تتجه أنظار الملايين داخل الولايات المتحدة وخارجها في الخامس عشر من أكتوبر الحالي إلى مدينة ميامي بولاية “فلوريدا” الأمريكية، حيث سيتواجه الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، والمرشح الديمقراطي للرئاسة الأمريكية جو بايدن في المناظرة الثانية؛ لمناقشة قضايا جائحة “كوفيد-19” وقضايا السياسة الخارجية والبرنامج الضريبي وغيرها.
وبحسب المراقبين.. سيكون أداء كل من ترامب وبايدن في المناظرتين القادمتين مؤثرًا في تحديد مسار الكتل التصويتية للناخب الأمريكي، كل وفق اهتماماته والقضايا المؤثرة فيه، وكيفية إدارة الفترة المستقبلية.
كانت المناظرة الأولي بين بايدن وترامب والتي جرت في 29 سبتمبر الماضي بمدينة كليفلاند بولاية “أوهايو” الأمريكية- قد وصفتها الصحافة الأمريكية بأنها “أسوأ مناظرة في التاريخ”، إذ شهدت فوضى كبيرة وأجواء محمومة تخللها في كثير من الأحيان تبادل الإهانات الشخصية وسط توتر شديد ومقاطعة الواحد للآخر.
ومن المقرر أن تجرى المناظرة التليفزيونية الثالثة بين بايدن وترامب في الثاني والعشرين من أكتوبر الجاري بمدينة “ناشفيل” بولاية “تينيسي” الأمريكية، وفقاً لما هو معمول به في الانتخابات الأمريكية منذ عام 1960، وباتت تقليدًا ملزمًا يتم اتباعه في الانتخابات الأمريكية، وباتت التساؤلات المطروحة بشأن الدور الذي يمكن أن تلعبه المناظرات التليفزيونية السياسية، في تحديد اتجاهات الناخب الأمريكي تجاه مرشح على حساب مرشح آخر.
تشير دراسات الرأي العام إلى أن المناظرات التليفزيونية تلعب دورًا مهمًا في إظهار شخصية المرشحين وكيفية تعاملهم مع الخصوم، كما تمد الناخبين بمزيد من المعلومات والمؤشرات حول أسلوب المرشح في التفكير وطريقته المتوقعة لإدارة شؤون الحكم.
في واقع الحال تشير الدراسات الإعلامية إلى أن دور المناظرات وإن كان مؤثرًا في بعض الأحيان، لكنه ليس بالدور المحوري، فهي ليست عامل حسم في الانتخابات بشكل عام أو في التأثير على ميول الناخبين، فتأثيرها يكون واضح حال كانت هناك سلوكيات متباينة أو هفوات من المرشحين المتناظرين.
وفي بعض الأحيان تسهم المناظرات إلى حد ما في تغيير مسار الانتخابات الرئاسية، كما حدث في المناظرات بين كينيدي وكلينتون عام 1960، وكلينتون وجورج بوش عام 1992، وكذلك آل جور وجورج دبليو بوش عام 2000، فخلال هذه المناظرات صدرت سلوكيات أحدثت تحولًا في اتجاهات الناخبين.
بحسب المراقبين الأمريكيين كانت من والقضايا المحورية المهمة في المناظرة الأولى بين ترامب وبايدن تلويح ترامب بالعنصرية من خلال حديثه عن البيض وتأثيرهم في السياسة الأمريكية، وهنا تتجلى أهمية الكتلة التصويتية للملونين والسود في تحديد مسار المرشحين للرئاسة الأمريكية.
ويبذل كل من ترامب وبايدن جهوده لاجتذاب أصوات الأمريكيين من أصل أفريقي، باعتبارهم ثاني أكبر الأقليات بالولايات المتحدة، بنسبة 13.5% من الشعب الأمريكي، وهم أيضا أكثر الأقليات انخراطاً في العملية السياسية الأمريكية، مقارنة بالجماعات والأقليات الأخرى، وفقا لمستوى تسجيل الناخبين والمشاركة في الانتخابات، فقد كان لهم دور بارز في حسم نتائج العديد من الانتخابات، خاصة انتخابات 2008، عندما صوت 95% منهم لصالح الديمقراطي “باراك أوباما”.
وفي سبيل ذلك يحاول بايدن استغلال هذه الورقة لكسب كتلة تصويتية لا يستهان بها، إذ كان بايدن قد انتقد سوء تعامل إدارة ترامب مع مظاهر العنصرية ضد السود، مشيرًا لقضية مقتل المواطن “جورج فلويد” في مايو 2020، والتي أدت لتحالف تكتل السود بالكونجرس مع النواب الديمقراطيين لإصدار تشريع بإلغاء الحصانات الممنوحة لضباط الشرطة.
ويرى مراقبون أنه من المحتمل أن تتجه أصوات معظم الأمريكيين من أصل أفريقي لمرشح الحزب الديمقراطي بايدن، والذي تعهد في حال فوزه بالرئاسة، بالقضاء على العنصرية بالمؤسسات الأمريكية خلال المائة يوم الأولى لولايته.
وتشير دراسات إلى احتمالات اتجاه الأمريكيين من أصل أفريقي للتصويت العقابي ضد ترامب، الذي لم يحصل على أكثر من 36 في المائة من أصوات السود، خلال استطلاع أجراه “مركز بيو للأبحاث”، نظرًا لتدهور أوضاعهم الاقتصادية والاجتماعية في عهده، خاصة للمقيمين بالولايات الجنوبية، الذين يمثلون نحو 55 في المائة من ذوي الأصول الإفريقية، حيث ينتشر الفقر والبطالة بين السود، ليبلغ معدل البطالة بينهم 14.7 بالمائة، مقابل 8.7 بالمائة بين البيض، فضلًا عن انخفاض رواتبهم بمتوسط 20 في المائة على الأقل مقارنة بالبيض.
إن ذلك يفسر ترحيب الأمريكان من أصل أفريقي باختيار المرشح الديمقراطي “بايدن” للسيناتور “كامالا هاريس” كنائبة له، باعتبارها أول امرأة سوداء تخوض الانتخابات كنائب للرئيس في تاريخ الولايات المتحدة، لتوظيف الأمر لصالحهم للاستفادة من السياسات الليبرالية للحزب الديمقراطي بشأن قضايا الحقوق المدنية، والتأمين الصحي، والهجرة وغيرها.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)