بعد مفاوضات استمرت قرابة الـ 10 سنوات، وفي اختتام فعاليات قمة الاتحاد الأفريقي بالعاصمة الرواندية كيجالى في الحادي والعشرين من شهر مارس الجاري، تم توقيع اتفاق إطلاق منطقة التجارة الحرة القارية الافريقية تحت اسم “اتفاق التكتلات القارية فى أفريقيا”،حيث وقعت مصر و43 دولة أفريقية ليصل إجمالى عدد الدول الموقعة على الانفاق لـ 44 دولة، إذ يعتبره المهتمون بشأن التجارة في العالم الاتفاق الأكبر من حيث الدول المشاركة فيه منذ إنشاء منظمة التجارة العالمية.
مصر الحاضرة دوماً في المفاوضات مهدت الطريق نحو توقيع هذا الاتفاق، باعتبار أن لها رؤية استراتيجية اقتصادية في القارة الأفريقية، إذ بدأ التشاور حول الاتفاق منذ عام 2008 حيث تم عقد القمة الأولى بأوغندا والتي شهدت توافق وتأكيد الدول المشاركة على وضع حجر أساس نحو تحقيق الجماعة الاقتصادية الإقليمية، وبعد 3 سنوات انعقدت القمة الثانية بجنوب أفريقيا والتي شهدت بدء المفاوضات ووضع خطوط عريضة لخارطة الطريق لإنشاء منطقة التجارة الحرة، كما تم وضع الإطار المؤسسي ومبادئ ومراحل التفاوض، ولكن قمة شرم الشيخ والتي انعقدت عام 2015 شهدت إطلاق منطقة التجارة الحرة للتكتلات الثلاثة الاقتصادية (الكوميسا – السادك – جماعة شرق إفريقيا) وصدر إعلان ختامى للقمة وتم اعتماد المرحلة الأولى من المفاوضات وخارطة طريق لما بعد التوقيع، الأمر الذى ساهم فى حسم المفاوضات فى كيجالى.
استندت فكرة التكامل الإقليمي الاقتصادي الأفريقي من خطة عمل لاجوس لعام 1980 وكذا معاهدة أبوجا لعام 1991 حيث فكرة إنشاء الجماعة الاقتصادية الإفريقية AEC للوصول إلى الولايات المتحدة الأفريقية، وفي إطار عملية التكامل في القارة الإفريقية جاء قرار التجمعات الثلاث (الكوميسا والسادك وجماعة شرق إفريقيا) البدء في إجراء مفاوضات فيما بينهم لإبرام اتفاق التكتلات.
أهداف الاتفاق
يهدف الاتفاق إلى تحقيق الآتي: أولاً: إزالة الضرائب الجمركية والقيود غير الجمركية أمام حركة التجارة الأفريقية، وخلق سوق لكافة السلع والخدمات داخل القارة، خاصة أن حجم السوق سيضم أكثر من مليار نسمة ويفوق حجم الناتج المحلى الإجمالى له عن 3 تريليونات دولار، وثانياُ: انشاء الاتحاد الجمركى الأفريقى وتطبيق التعريفة الجمركية الموحدة تجاه واردات القارة الأفريقية من الخارج، وفى مرحلة لاحقة إعلان اتحاد الدول الأفريقية.
ثالثاً: زيادة التجارة بين الدول الأفريقية التى تسير بمعدلات أقل من العالم وتبلغ 16% فقط بينما تبلغ التجارة بين دول امريكا اللاتينية 19% والأسيوية 51% وأمريكا الشمالية 54% أما بين الدول الأوربية فيبلغ 70%، وفقا لبيان الاتحاد الأفريقى.
مكاسب مصرية
انطلاقاً من دعمها المساعي الإقليمية نحو التكامل والتي يتبناها الاتحاد الافريقي بالتعاون مع التكتلات الاقتصادية المقامة في القارة الإفريقية، وضعت مصر استراتيجية لتنمية العلاقات التجارية المصرية – الأفريقية، لتحقيق مجموعة من الأهداف على رأسها تشكيل مصالح ومنافع مشتركة وتكامل وثيق مع دول القارة للعمل على الخروج بمصر في علاقاتها مع الدول الإفريقية من دائرة كونها مشتركة بحصتها في مياه النيل إلى مفهوم جديد واشمل، يعتمد على دفع عجلة التنمية الاقتصادية في إطار متوازن بين دول القارة والعمل على زيادة حجم التجارة البينية.
ومن ضمن هذه ألهداف أيضا تقديم المعونات الفنية لبعض الدول الإفريقية لمساعدتها في التنمية ، وتعزيز التواجد المصري في أسواق الدول الأفريقية من خلال التواجد السلعي للمنتج المصري في أسواق تلك الدول مع استيراد المواد الخام المتاحة والسلع الأخرى التي تحتاج إليها لزيادة اعتماد دول حوض النيل على السوق المصري كمستورد رئيسي لسلعهم.
ولا شك أن مصر سوف تحقق المكاسب التالية جراء توقيع هذا الاتفاق:
أولاً: يمكن لهذا الاتفاق أن يكون وسيلة لزيادة حجم التجارة بين مصر ودول التكتلات الثلاث فى القارة مع تذليل العوائق الجمركية بين البلدان الموقعة على الاتفاق، كونه يضم سوقا يبلغ عدد سكانه 1.2 مليار نسمة ، وناتجا محليا إجماليا قدره 2.5 تريليون دولار، وكذلك يشجع التجارة الأفريقية على التنويع بعيداً عن صادراتها التقليدية من السلع الأساسية خارج القارة، كما أن حجم التجارة الداخلية فى أفريقيا 20 % فقط.
ثانياً: أن توقيع الاتفاق يعطى فرصة ذهبية للتواجد المصرى بقوة فى عدد دول أكبر وبتسهيلات أفضل تتيح نفاذ بضائع مصنعة بمصر لكافة الدول الأفريقية بخلاف الاتفاقات الأقليمية الأخرى.
ثالثاً: أن الاتفاق يتيح تحقيق قيمة مضافة للسلع المصنعة، داخل مصر ورفع القدرة التنافسية، لتلك السلع وزيادة حركة التجارة البينية والاستفادة من المواد الخام والثروات الطبيعية.
رابعاً: سيتيح الاتفاق دخول مصِر في شراكات واستثمارات كبيرة مع دول التكتل وإتاحة مساحة كبيرة لحرية حركة رؤوس الأموال والأفراد ورجال الأعمال، بما ينعكس إيجابيا على توفير المزيد من فرص العمل أمام شباب مصر والدول الافريقية.
وأكدت الخبرة الاقتصادية المصرية إمكانية استفادة مصر بالعديد من الامتيازات والتخفيضات الجمركية، على النحو التالى:
– السوق الواسعة للدول الأعضاء في الاتفاقية القارية، الأمر الذى يعد متنفسا للعديد من المنتجات المصرية، حيث تستطيع النفاذ لأسواق أكثر من أربعين دولة من الدول الأفريقية بدون سداد رسوم جمركية، نتيجة للإعفاءات المتبادلة.
ـ الاستفادة من هيكل واردات الدول الأعضاء حيث تقبل تلك الدول على استيراد العديد من السلع التي تتمتع مصر بميزة عالية في إنتاجها يأتي على رأس تلك القائمة السلع الغذائية والأدوية والسلع الهندسية والأدوات المنزلية ومواد البناء بالأخص السيراميك والأدوات الصحية ومنتجات الألمونيوم والحديد والصلب والمنتجات الجلدية.
– استيراد العديد من المواد الخام اللازمة للصناعة بإعفاء جمركي خاصة وأن أغلب دول التكتل الثلاثي تعتمد على تصدير خامات ومواد خام وسلع رئيسية مثل النحاس والتبغ والبن والشاي والجلود الخام واللحوم والسمسم.
– الاستفادة من المساعدات المالية التي يقدمها بنك التنمية الأفريقي وغيره من المؤسسات المالية الدولية في مجال تنمية الصادرات إلى دول إفريقيا، فضلاً عن الانخراط المصري في مجتمع متعدد المشارب والتوجهات يتيح لمصر فرصة الإلمام بشئون القارة الأفريقية والمساهمة في وضع الخطط التنموية والمشاركة في إدارة الحوار وتسوية المنازعات القائمة في القارة الأفريقية.
ـ علاوة على مكاسب مصر الناتجة عن التعاون في مختلف المجالات الصناعية والزراعية، وكذلك في مجالات النقل والمواصلات، تتيح الاتفاقية الفرصة لمصر لتصدير الخبرات الفنية خاصة مع تفوق مصر في مجال التجارة في الخدمات وبالأخص أعمال المقاولات.
ويبقى القول إن تفعيل تلك الاتفاقية وغيرها من الاتفاقيات سيعمل على نفاذ مصر إلى السوق الأفريقية، ويحقق الاستراتيجية التي أسستها لتنمية علاقاتها الاقتصادية والتجارية مع القارة الأفريقية.
أ ش أ