في إطار خطة وزارة الأوقاف لضرب معاقل التشدد، وتطهير المنابر من دعاة الفكر المتطرف، والتصدي للمحاولات المتكررة لانتهاك حرمة المساجد واستخدامها سياسيًّا بدأ الدكتور محمد مختار جمعة – وزير الأوقاف – التنسيق لمنح الضبطية القضائية للأئمة والدعاة لضبط من يصعد المنبر دون توافر الشروط التي حددتها الوزارة، ومعاقبة من يستغلون المساجد في أمور سياسية وحزبية أو من يدعون للتظاهر والتخريب.
وحول الخطوات التى اتخذتها الأوقاف يحدد الشيخ محمد عبد الرازق وكيل أول الوزارة ورئيس القطاع الديني، الحالات التى تستخدم فيها الضبطية القضائية، موضحا أنها تشمل صعود المنبر دون تصريح، أو إقحام المساجد فى أمور سياسية وحزبية، أو الدعوة للتظاهر والتخريب، مؤكدا أن مأمورى الضبطية القضائية من أئمة الأوقاف، سيكون لهم الحق فى اتخاذ إجراءات فورية مع كل من يخالف تعليمات الوزارة، وفى هذه الحالات سيقوم مأمور الضبطية القضائية، بعمل محضر فى القسم التابع له المسجد الذى حدثت به المخالفة، ثم يقوم بتقديم المحضر للنيابة فى القسم نفسه التابع له المسجد، بهدف أن تكون هناك سرعة في الإجراءات.
وأشار إلى أن مهمة مأموري الضبطية القضائية تتمثل في المرور على المساجد، ومتابعة تنفيذ قانون الخطابة، ومنع غير الأزهريين من صعود المنابر، ومواجهة أى مخالفات، وقد عقد الدكتور محمد مختار جمعة وزير الأوقاف، لقاء مع عدد من الأئمة، لاختيار مأموري الضبطية القضائية منهم، وقد بلغ عددهم نحو 140 إمامًا على مستوى الجمهورية، وهذه دفعة أولى، وجميع المحافظات ممثلة في هذا العدد، وسيتم عمل دورات تدريبية لمأموري الضبطية القضائية من أئمة الأوقاف، بالتنسيق مع وزارة العدل على كيفية عمل المحاضر وغيرها من الأمور المتعلقة بهذه الإجراءات، بهدف أن يكون لديهم خبرة في التعامل مع المخالفات.
وهناك تعليمات مشددة من الوزير بضرورة العمل بكل جهد لتنفيذ الخطة الدعوية للوزارة، ونشر الوسطية والاعتدال، والحفاظ على قدسية المساجد، وكونها للعبادة والدعوة إلى الله بالحكمة والموعظة الحسنة، والوزارة لن تسمح لأحد من غير المتخصصين باستخدام المنابر في أي أمور سياسية أو دعاية انتخابية.
وقال: إن هناك مخالفات داخلية يتم التحقيق فيها مع أئمة ودعاة الوزارة من خلال الشئون القانونية والخصم من الأجور المتغيرة وغيرها من الإجراءات، وهذه المخالفات منها صعود المنبر دون ارتداء الزى الأزهري، أو عدم الالتزام بموضوع خطبة الجمعة الموحدة، أو زمن الخطبة، لكن في حال استخدام المنبر للدعوة للتظاهر أو الحديث في أمور سياسية وحزبية، من جانب أي من الأئمة ففي هذه الحالة يقوم مأمور الضبطية القضائية بعمل محضر للإمام، والوزارة في مثل هذه الحالات تستخدم إجراءات قاسية، منها منع المخالف من صعود المنابر، مؤكدًا أنه سيتم عمل محاضر من جانب مأموري الضبطية القضائية لكل من يخالف هذه التعليمات، ويستخدم المنبر في أمور سياسية أو حزبية أو يدعو للتظاهر.
من جانبه قال الشيخ محمد البسطويسي – نقيب الأئمة – إن منح الضبطية القضائية لأئمة الأوقاف يعد رسالة قوية لكل من تسول له نفسه أن يقتحم مجال الدعوة، أو يحاول صعود المنبر دون تصريح من الأوقاف، موضحًا أن هناك ترحيبًا من أئمة الأوقاف بالضبطية القضائية؛ لأنها في الأساس تدعم الإمام الأزهري الوسطي المعتدل.
وفي الوقت نفسه فإن كل من لا يلتزم بالخطة الدعوية للوزارة فلا يلومن إلا نفسه، لأن هناك الكثير من التجاوزات التي حدثت في فترات سابقة، نتيجة استخدام المنابر لأغراض سياسية وحزبية، فالضبطية القضائية من المؤكد أنها سوف تحمي الإمام وتحافظ على قدسية المساجد، وجموع الأئمة والدعاة يرحبون بهذه الخطوة؛ لأنها تهدف لضبط الخطاب الدعوي وتحفظ كرامة الإمام وتواجه غير المتخصصين والدخلاء على الدعوة.
من جانبه كشف مرصد دار الإفتاء لمقاومة الفكر التكفيري عن قيام التنظيم الإرهابي ( منشقي القاعدة) بتدشين مطبوعات إعلامية مؤخرًا باللغة الإنجليزية تحمل فكره المتطرف، يستند فيها الى أدلة وحجج واهية تخدم فكره البعيد عن وسطية الدين الإسلامي وباقي التشريعات السماوية، مما يسهم في زيادة أعداد المنضمين تحت لواء هذا الفكر الإرهابي لتزداد وتيرة العنف وتعم الفوضى ويدفع الآمنون أرواحهم ثمنًا للوقوع في براثن هذا الفكر التكفيري.
قال د. ابراهيم نجم -مستشار مفتي الجمهورية-: إن مركز الحياة الإعلامي- التابع لتنظيم داعش- أصدر مجلة إلكترونية ناطقة باسمه تصدر باللغة الإنجليزية، ويتم توزيعها عبر البريد الإلكتروني في الداخل السوري على المناطق المحررة التي تخضع لسيطرة كتائب من المعارضة المسلحة، ولا تفصح المجلة عن كيفية نشرها أو موقعها الإلكتروني، وتشبه في تصميمها مجلة انسباير التي أصدرها فرع تنظيم القاعدة في شبه الجزيرة العربية، وتضمنت تعليمات حول كيفية تصنيع القنابل وتجنيد أشخاص يشنون هجمات بمفردهم، ويتجنب القائمون على المجلة نشر صور الفظائع التي يرتكبها التنظيم ضد المسلمين ومساجدهم وأضرحتهم، والفظاعات التي ارتكبها مسلحو التنظيم ضد المسيحيين وبيوت عبادتهم، سواء في سوريا أو العراق، ويدعو الأطباء والمهندسين وغيرهم للهجرة إلى أراضي دولة الخلافة.
وضمت أعداد المجلة التي أصدرها الدواعش صورًا لحشود تهتف لمسلحي التنظيم وهم ينظمون استعراضات عسكرية في مدن عراقية وسورية ويرفعون راية التنظيم السوداء، وصورًا لأشخاص قتلوا بحسب المجلة على أيدي الروافض- في إشارة إلى الشيعة- وصورًا أخرى لجنود عراقيين قالت المجلة إنهم من الشيعة وجرى إعدامهم على أيدي مسلحي التنظيم، ونشرت المجلة في عددها الأول أيضًا مقالاً مطولاً يستند إلى مقولات فقهية لتبرير إعلان الخلافة، وموقع البغدادي زعيمًا دينيًّا وسياسيًّا لها.
أوضح مسستشار المفتي أن مجلة الدواعش في إصدارها الأول بدأت بافتتاحية تقول إن أوباما يعد الوريث الأسوأ لجورج بوش الابن؛ لأنه يسير على نفس الخطى التي تقود إلى هدم الإمبراطورية المدنية الأمريكية، وحمّلت المجلة إدارة الرئيس الأمريكي باراك أوباما المسئولية كاملة عن إعدام الصحفي الأمريكي جيمس فولي، قائلة إن الدولة الإسلامية وجهت رسالة واضحة بأنها ستقوم بإعدامه، إذا ما توالت الضربات الأمريكية الجوية، وتبدو اﻟﻤﺠلة جذابةً بصريًّا، ولم يخفِ الكثيرون ممن حصلوا على نسختها الإلكترونية، ومن رواد مواقع التواصل الاجتماعي وبعض الفنيين في مجال الإخراج، دهشتهم لقدرة هذا التنظيم- الذي وُصِفَ سابقًا بأنه أبعد ما يكون عن التكنولوجيا- على إخراج وسيلة إعلامية على هذا القدر من الاحترافية ولو على مستوى الإخراج البصري، فقد صدرت أعداد اﻟﻤﺠلة بعدد صفحات يضاهي الرقم العالمي بحسب المواصفات العالمية، حيث تتراوح صفحات أعداد المجلة بين 42 صفحة إلى 50 صفحة، كما استخدمت النسب العالمية في حجم القطع المستخدم.
وقال د.نجم: في الصفحات الداخلية يبدو التركيز على المشهد البصري أكبر من القسم التحريري، وتقدر نسبة الصور بثلثي محتويات اﻟﻤﺠلة، وأما القسم التحريري فيظهر على شكل أعمدة تفصل بينها صور أو قد تكون الصورة هي خلفية للنص، كما لوحظ استخدام صور كبيرة على مساحة صفحتين متصلتين كما في أساليب الإخراج الحديثة، حيث إن الصورة تتكلم.
ويبدو واضحًا أن تنظيم داعش قد أدرك منذ البداية أهمية امتلاكه لأدوات الإعلام كي يحارب بها، كما يحارب بقواته وعتاده على الأرض، موضحًا قدرة تنظيم داعش على تسخير التكنولوجيا الإعلامية لصالحه، وإيجاد كوادر إعلامية للعمل على مستوى عالٍ من الحرفية، وما يتطلبه ذلك بدوره من الكثير من الأموال، يطرح خلفه تساؤلاتٍ عديدة عن مصادر تمويله.
وفي تصريحات صحفية أشار الدكتور إبراهيم نجم مستشار مفتى الجمهورية والمشرف على مرصد الإفتاء لمقاومة الفكر التكفيري أنه يجب أن تتوافر لدى المؤسسات الدينية كوادر متخصصة في الجانب الإعلامي لمواكبة التطور المذهل والطفرة المعلوماتية الهائلة التي اجتاحت العالم، في حين لا نزال في البدايات مقارنة بما وصلت إليه تنظيمات إرهابية مثل داعش وغيره التي استغلت هذا التطور الهائل وصنعت دعاية كاملة منظمة بكل حرفية لتضخيم حجمها القزم.
وشدد د.نجم أن مواجهة الفكر الداعشي الإرهابي وغيره من الأفكار المشابهة في التطرف والعنف بالرصد والتحليل والمتابعة صار واجبًا شرعيًّا ووطنيًّا، وذلك عن طريق فضح استغلالهم الدين، وعبَّر نجم عن استيائه من حالة التضخيم الذي سببته بعض وسائل الإعلام الغربية لهذا التنظيم ليقنع البسطاء في العالم بأنه يملك كيانًا يقارب حجم الدولة، ويسعى للوصل إلى التكوين الإمبراطوري، ويدلل على أكاذيبه التي يروج لها من خلال التقنيات الإعلامية المذهلة في إصدارات صحفية وإعلامية باللغة الإنجليزية رصدها مرصد دار الإفتاء المصرية.
وأكد د.نجم أن الحروب الإعلامية لا يتم الانتصار فيها إلا بحروب إعلامية مضادة وذات كفاءة عالية في استخدام استراتيجيات إعلامية تفاعلية، منددًا بطرق المواجهة الإعلامية المنتشرة في الإعلام العالمي في الفترة الحالية التي تواجه الدواعش بالتركيز على مدى وحشية ممارسات داعش، وكأنهم يحاولون أن يثبتوا للعالم الحر أن هذا التنظيم هو الشر المطلق، إلا أن القائمين على هذه الحملات لم يدركوا أن هذا يصب في مصلحة داعش التي نجحت في توجيه وتوظيف وسائلها ووسائل الإعلام العالمية في خدمة أهدافها المتمركزة حول نشر ثقافة الرعب والخوف من كيانهم الناشيء.