عندما تحرك الرئيس الروسي فلاديمير بوتين للاعتراف بجيوب أوكرانيا الانفصالية في دونيتسك ولوجانسك يوم الاثنين، شهر الاتحاد الأوروبي سيف عقوباته على أشخاص من دائرة سيد الكرملين المقربة، فيما حذر قادة الكتلة من أنه يتم إعداد حزمة أكبر في حال قرر بوتين غزو أوكرانيا.
وأعرب دبلوماسيون يوم الأربعاء، عن أملهم في أن يكون مجرد التهديد بهذه “الحزمة الثانية” بمثابة رادع. لكن مع بدء القوات الروسية غزو أوكرانيا الخميس، أصبح من الواضح بشكل “مؤلم” أنهم أخطأوا في تلك الحسابات.
وتوجه القادة الأوروبيون إلى بروكسل مساء الخميس، لحضور قمة طارئة ستسعى إلى انتزاع موافقة سريعة على الجولة الثانية من العقوبات ضد روسيا، على الرغم من أن إيجاد حل وسط لمواجهة صراع يحدث مرة واحدة في جيل، سيكون صعبًا.
قبل الغزو، قدم الدبلوماسيون الأوروبيون المنخرطون بشكل مباشر في المحادثات بشأن العقوبات صورة أقل اتحادًا بكثير، في ظل اعتماد الاتحاد الأوروبي على الغاز الروسي خاصة.
وقال دبلوماسيون، وفق ما أفادت به صحيفة “نيويورك تايمز”، إن العديد من دول التكتل الأوروبي قلقة بشأن قطاعات أخرى في الاقتصاد الروسي يمكن أن يطالها سيف العقوبات. وقد أثارت النمسا وألمانيا وإيطاليا مخاوف بشأن فرض عقوبات واسعة النطاق على المعاملات المالية والعمليات المصرفية عبر الحدود. فيما كانت إيطاليا تضغط من أجل ترك صناعة السلع الفاخرة في منأى حتى تتمكن من الاستمرار في تصدير الأزياء وغيرها من المنتجات الراقية إلى روسيا.
أما بلجيكا فتسعى للحصول على إعفاء لقطاع الألماس المهم لديها.
لقد عملت المفوضية الأوروبية، الفرع التنفيذي للكتلة، على حزمة العقوبات منذ شهور، وهو ما يفسر جزئيًا سبب الموافقة على الحزمة الأولى من العقوبات ضد روسيا بهذه السرعة. لكن لا توجد ضمانات بأن الأمر سيكون كذلك مع الحزمة الثانية.
قال جوزيف بوريل فونتيليس، كبير الدبلوماسيين في الاتحاد الأوروبي، صباح الخميس، إن التكتل يستعد لتبني “أقسى مجموعة من العقوبات التي نفذناها على الإطلاق”.
لقد مر الاقتصاد الروسي بمراحل متميزة منذ انهيار الاتحاد السوفياتي في أوائل التسعينيات. شهد معالجة أولية بالصدمة أدت إلى ركود حاد بلغ ذروته في أزمة مالية ضربت عام 1998، لكنه انتعاش بقوة في العقد الأول من القرن الحادي والعشرين، على خلفية ازدهار صادرات النفط والغاز، قبل عودة الركود بعد أن أدى الفشل في تنويع الاقتصاد إلى خسائر فادحة.
نما الاقتصاد الروسي بنسبة 7٪ سنويًا في المتوسط في العقد الذي سبق الانهيار المالي العالمي عام 2008، وظل يتوسع بنحو 2٪ فقط سنويًا في السنوات الثلاث التي سبقت الوباء.
المحصلة هي أنه – في بعض النواحي على الأقل – لم يتحرك الاقتصاد الروسي كثيراً منذ أيام الاتحاد السوفياتي. ولا تزال روسيا غنية بالموارد الطبيعية ورأس المال البشري، لكن أداءها بطيء ولديها علاقات محدودة مع الغرب.
قال الدكتور هولجر شميدنج، كبير الاقتصاديين في بنك الاستثمار بيرنبرج لصحيفة الجارديان البريطانية، إن “روسيا قوة عسكرية رئيسية ومنتج للطاقة، لكنها ليست سوقا مناسبة لمعظم البلدان. فألمانيا، على سبيل المثال، تصدر إلى بولندا أكثر بكثير مما تصدره إلى روسيا”.
لكن، كما وجد أولئك الذين حاربوا روسيا في الماضي، فإن المظاهر قد تكون خداعة، وهناك عدد من الأسباب التي تجعل النصر السريع من قبل الغرب يبدو غير مرجح.
أولاً، سعى بوتين بنشاط لعزل روسيا عن الغرب منذ غزو شبه جزيرة القرم في 2014، إذ تم حينها حظر الواردات الغربية من اللحوم والفواكه والخضراوات والألبان عندما فُرضت العقوبات.
ثانيًا، اقترن الاكتفاء الذاتي بمحاولة التنويع، مع سياسة محورية مقصودة تجاه الصين. وقد مهد اتفاق مع بكين في 2014، الطريق لبناء Power of Siberia، وهو خط أنابيب الغاز الذي يربط بين البلدين والذي افتتح في العام 2019.
تعد الصين ثاني أكبر اقتصاد في العالم، وكان طلبها الكبير على الطاقة أحد العوامل التي أدت إلى ارتفاع أسعار الطاقة العالمية خلال العام الماضي. ولقد أعطى بوتين بالفعل الموافقة لإنشاء خط Power of Siberia 2.
ثالثًا، استخدمت روسيا عائدات صادراتها من النفط والغاز لبناء دفاعات مالية كبيرة. فموسكو تحتفظ باحتياطيات من العملات الأجنبية تبلغ حوالي 500 مليار دولار، ووفقًا للمعايير الدولية، لديها مستويات منخفضة للغاية من الدين الوطني. ففي حين أن الوباء تسبب في ارتفاع نسبة الدين الوطني للمملكة المتحدة إلى الناتج المحلي الإجمالي فوق 100٪، على سبيل المثال، بقيت النسبة في روسيا أقل من 20٪.
قد تؤدي هذه القوة المالية إلى إضعاف أحد الأسلحة التي ينوي الغرب من خلالها الرد على التصعيد في أوكرانيا، وهي حظر إصدار أو تداول ديون روسيا السيادية في لندن ونيويورك. ويبدو أن حجم السندات التي تحتاج روسيا لبيعها صغير نسبيًا، ولم يتم شراء سوى 10٪ من الإجمالي من قبل غير المقيمين خلال العام الماضي.
أخيرًا، يمتلك بوتين بعض الأسلحة الخاصة به التي قد يميل إلى استخدامها للانتقام من العقوبات الغربية. فروسيا توفر 40٪ من نفط وفحم الاتحاد الأوروبي، و20٪ من غازه. كما أنها أكبر مصدر في العالم للقمح والأسمدة والبلاديوم، وهو عنصر حاسم في صناعة السيارات لأنه ضروري لصنع المحولات الحفازة.
يقول معهد كيل، وهو مؤسسة بحثية ألمانية، إن وقف صادرات الغاز سيقلص الناتج المحلي الإجمالي الروسي بـ3%، بينما سيؤدي وقف صادرات النفط إلى ضربة بواقع 1.2٪. وفي حين أن الدول الغربية ستكون قادرة على تلبية حاجياتها من الطاقة من مصدر آخر، فإن انخفاض العرض سيؤدي حتما إلى ارتفاع أسعار النفط والغاز.
حتى خلال فترات الحرب الباردة، استمر الاتحاد السوفياتي في إمداد الغرب بالطاقة. وقد يأتي قطع إمدادات النفط والغاز بتكلفة باهظة، لكنه سيكون مثالاً على استراتيجية تم انتهاجها من قبل في تاريخ البلاد: “سياسة الأرض المحروقة”.
المصدر: وكالات