مع الزيارة الحالية التي يقوم بها الرئيس عبد الفتاح السيسي للنمسا تتجه الأنظار لهذه الدولة التي تقع في وسط أوروبا وتحظى بثقافة ثرية فيما قدمت للعالم عدد من المشاهير في مجالي الإبداعات الثقافية والفنية.
وكان الرئيس عبد الفتاح السيسي قد وصل أمس الأحد الى فيينا في مستهل زيارة للنمسا تستمر أربعة أيام يحضر خلالها المنتدى الأوروبي الافريقي الرفيع المستوى ، كما يلتقي برئيس النمسا فان دير بلين والمستشار النمساوي سيباستيان كورتز فيما تأتي هذه الزيارة المهمة في وقت تتولى فيه النمسا رئاسة الاتحاد الأوروبي بينما تستعد مصر لرئاسة الاتحاد الافريقي في العام المقبل.
ومن الطبيعي ان تتجه الأنظار لفيينا عاصمة النمسا مع الزيارة الحالية للرئيس عبد الفتاح السيسي فيما تعكس مواقع التواصل الاجتماعي مثل “فيس بوك” و”تويتر” مع الصحافة ووسائل الإعلام ككل هذا الاهتمام في كتابات متعددة حول النمسا وتاريخها وثقافتها.
والنمسا التي يبلغ عدد سكانها نحو الثمانية ملايين ونصف المليون نسمة تقع في قلب أوروبا ومحاطة بألمانيا والتشيك والمجر وسلوفاكيا وسلوفينيا وإيطاليا وسويسرا وليخنشتاين وتبلغ مساحتها 83،855 كيلو مترا مربعا وتضم تسع ولايات اتحادية وتعد من اغنى دول العالم كما تتمتع بثقافة بالغة الثراء.
والألمانية هي اللغة الرسمية للنمسا التي تعد عاصمتها فيينا من أهم مراكز الإبداع الموسيقي في العالم ووصفت بأنها “عاصمة الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية” كما انجبت فنانين من مشاهير الرسم مثل فرديناند جورج واوسكار كوكوشا ورودلف فون الى جانب معماريين عظام مثل يوهان بيرهارد واوتو فاجنر وهانز هولين.
وهي أيضا مسقط رأس فلاسفة كبار مثل لودفيج فيتجشتاين وكارل بوبر وموطن المحلل النفسي الأشهر سيجموند فرويد وعالم الاجتماع بول فيليكس والروائيين ارثر شنيتزلر وستيفان تسايج وتوماس برنهارد كما عاش فيها التشيكي فرانز كافكا حتى قضى في الثالث من يونيو عام 1924.
والتواصل الثقافي والحضاري بصوره المتعددة لم ينقطع بين مصر والنمسا والذاكرة التاريخية لم تنس مشاركة امبراطور النمسا فرانز جوزيف في حفل افتتاح قناة السويس في السابع عشر من شهر نوفمبر عام 1869 جنبا الى جنب مع مشاهير العصر والشخصيات العالمية مثل الامبراطورة اوجيني زوجة امبراطور فرنسا نابليون الثالث والكاتب النرويجي الأشهر هنريك ابسن.
وريال “ماريا تريزا” او “الريال النمساوي” استخدم على نطاق واسع في بلدان عربية مثل اليمن وهذه العملة الفضية التي سكت عام 1741وحملت صورة امبراطورة النمسا استخدمت في تجارة الشرق والغرب او التجارة العالمية ككل في القرنين الثامن عشر والتاسع عشر.
كما يحظى عباقرة الموسيقى الذين انجبتهم النمسا أو ارتبطوا بها وجوديا بإعجاب المصريين والعرب ككل فيما تتردد باستمرار في المحافل الثقافية المصرية أسماء موتسارت وبيتهوفن وشوبرت.
وفولفجانج اماديوس موتسارت الذي ولد في السابع والعشرين من يناير عام 1756 في سالزبورج بالنمسا وقضى في الخامس من ديسمبر عام 1791 مؤلف موسيقي من اشهر المبدعين في تاريخ الموسيقى رغم حياته القصيرة .
اما لودفيج فان بيتهوفن الذي يعد من اعظم عباقرة الموسيقى على مر التاريخ فقد ارتبط بالثقافة النمساوية رغم انه ولد في السابع عشر من ديسمبر عام 1770 بمدينة بون الألمانية لكنه قضى في السادس والعشرين من مارس عام عام 1827 في العاصمة النمساوية فيينا التي بدأ فيها مسيرته الموسيقية وحظى بدعم نخبتها الثقافية حتى بات خليفة موتسارت.
وتحتفل شبكة البرنامج الموسيقي في الإذاعة المصرية، اليوم الاثنين، بذكرى مولد بيتهوفن الذي تشمل مؤلفاته تسع سيمفونيات وخمس مقطوعات على البيانو وأخرى على الكمان فضلا عن 32 “سوناتا” على البيانو و16 مقطوعة رباعية وترية فيما نوهت شبكة البرنامج الموسيقي المصرية بأنها بصدد بث العديد من روائعه الموسيقية.
ولأنه أصيب بالصمم في الثلاثينيات من عمره وواصل ابداعه الموسيقي فان بيتهوفن يشكل دوما مصدر الهام لكثير من المثقفين والمبدعين بقدر مايثير الفضول ولن تنسى الذاكرة الثقافية المصرية اسهامات مثقف مصري كبير هو الراحل العظيم الدكتور حسين فوزي عبر إذاعة البرنامج الثقافي “البرنامج الثاني” في ستينيات القرن العشرين لشرح روائع هذا المبدع الموسيقي الذي احتضنته فيينا.
كما انجبت النمسا عبقريا اخر في الموسيقى هو فرانز شوبرت الذي ولد في الحادي والثلاثين من يناير عام 1797 بالقرب من فيينا وقضى في التاسع عشر من نوفمبر عام 1828 ورغم رحيله المبكر مثل موتسارت فقد قام بتأليف نحو الف مقطوعة موسيقية فيما يتفق النقاد على ان بعض هذه المقطوعات من افضل الأعمال في تاريخ الموسيقى.
وسواء على مستوى الطب والتحليل النفسي او دراسات ثقافية واجتماعية في مصر والعالم العربي مازال اسم النمساوي سيجموند فرويد حاضرا بقوة في سياق ظاهرة عالمية حتى ان متحفا أقيم في شمال العاصمة البريطانية لتخليد ذكرى المحلل النفسي الأعظم الذي ولد عام 1856 وقضى عام 1939.
ومتحف فرويد في لندن هو فى الأصل المنزل الذى اقام فيه ابو التحليل النفسى فى العالم سيجموند فرويد عندما فر لبريطانيا عام 1938 بعد ان سقطت النمسا فى قبضة النازية فيما تركت افكار المحلل النفسى الأشهر سيجموند فرويد اثارا عميقة في حركات وتيارات ثقافية حتى ان فكرته بشأن الانسان المستلب من رغباته او فكرة الاستلاب او الاغتراب هى ذاتها الفكرة المحورية والجوهرية عند تيار مابعد البنيوية.
أما السريالية ولدت عام 1924 بباريس في “البيان الذي اصدره الكاتب والشاعر الفرنسي اندريه بريتون” فهذا البيان يكشف عن تأثره كدارس للطب النفسي بأفكار المفكر والطبيب النمساوي سيجموند فرويد في التحليل النفسي.
وشعب النمسا الذي ادرك الويلات المقترنة بالحروب شعب مؤيد للسلام تماما كالشعب المصري ولن يكون من الغريب أن تجمع ثقافة الاحتفال بالحياة بين شعبين ينتميان لحضارتين عريقتين وقدما للعالم أروع الإبداعات الإنسانية انتصارا للحق والخير والجمال.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)