الأمير فهد بن عبدالعزيز في محاولة لإيجاد حل للصراع.
وكانت قمة الدار البيضاء في أغسطس 1985 استثنائية، إذ اكتفت ببيان ختامي مثقل بالقضايا من الحرب الأهلية في لبنان إلى الحرب العراقية – الإيرانية وضرورة تنقية الأجواء العربية.
وتعتبر قمة عمّان في نوفمبر عام 1987 من القمم المهمة، إذ نوقشت خلالها الحرب الإيرانية – العراقية، والتضامن الكامل مع العراق والوقوف معه في دفاعه المشروع عن أراضيه وإدانة استمرار احتلال إيران للأراضي العربية في العراق”.
كما دانت أعمال الشغب التي يقوم بها الإيرانيون من خلال التظاهر في مكة أثناء مناسك الحج.
وأكدت قمة الجزائر في يونيو عام 1988 دعم الانتفاضة الفلسطينية التي اندلعت في ديسمبر عام 1987، وطالبت بعقد مؤتمر دولي حول الشرق الأوسط بمشاركة منظمة التحرير الفلسطينية.
تعتبر قمة الدار البيضاء في مايو عام 1989 قمة استثنائية شهدت عودة مصر للجامعة العربية، وعبرت عن دعمها للدولة الفلسطينية التي أعلنها ياسر عرفات في ختام المجلس الوطني الفلسطيني في الجزائر عام 1988 والعمل على توسيع الاعتراف بها.
كما كانت قمة القاهرة في أغسطس عام 1990 من القمم العربية الطارئة والمهمة، إذ عقدت إثر الغزو العراقي لدولة الكويت، ومن أبرز قرارتها إدانة العدوان العراقي على الكويت وعدم الاعتراف بضم الكويت إليه، وبناء على طلب السعودية تقرر إرسال قوة عربية مشتركة إلى الخليج العربي لتسهم في تحرير الكويت.
واستضافت القاهرة قمة يونيو عام 1996 بشكل استثنائي بعد وصول اليمين بقيادة بنيامين نتنياهو إلى السلطة في إسرائيل ومصير عملية السلام، وسميت قمة القاهرة في أكتوبر عام 2000 بـ “مؤتمر الأقصى” بعد شهر من اندلاع الانتفاضة الفلسطينية الثانية، وقررت إنشاء صندوق لدعم الانتفاضة وآخر لحماية المسجد الأقصى.
وكانت قمة عمّان في مارس 2001 من القمم العادية، وهي الأولى منذ 10 أعوام والـ 13 منذ عام 1964، وقررت العمل على تفعيل المقاطعة العربية لإسرائيل والحد من التغلغل الإسرائيلي في العالم العربي.
وأقرت قمة بيروت في مارس عام 2002 مبادرة السلام التي اقترحها ولي العهد السعودي آنذاك الأمير عبدالله بن عبدالعزيز، وتعرض على إسرائيل انسحاباً كاملاً من الأراضي التي احتلتها عام 1967 في مقابل سلام شامل وتطبيع في العلاقات مع الدول الأعضاء في الجامعة.
واتفق القادة العرب في قمة شرم الشيخ في مارس عام 2003 على “الرفض المطلق لضرب العراق وضرورة حل الأزمة العراقية بالطرق السلمية وتجنب الحرب واستكمال تنفيد العراق قرارات الأمم المتحدة”.
وتعهد القادة العرب خلال قمة تونس في مايو 2004 بإطلاق إصلاحات أكدوا فيها أهمية المبادرة العربية وخريطة الطريق التي وضعتها اللجنة الرباعية حول الشرق الأوسط، ودانت الجدار الفاصل في الضفة الغربية وأكدت رفض التوطين الإسرائيلي.
صدر “إعلان الجزائر” في قمة الجزائر خلال مارس عام 2005 الذي شدد فيه العرب على ضرورة تفعيل مبادرة السلام العربية التي رفضتها إسرائيل في اليوم نفسه، وتبنت قمة الخرطوم في مارس عام 2006 بياناً لجعل الشرق الأوسط منطقة خالية من أسلحة الدمار الشامل، ورفض خطة رئيس وزراء إسرائيل إيهود اولمرت رسم الحدود مع الأراضي الفلسطينية من جانب واحد، وعبر القادة عن دعمهم السودان في قضية دارفور وقدموا دعماً مالياً لقوات الاتحاد الأفريقي في دارفور.
ونادت قمة الرياض في مارس 2007 مجدداً بتفعيل مبادرة السلام العربية بعد خمس سنوات من إطلاقها، ودعت إسرائيل إلى القبول بها مؤكدة دعمها لحكومة الوحدة الفلسطينية التي شكلت بمشاركة حركتي “فتح” و”حماس”.
ودعت قمة دمشق في مارس 2008 إلى انتخاب رئيس توافقي في لبنان، مؤكدة رفضها تقسيم العراق وداعية الحكومة اللبنانية إلى حل الميليشيات وبناء جيش وطني.
رفضت الدول العربية في قمة الدوحة في مارس عام 2009 قرار المحكمة الجنائية بإصدار مذكرة توقيف بحق الرئيس السوداني السابق عمر البشير، وشهدت القمة مصالحة بين الملك الراحل عبدالله بن عبدالعزيز والرئيس الراحل معمر القذافي اللذين سادت بينهما خصومة منذ سنوات عدة، خصوصاً منذ قمة شرم الشيخ عام 2003.
وأقرت “قمة سرت” الليبية المنعقدة في أكتوبر عام 2010 سلسلة توصيات عامة في شأن تفعيل العمل العربي المشترك، مؤكدة دعم السودان والصومال وأجلت عدداً من القضايا الخلافية إلى القمة العربية التالية في بغداد.
دعت “قمة بغداد” في مارس 2012 إلى حوار بين الحكومة السورية والمعارضة التي طالبوها بتوحيد صفوفها، وطالبت الحكومة وأطياف المعارضة كافة بالتعامل الإيجابي مع المبعوث الأممي والعربي المشترك إلى سوريا كوفي عنان لبدء حوار وطني جاد يقوم على خطة الحل التي طرحتها الجامعة، وقرار الجمعية العامة للأمم المتحدة، فيما اعترفت قمة الدوحة في مارس عام 2013 بالائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية ممثلاً شرعياً للشعب السوري، ومنحته مقعد سوريا كما رفع علم الائتلاف خلال القمة.
وفي “قمة الكويت” المنعقدة في مارس عام 2014 رفعت القمة العلم السوري في قاعة المؤتمر، إضافة إلى اقتصار مشاركة الائتلاف الوطني على إلقاء رئيس الائتلاف أحمد الجربا كلمة باسم المعارضة من دون أن يجلس على مقعد بلاده الشاغر، وأكد البيان الختامي أن القضية الفلسطينية هي القضية المركزية للشعوب العربية.
وهيمن ملف اليمن على قمة شرم الشيخ في مارس عام 2015 ودعم شرعية الرئيس اليمني عبدربه منصور هادي ضد الحوثيين، ولم توجه القمة الدعوة إلى الائتلاف الوطني لقوى الثورة والمعارضة السورية، وكذلك طالبت بتشكيل قوات عربية مشتركة.
قمة الأمل التي استضافتها العاصمة الموريتانية في نواكشوط في يوليو عام 2016 للمرة الأولى في تاريخها، وبحثت النزاعات في اليمن وسوريا والعراق وليبيا.
واختتمت قمة الأردن في مارس عام 2017 ببيان أبدى فيه القادة العرب استعدادهم لتحقيق مصالحة تاريخية مع إسرائيل في مقابل انسحابها من الأراضي التي احتلتها خلال حرب عام 1967، وطالبوا دول العالم عدم نقل سفاراتهم إلى القدس أو الاعتراف بها عاصمة لإسرائيل.
القمة العربية الواحد والثلاثون كان من المفترض أن تنظم سنة 2020 لكنها ألغيت بسبب كورونا (وكالة الأنباء الجزائرية)
كما عبروا عن دعمهم الحل السياسي في سوريا وللحكومة الشرعية في اليمن وتحقيق مصالحة وطنية في ليبيا، إضافة إلى دعمهم للجهود الرامية إلى هزيمة الإرهاب في كل مكان.
وفي قمة الظهران في أبريل 2018 التي عرفت أيضاً بـ “قمة القدس” التي أعلن في بيانها الختامي رفض كل الخطوات الإسرائيلية الأحادية الجانب التي تغير الحقائق وتقوض حل الدولتين، وبطلان وعدم شرعية الاعتراف الأمريكي بالقدس عاصمة لإسرائيل.
أعلن بيان قمة تونس في مارس عام 2019 الختامي رفض القرار الأمريكي حول سيادة إسرائيل على الجولان، مطالبين بإنهاء مبدأ الأرض في مقابل السلام، وكذلك رفض التدخلات الإيرانية في الشؤون العربية.
وأكدت القمة الأخيرة التي عقدت في الجزائر في نوفمبر 2022 على تمسكها بحقوق الشعب الفلسطيني، بما فيها حقه في الحرية وتقرير المصير، وإقامة دولة فلسطين وعاصمتها القدس الشرقية، وكذلك ضرورة العمل المشترك لتعزيز حماية الأمن القومي العربي بمفهومه الشامل.
وأكد الباحث السياسي ناجي صادق أن الزمن بين أول قمة عربية عقدت في “أنشاص” عام 1946 و”قمة جدة” 2023 77 عاماً، منها 32 قمة عادية عقدت ما بين العواصم العربية إلى جانب عدد من القمم الاستثنائية من دون أن ترقى بالعمل العربي المشترك إلى الفعل الحقيقي بما يحقق مصالح وأهداف الأمة العربية، مشيراً إلى أن القضية الفلسطينية استحوذت على معظم هذه القمم، لكن ما يعتبر إنجازاً هو الحرص على عقدها.
وقال صادق إن “المنطقة العربية تشهد حالياً صراعات وحروباً وآخرها في السودان، واستهدافاً إقليمياً ودولياً وتحديات وتهديدات للأمن القومي العربي، مما يضع ’قمة جدة‘ أمام مسؤوليات ومهمات كبيرة وتطلعات وآمال باستعادة الفاعلية للعمل العربي المشترك”.
وأضاف الباحث السياسي أن “قمة جدة تأتي في ظل سياقات وتحولات سياسية عربية وإقليمية ودولية ما بين الإيجابية والسلبية، إذ تستضيفها أهم منطقة في العالم من حيث الموقع الجيوسياسي والاقتصادي، وربما تكون أفضل من سابقاتها لأنها تعقد في ظل المصالحة الخليجية الكاملة والاتفاق الإيراني – السعودي، وكذلك عودة سوريا للحضن العربي وما له من انعكاسات إيجابية على قضايا مهمة مثل الحرب في اليمن والأوضاع في لبنان وسوريا وفلسطين”، لافتاً كذلك إلى وجود تفاهمات وتنسيق عربي أشمل بين دوله المحورية والمؤثرة، وهو ما قد يساعد في بلورة تحالف إقليمي عربي قادر على التعامل مع تراجع الدور الأمريكي في المنطقة.
وأشار الباحث السياسي يحيى التليدي إلى جهود القمة في تهدئة الصراعات وتوجيه نزاعاتها لتصب في مصلحة الجميع في المنطقة، مضيفاً أنه “بالتأكيد هذه التطورات ستكون انعكاساتها حاضرة في أجندة قمة جدة بما يشكل تحولاً مهماً في مسيرة العمل العربي المشترك”.
وأوضح التليدي أن الدول العربية قادرة على طي صفحات الماضي وبدء مرحلة جديدة مختلفة تماماً تتسم بالتنسيق الحقيقي وتناغم الأهداف ووحدة الغايات والتضامن الفعلي، والوقوف صفاً واحداً لصناعة مستقبل جديد للمنطقة بعيداً من الاستقطابات الدولية.
المصدر: وكالات