تشكل قمة منتدى التعاون الصينى – الأفريقى الذى يعقد فى بكين بمشاركة زعماء الصين والدول الافريقية وفى مقدمتهم الرئيس عبد الفتاح السيسى فى بداية سبتمبر القادم ، نقطة تحول فى مسيرة التعاون الاقتصادى والتجارى بين الجانبين .. حيث من المقرر أن تؤسس القمة لمرحلة الشراكة الكاملة فى إطار الاستفادة من الفرص الاستثمارية والتجارية المتاحة وعدم التدخل فى الشئون الداخلية .
وبدا حرص الجانب الصينى على مشاركة الرئيس السيسى فى القمة جلياً فى تأكيد وزير خارجية الصين وانج يى مؤخرا على المكانة الكبيرة التي تحظى بها مصر لدى الصين، وتطلع بلاده إلى مشاركة الرئيس السيسى في القمة .
وفى المقابل أكدت مصر – على لسان رئيس الوزراء الدكتور مصطفى مدبولى مؤخراً – حرصها على تعظيم الاستفادة من الشراكة الاستراتيجية الشاملة مع الصين، وتعزيز التعاون على الأصعدة الاقتصادية والاستثمارية والتجارية والصناعية، لتمويل وتنفيذ المشروعات القومية والخدمية التنموية، وضخ استثمارات فى قطاعات مهمة.
وثمنت الحكومة المصرية دور الاستثمارات الصينية في المشروعات القومية الكبرى مثل مشروع العاصمة الإدارية الجديدة، ومحطتي توليد الكهرباء من الفحم بالحمراوين، ومشروع عتاقة لضخ وتخزين الكهرباء، ومشروع القطار المكهرب (مدينة السلام – العاشر من رمضان/ بلبيس)، ومشروع تطوير سكك حديد أبو قير – الإسكندرية، ومشروع مجمع فوسفات الوادي الجديد لإنتاج حامض الفوسفوريك، وتوسعة المرحلة الأولى من مشروع المنطقة الاقتصادية الخاصة بشمال غرب خليج السويس، والتعاون في مجال الاستشعار عن بعد، ومشروعات تطوير شبكات الصرف الصحي بالقرى المصرية، فضلا عن مشروع تطوير ميناء العين السخنة.
ومن جانبها أبدت الصين اهتماماً بالاستفادة من موقع مصر الجغرافى وخاصة محور قناة السويس لتعزيز علاقتها مع أفريقيا فى إطار مبادرة الحزام والطريق.
وفى هذا الصدد ، أكد الفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس رئيس المنطقة الاقتصادية للقناة مؤخراً ، أن مصر تتطلع إلى زيادة التعاون بين الصين وإفريقيا من خلال موانىء المنطقة الاقتصادية الستة، لافتاً إلى أن محور قناة السويس يدعم التعاون بين الصين وإفريقيا في مختلف المجالات .
وفى السياق ذاته تزايد اهتمام الشركات الصينية بالسوق المصرية خلال الأعوام الأربعة الماضية نتيجة تحسن بيئة الاستثمار وتدشين المشروعات القومية الكبرى والإصلاحات الاقتصادية التى تنفذها الحكومة المصرية.
وفى ذلك الصدد أكدت الدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولى أن العلاقات الاستثمارية المصرية الصينية شهدت تقدماً ملحوظاً في السنوات الأخيرة، معربة عن تطلع الحكومة المصرية لأن تصبح الصين ضمن أكبر 10 دول مستثمرة في مصر، وزيادة عدد الشركات الصينية في مصر والبالغ عددها 1558 شركة في قطاعات تكنولوجيا المعلومات والكهرباء والاتصالات والمواصلات والنقل.
ويشكل قطاع الاتصالات مجالا مواتيا للاستثمارات الصينية فى مصر .. حيث أكد الدكتور عمرو طلعت وزير الاتصالات وتكنولوجيا المعلومات مؤخراً على الدور الفاعل للشركات الصينية العاملة في السوق المصرية في مجال الاتصالات وتصنيع الألياف الضوئية، والعدادات الذكية وغيرها من الصناعات ذات الصلة..
وتسعى الصين إلى تعظيم الاستفادة من طريق الحرير فى مضاعفة تجارتها مع الدول الأفريقية لتصل إلى 400 مليار دولار بحلول 2020 من خلال الاستفادة من المزايا التفضيلية التى تتمتع بها مصر ومن بينها السوق الضخمة التى تضم حوالى 100 مليون مستهلك فضلاً عن كونها بوابة لأكثر من مليار مستهلك يقطنون في الدول التي تتمتع فيها السلع المنتجة في مصر بمعاملة تفضيلية مثل دول الاتحاد الأوروبي والكوميسا والدول العربية والولايات المتحدة.
كما تهدف الصين من وراء تعزيز تعاونها الاقتصادى والتجارى مع مصر إلى تدعيم تواجدها التجارى بالقارة الأفريقية عن طريق الاستفادة من منطقة التجارة الحرة التى أقرها زعماء الدول الأعضاء بالتكتلات الأفريقية الثلاث ( الكوميسا / سادك/ تكتل شرق أفريقيا ) خلال قمتهم بشرم الشيخ فى العاشر من يونيو عام 2015 والتى تعد الأكبر على مستوى القارة الأفريقية حيث تضم 26 دولة من بينها مصر ، ويمثل الناتج المحلى الاجمالى لها حوالى 60 فى المائة من اجمالى الناتج المحلى للقارة الأفريقية / حوالى 1.2 تريليون دولار / وتضم اكثر من 56 فى المائة من سكان القارة .
وتشير إحصائيات المصلحة العامة للجمارك الصينية الى أن حجم التجارة بين مصر والصين زاد بنسبة 24 فى المائة على أساس سنوي خلال الأشهر السبعة الأولى من العام الجارى، ليصل إلى 7.5 مليار دولار من بينها صادرات صينية بقيمة 6.5 مليار دولار بزيادة 22.6 فى المائة على أساس سنوي، في حين بلغت الواردات الصينية من مصر مليار دولار أمريكي بزيادة 34.1 فى المائة على أساس سنوي.
وبلغ حجم التجارة بين البلدين خلال شهر يوليو الماضى 1.298 مليار دولار من بينها صادرات صينية لمصر بقيمة 1.07 مليار دولار مقابل واردات صينية من مصر بقيمة 223 مليون دولار.
وفى محاولة لتعزيز حجم التبادل التجارى مع الصين أعلنت مصر – على لسان محافظ البنك المركزى المصرى طارق عامر مؤخراً – أنه سيجري تجديد اتفاقية مبادلة العملات مع الصين بقيمة 2.7 مليار دولار في شهر ديسمبر المقبل .
ومن جهة أخرى أوضحت دراسة أصدرتها جمعية رجال الأعمال المصريين أن مصر ستجنى العديد من المكاسب الاقتصادية والاستراتيجية حال انضمامها رسميا إلى الاتحاد التجارى للحزام الاقتصادى لطريق الحرير الذى يضم حاليا أكثر من 50 دولة مشيرة إلى أن انضمام مصر إلى طريق الحرير البحرى، من شأنه تنشيط التجارة الداخلية والخارجية مع دول أعضاء الاتحاد ” طريق الحرير البحرى ” .
كان الرئيس الصينى قد أطلق مبادرة ” إحياء طريق الحرير ” خلال جولته بدول أسيا الوسطى ودول جنوب شرقى أسيا فى سبتمبر وأكتوبر 2013 على التوالى، تحت عنوان “التشارك فى بناء الحزام الاقتصادى لطريق الحرير”، و”طريق الحرير البحرى للقرن الحادى والعشرين.
ومن ناحية أخرى، شهدت العلاقات التجارية بين الصين والقارة الأفريقية نمواً ملحوظاً خلال الأعوام الخمس الماضية مدعومة بتعهد بكين بتعزيز العلاقات الاقتصادية مع أفريقيا ورغبتها فى تأمين احتياجاتها من المواد الأولية والطاقة.
وأعلنت المصلحة العامة للجمارك الصينية أن قيمة التجارة بين الصين وإفريقيا خلال النصف الأول من العام الجارى بلغت 99.84 مليار دولار أمريكي بزيادة 17.3 فى المائة مشيرة إلى أن قيمة صادرات الصين إلى إفريقيا بلغت 50.37 مليار دولار خلال النصف الأول من العام الجارى، بزيادة 8.1 فى المائة ، فيما بلغت قيمة وارداتها من إفريقيا 48.47 مليار دولار ، بزيادة 28.6 فى المائة ، حيث انخفض الفائض التجاري بين الجانبين بنحو 78.6 فى المائة على أساس سنوي ليصل إلى 1.9 مليار دولار لصالح الصين.
وتشير الإحصائيات إلى أن حجم التجارة بين الصين وإفريقيا بلغ 154.57 مليار دولار أمريكي في الفترة يناير – نوفمبر عام 2017 بزيادة 14.8 فى المائة على أساس سنوي لتتجاوز نسبة النمو العامة للتجارة الخارجية الصينية في نفس الفترة بـ 2.8 نقطة مئوية.
وبلغ حجم الصادرات الصينية إلى إفريقيا 85.83 مليار دولار أمريكي بزيادة 2.3 في المائة على أساس سنوي في الفترة يناير – نوفمبر 2017 بينما بلغ حجم الواردات من إفريقيا 68.74 مليار دولار أمريكي بزيادة 35.4 في المائة.
وفى السياق ذاته أعلنت الصين – التى تسعى من خلال مبادرة طريق الحرير التي تضم دول الحزام الاقتصادي لطريق الحرير البري والبحري إلى بناء شبكة تجارية، وتأسيس بنية تحتية تربط قارات آسيا وأوروبا وأفريقيا – مؤخراً عزمها استثمار حوالى 60 مليار دولار إضافيه فى أفريقيا .
وبنهاية عام 2016، وصل حجم الاستثمارات الصينية في أفريقيا إلى أكثر من 100 مليار دولار أمريكي ، مقابل 20 مليار دولار عام 2012 ، و 10 مليارات دولار عام 2009 ، و5 مليارات دولار عام 2006 . وساهمت الاستثمارات الصينية فى خلق 130750 فرصة عمل بالقارة الأفريقية خلال الفترة ما بين 2005 وحتى 2016.
وتسارعت وتيرة استثمارات الشركات الصينية بالقارة الأفريقية حيث أظهر تقرير حديث لمؤسسة ماكنزى العالمية أن إجمالي عدد الشركات الصينية فى افريقيا بلغ حوالى 10 آلاف شركة عام 2017.
ورسمت سياسة الصين تجاه أفريقيا منذ حوالى 5 سنوات خارطة طريق لمستقبل العلاقات الصينية-الأفريقية بهدف تعزيز الصداقة التقليدية والتعاون والثقة السياسية المتبادلة بين الطرفين ترتكز على مبادئ الإخلاص والنتائج الملموسة والتقارب وحسن النية.
واستناداً إلى هذه المبادئ، رسمت الصين وأفريقيا مساراً للتنمية المشتركة وبناء علاقات أقوى من أي وقت مضى بين الجانبين اللذين يضمان معا ما يزيد على حوالى 2.5 مليار نسمة، أي نحو ثلث سكان العالم.
وفى ذلك الصدد قال نائب الرئيس الصيني وانغ تشي شان مؤخراً إن قادة الصين وأفريقيا سيضعون مخططاً من أجل إقامة علاقات أوثق خلال قمة منتدى التعاون الصيني الأفريقي القادمة ، والتى ستركز على سبل الدمج بين الاستراتيجيات التنموية للجانبين وتنسيق السياسات في إطار مبادرة الحزام والطريق وأهداف الأمم المتحدة للتنمية المستدامة ، وأجندة الاتحاد الأفريقي 2063 .
وارتكزت العلاقات الصينية – الأفريقية على أسس سياسية واقتصادية أوسع وأعمق من المفهوم الضيق للاستحواذ الصينى على الموارد الطبيعية ، خاصة في ظل تداخل عوامل داخلية وخارجية صينية كان لها دورا هاما في تشكيل السياسة الصينية تجاه أفريقيا.
وساهمت قمة منتدى التعاون الصينى الأفريقى التى عقدت في ديسمبر 2015 في جوهانسبرج فى دفع العلاقات الاقتصادية والتجارية بين افريقيا والصين الى الأمام .. حيث وجه المشاركون بالقمة رسالة قوية الى المجتمع الدولى مفادها ان الصين وافريقيا تقفان معا من اجل التنمية من خلال اتفاقيات التعاون التى غطت مجالات التصنيع والزراعة والبنية التحتية والمالية والتجارة والحد من الفقر و الصحة العامة وغيرها.
وتحولت الصين الى أهم شريك اقتصادي لأفريقيا خلال عقدين من الزمان.. حيث جلبت الشركات الصينية المزيد من استثمارات رأس المال والتكنولوجيا وفنون الإدارة ومهارات تنظيم الأعمال لعدد كبير من الدول الأفريقية، وساهمت فى تسريع تقدم الاقتصادات الأفريقية.
ويرى محللون اقتصاديون أن الصين تقود ما يطلق عليه “عولمة بديلة” لمواجهة العولمة التي تقودها القوى الغربية وفي طليعتها الولايات المتحدة ، وترتكز على المنفعة والفائدة المتبادلة مع الدول الأخرى، وخاصة الدول الأفريقية بعيدا عن الضغوط السياسية.
ومن جهة أخرى أشادت الدول الأفريقية بإسقاط الصين جزءاً كبيراً من الديون الافريقية المستحقة لها حيث أكد مسؤولو تلك الدول أن الإعفاء من الديون يلعب دورا إيجابيا فى مساعدة الدول المدينة فى تخفيف أعباء ديونها، ودفع التنمية الاقتصادية والاجتماعية.
ومن جانبها قدمت الصين مساعدات ومعونات بمختلف أشكالها إلى 53 دولة أفريقية فى إطار ما يسمى “التعاون بين دول الجنوب ” لدعم جهودها لتنفيذ حزمة متكاملة من المشروعات التنموية فى مجالات الزراعة، والصناعة، والنقل، والاتصالات، والرى، والثقافة والتعليم والصحة.
ويرى محللون اقتصاديون أن الصين بإعطائها الأولوية فى الاستثمار والتجارة مع الدول الافريقية نجحت فى وضع الأخيرة على خريطة العولمة العالمية بعد أن كانت تساهم بنحو واحد فى المائة فقط من حجم التصنيع العالمى عام 2011 رغم امتلاكها لنحو 30 فى المائة من احتياطيات العالم من الهيدروكربونات و14 فى المائة من إجمالي سكان العالم .
وأقرت الصين العديد من المبادرات لتعزيز العلاقات الاقتصادية والتجارية مع أفريقيا من بينها استراتيجية جديدة للتنمية فى أفريقيا عام 2001، و خطة عمل لتسريع التنمية الصناعية فى أفريقيا عام 2007 ، وخطة تنمية البنية التحتية فى افريقيا عام 2013 ودعم رؤية افريقيا 2063 لتعزيز تواجدها الاقتصادى والتجارى بالقارة الافريقية .
وفى عام 2014 أطلق رئيس وزراء الصين لي كه تشيانغ ما يسمى ” إطار 461 للتعاون الأفريقي الصينى “ويتضمن أربعة مبادئ أساسية للتعاون تتمثل فى المساواة والبراجماتية والإخلاص والثقة المتبادلة ، علاوة على ست قطاعات رئيسية هى الصناعة والتمويل وتقليص الفقر وحماية البيئة والتبادلات الثقافية والسلام والأمن ، تحت إطار واحد وهو منتدى الصين – أفريقيا .
وفى ديسمبر عام 2015 أعطى الرئيس الصينى شى جين بينغ دعما إضافيا للمنتدى حيث اقترح 5 ركائز أساسية للتعاون الصينى الأفريقي خلال الفترة من 2016 حتى 2018 تتمثل فى بناء علاقات بين الجانبين على أساس المساواة السياسية والثقة المتبادلة والتعاون الاقتصادى البناء والتبادلات الثقافية والتعليم المشترك والمساعدات المتبادلة فى الأمن ، والتضامن والتعاون فى الشئون الدولية .
وتشير الإحصائيات إلى أن إجمالي عقود الإنشاءات التى تنفذها الشركات الصينية فى أفريقيا بلغ حوالى 466.7 مليار دولار عام 2014.
وتؤكد المؤشرات أن قمة منتدى التعاون الصينى الافريقى سترسى قواعد المشاركة الشاملة بين بكين والقارة السمراء رغم مساعى الدول الكبرى لكبح النفوذ الصينى الاقتصادى فى أفريقيا.
المصدر: أ ش أ