تحيي منظمة الأمم المتحدة للتربية والعلم والثقافة ” اليونسكو” اليوم الخميس اليوم الدولي للطفلة ، الذي يهدف إلى التصدي لقضايا الفتاة والتحديات التي تواجهها، وفي نفس الوقت تعزيز تمكين الفتاة وإتاحة الفرصة أمامها لإثبات قدراتها وتحقيق تطلعاتها.
ويأتي الاحتفال هذا العام 2018 تحت شعار ” تطعيم القوى العاملة النسائية الماهرة بمشاركة الفتيات” ، حيث يستعد جيل الفتيات اليوم لدخول مجال العمل، الذي تغيره الابتكارات والآلات، وهناك طلب كبير على العمال المتعلمين والمهرة، إلا أن ربع الشباب معظمهم من الإناث ، إما أنهم عاطلون عن العمل أو ما زالوا في مرحلتي التعليم أو التدريب.
ومن المليار شاب وشابة بمن فيهم الـ600 مليون مراهقة ، الذين سيدخلون القوى العاملة في العقد القادم، سيعمل أكثر من 90% منهم ممن يعيشون في البلدان النامية في القطاع غير الرسمي، الذي يتلقى العاملون فيه أجورا منخفضة ويعملون أحيانا بدون أجور، كما تشيع ممارسات سوء المعاملة والاستغلال.
كما سيكون اليوم الدولي للطفلة بمثابة نتائج جهود عام كامل للجمع بين الشركاء وأصحاب المصلحة للدعوة ، وجذب الانتباه والاستثمارات إلى أكثر الاحتياجات والفرص إلحاحاً أمام الفتيات للحصول على المهارات اللازمة للتوظيف.
كانت الجمعية العامة للأمم المتحدة قد اعتمدت في 19 ديسمبر 2011، قرارها 170/66، لإعلان يوم 11 أكتوبر من كل عام باعتباره اليوم الدولي للطفلة، وذلك للاعتراف بحقوق الفتيات وبالتحديات الفريدة التي تواجهها الفتيات في جميع أنحاء العالم.
وتؤكد المنظمات الدولية والمحلية المهتمة بالفتاة ، أن للمراهقات الحق في التمتع بحياة آمنة والحصول على التعليم والصحة، وليس فقط خلال هذه السنوات التكوينية الحاسمة من عمرهن، ولكن أيضا في مرحلة نضجهن ليصبحن نساء. كما تؤكد أنه إذا تم تقديم الدعم بشكل فعال خلال سنوات المراهقة، فإن الفتيات لديهن القدرة على تغيير العالم من خلال تمكين الفتيات اليوم ، وأيضا في الغد ليصبحن عاملات وأمهات وسيدات أعمال وموجهات ورئيسات أسر، وقادات سياسية.
وفي هذا الإطار فإن الاستثمار في تحقيق قوة المراهقات والتمسك بحقوقها اليوم سيعود بمستقبل أكثر عدلا وازدهارا، حيث أن نصف البشرية هي شريكة على قدم المساواة في حل مشاكل تغير المناخ والصراع السياسي والنمو الاقتصادي والوقاية من الأمراض و الاستدامة العالمية.
وعلى مدى السنوات الـ 15 الماضية، حقق المجتمع الدولي تقدما كبيرا في تحسين حياة الفتيات خلال مرحلة الطفولة المبكرة. ففي عام 2015، التحقت الكثير من الفتيات في العقد الأول من أعمارهن في المدارس الابتدائية، والحصول على التطعيمات الأساسية، وكن أقل عرضة للمعاناة من مشاكل تتعلق بالصحة والتغذية مقانة مع الأجيال السابقة.
ومع ذلك، فقد كانت هناك استثمارات غير كافية في التصدي للتحديات التي تواجهها الفتيات عندما يدخلن العقد الثاني من حياتهم. وهذا يشمل الحصول على التعليم الثانوي العالي ذات الجودة، وتجنب زواج الأطفال، وتلقي المعلومات والخدمات المتعلقة بسن البلوغ والصحة الإنجابية، وحماية أنفسهن من الحمل غير المرغوب فيه والأمراض المنقولة عن طريق الاتصال الجنسي والعنف القائم على نوع الجنس. وفي وقت يدشن فيه المجتمع العالمي أهداف التنمية المستدامة وبدء تنفيذها لفترة تستمر على مدى الـ15 سنة المقبلة، فإن الوقت مناسب جدا للاعتراف بالإنجازات التي تحققت في دعم الصغيرات، وفي ذات الوقت خلق التطلعات لدعم الجيل الراهن من المراهقات والأجيال المقبلة منهن ليتمكن من استغلال قدراتهن بوصفها مفاعلات رئيسية في تحقيق عالم مستدام ومنصف.
وحسب تقارير اليونسكو حول واقع النساء والفتيات في مجال التعليم، فلا شك في أنه أُحرز تقدما كبيرا في هذا الصدد، إذ تم تسجيل ارتفاع لم يسبق له مثيل في العدد الإضافي من الفتيات اللواتي التحقن بالتعليم، بدءاً بالمرحلة الابتدائية وانتهاء بمرحلة التعليم العالي. كما سجلت التقارير تحسنا كبيرا في التكافؤ بين الجنسين على مستوى معدلات القيد في المدارس الابتدائية، وذلك في البلدان التي عانت من أشد أوجه التفاوت بين الجنسين في بداية العقد. لكن النساء يشكلن اليوم ثلثي الأميين من الكبار الذين يبلغ عددهم 796 مليوناً على المستوى العالمي، ولا يزال التمييز حقيقة قائمة.
وتفيد التقارير بأن أقل من 40 % من البلدان توفر فرصاً متكافئة للفتيات والصبيان للانتفاع بالتعليم وأن الفتيات يمثلن أكثر من 55% من الأطفال غير الملتحقين بالمدارس . وينبغي بالتالي بذل جهود خاصة لتحقيق التكافؤ بين الجنسين، لا سيما عن طريق توظيف المعلمات ومراعاة احتياجات الفتيات في المدارس.
ويؤثر تعليم الفتيات والنساء تأثيراً إيجابياً في الجهود الرامية إلى تحقيق جميع الأهداف الإنمائية للألفية. فالتعليم يفضي إلى تحسن الحالة الصحية، وإلى وقاية أفضل من فيروس ومرض الإيدز، وإلى زيادة الدخل. وتشدد اليونسكو على نهج يراعي قضايا الجنسين وتتعاون مع الدول الأعضاء فيها ومع شركائها لزيادة معدلات محو الأمية بين النساء، وإعداد مناهج دراسية تتصدى للقوالب النمطية الجنسية، ولرسم سياسات تعزز مشاركة الفتيات في التعليم الثانوي والتعليم والتدريب في المجال التقني والمهني. ولا بد من الإشارة إلى أن مواد التعلم الخاصة بفيروس ومرض الإيدز تزود الفتيات والنساء بما يلزمهن من معارف ومهارات لحماية أنفسهن من الوباء. وقد عمدت اليونسكو مؤخراً إلى تعزيز الجهود التي تراعي قضايا الجنسين في البحوث المتعلقة بمحو الأمية وإقامة شراكات جديدة ابتكارية مع القطاع الخاص. وتركز المنظمة أيضاً على إشراك الفتيات في برامج التعليم والتدريب في المجال التقني والمهني على المستوى الوطني.
وتشير تقارير معهد احصائيات اليونسكو ، إلي أنه لا يزال عدد الفتيات اللاتي لم يلتحقن بالمدارس على الرغم من انخفاضه بنحو 40% منذ عام 2000، يبلغ 130 مليون فتاة. ويساعد هذا في تفسير السبب وراء نضال النساء أكثر من الرجال للعثور على عمل حقيقي بأجر جيد، وكذا في تفسير استمرار تراجع نسبة النساء في قوة العمل العالمية مقارنة بالرجال .
وما يزيد الأمور سوءا على سوء حتى في الحالات التي سجل فيها التحصيل التعليمي بين الفتيات نمواً سريعاً، فإن أشكال التحسن التي تتناسب مع المرأة في قوة العمل ظلت بعيدة المنال. وفي هذا الصدد ، تقول دراسة للمنتدى الاقتصادي العالمي عام 2015 إن عدد النساء اللاتي يلتحقن بالجامعة في 97 دولة يتجاوز نظيره من الرجال، في حين تشكل النساء غالبية العمالة الماهرة في 68 دولة فقط وغالبية القيادات بأربع فقط.
وتمثل هذه الفجوات بين الجنسين تحديا جيليا رئيسيا للشركات الكبيرة والصغيرة على السواء. ففي مختلف أنحاء العالم تناضل الشركات بالفعل لإيجاد العدد الكافي من العمال المؤهلين لعملياتها التي تعتمد على التشغيل الآلي (الأتمتة) على نحو متزايد. وقد أفادت اللجنة الدولية لتمويل فرص التعليم العالمي في تقرير صادر عام 2017، إلى أن ما يقرب من 40% من أصحاب العمل يواجهون صعوبة في توظيف العمال الذين يتمتعون بالمهارات المناسبة. كما تحتاج الشركات التي تستثمر في دول منخفضة الدخل إلى استئجار عمال أصحاء. وهذا يصبح أكثر ترجيحا عندما تكون الأمهات متعلمات: فهن وأسرهن يتمتعن بصحة أوفر مقارنة بالحال إذا كانت الأمهات أقل تعليما. وتبين البحوث في واقع الأمر أن عدد الأطفال الذين يموتون قبل سن الخامسة قد ينخفض بنحو 350 ألف طفل سنويا، في حال تمكين كل النساء في سن الإنجاب من إتمام الدراسة الثانوية.
وإذا تحسنت النتائج التعليمية، فسوف نرى في الأرجح عددا أكبر كثيرا من النساء اللاتي يسعين إلى الحصول على التدريب الفني العالي المستوى الذي تحتاج إليه أماكن العمل اليوم. ولكي يتسنى لنا أن نضع 130 مليون فتاة إضافية بالمدرسة، يتعين علينا أن نتغلب أولا على مجموعة من الحواجز الكبيرة. ففي العديد من البلدان لا يعد تعليم الفتيات أمرا مهما، نظرا للتوقعات بأنهن لن يعملن إلا في البيت أو في المزارع الأسرية. ويشكل الزواج المبكر، والاعتداء الجنسي، والافتقار إلى المرافق الصحية لرعاية الفتيات اللاتي بلغن المحيض، والأزمات الإنسانية، غيضا من فيض من العوامل التي تجعل إكمال الفتيات تعليمهن أكثر صعوبة من إتمام الفتيان تعليمهم. وفي المناطق النائية بشكل خاص تفرض الرسوم المدرسية ومشاق الانتقال المزيد من التحديات.
وحتى إذا أمكن إزالة هذه الحواجز الثقافية والسياسية والجغرافية، فسوف يظل لزاما على الدول الأكثر ثراء أن تلتزم بتوفير قدر من الموارد لتعليم الفتيات في الاقتصادات النامية أكبر كثيرا مما تعهدت به في الماضي. ومن الحقائق الصادمة في هذا الصدد أن حصة المعونة الإنمائية الخارجية التي تخصصها الدول المانحة للتعليم تقلصت خلال السنوات الست المنصرمة، وأصبحت الآن أصغر مما كانت عليه عام 2010. ويتعين على الدول المانحة أن تعمل على وجه السرعة على عكس هذا الاتجاه. وكانت “الشراكة العالمية من أجل التعليم” واحدا من المحفزات الرئيسية في تعليم الفتيات على مدار السنوات الـ 15 المنصرمة.
فبفضل التمويل من قبل الشراكة العالمية من أجل التعليم، جرى إلحاق 38 مليون فتاة إضافية في الدول النامية بالتعليم الابتدائي في الفترة من 2002 إلى 2014.
وللبناء على هذا التقدم، عقدت الشراكة العالمية من أجل التعليم مؤتمرا للتمويل شاركت في استضافته الحكومتان السنغالية والفرنسية يوم 8 فبراير الماضي 2018 في دكار ، وقد ناشدت الشراكة العالمية المانحين في مختلف أنحاء العالَم أن يساعدون في زيادة الموارد المالية السنوية إلى ملياري دولار بحلول عام 2020. وبالاستعانة بالقدر الكافي من التمويل، تصبح الشراكة العالمية من أجل التعليم قادرة على دعم الاحتياجات التعليمية لنحو 870 مليون طفل في أكثر من 80 دولة. وبوسعها أن تساعد الدول النامية على بناء نظم تعليمية تعطي الفتيات الفرص للاستفادة من إمكاناتهن. فعند تمكين الفتيات والنساء من خلال التعليم، يصبح بوسعهن تغيير العالم إلى الأفضل. ومن المؤكد أن الاستثمار في إمكاناتهن رهان لا يمكن أن يخسر.
وفي الوقت نفسه كشف تقرير لصندوق الأمم المتحدة للطفولة “يونيسف”، النقاب عن أن هناك 1.1 مليار فتاة في العالم ، تستحق كل واحدة منها فرصة متساوية لمستقبل أفضل، فهي مصدر للطاقة والقوة والإبداع. ويمكنهن قيادة التغيير والمساعدة في بناء مستقبل أفضل للجميع. ومع ذلك ، تواجه معظم الفتيات الحرمان والتمييز على أساس يومي ، ويعاني من يعانون من الأزمات أكثر من ذلك. إن نحو 100 مليون فتاة حول العالم عالقات في العمل من أجل البقاء وعادة ما يتحملن ظروفا غاية في الصعوبة في أوضاع غير مرئية وراء جدران المصانع أو في الحقول أو داخل بيوتهن . ودعت اليونيسف إلى بذل المزيد من الجهود لمحاربة الأسباب الكامنة وراء الفقر والتي تقود إلى عمالة الأطفال، وخصوصا ما يتعلق بتوفير التعليم للفتيات في المناطق الفقيرة والريفية.
وذكر تقرير اليونيسف، أن هناك أعدادا من الفتيات مساوية لأعداد الأولاد يعملن في الأعمال الصناعية والزراعية وأن الفتيات يتحملن عبئاً أكبر لأنهن يعملن داخل المنزل وخارجه.
وبحسب منظمة العمل الدولية فإن أسوأ أشكال عمالة الأطفال تتضمن ممارسات مثل البيع أو الاتجار بالأطفال والتجنيد القسري والاستغلال الجنسي. وفي آخر تقرير للمنظمة عن عمالة الأطفال فإن هناك 126 مليون طفل منخرطون في أعمال خطرة، كما أن الفئات المستغلة تشمل الفتيات والأيتام والأقليات العرقية وأطفال الشوارع وجميعهم خارج مقاعد الدراسة. وتتضمن التدابير الرامية إلى تعليم المزيد من الفتيات تحسين الأنظمة التعليمية وتمويلها للأطفال في المجتمعات الفقيرة وبرامج تستهدف الأطفال العمال وإلغاء الرسوم المدرسية للتعليم الابتدائي.
المصدر : وكالات