فرض ملف الهجرة غير الشرعية نفسه على جدول أعمال الدورة العادية الحادية والثلاثين لمؤتمر رؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي في العاصمة الموريتانية نواكشوط الذي استمر يومين ، إضافة إلى مستقبل الشراكة بين إفريقيا والاتحاد الأوروبي، المرتبطة بالملف نفسه.
ومثلت دعوة وزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي لرؤساء دول وحكومات الاتحاد الإفريقي خلال اجتماعهم إلى وحدة الصف خلال المفاوضات المقبلة مع الشركاء الأوروبيين، محاولة لحشد موقف موحد إزاء إغراءات قادة الاتحاد الاوروبي في بروكسل قبل أيام بتقديم مزيد من الدعم المالي لأفريقيا مقابل المساعدة في التصدي للهجرة غير الشرعية، من خلال إقامة معسكرات للمهاجرين غير الشرعيين.
وجاءت تصريحات الجهيناوي كإشارة مبطنة لما كررت تونس إعلانه من رفض ربط التعاون الأوروبي وضخ الاستثمارات بإقامة المخيمات في عدد من دول شمال أفريقيا، من بينها تونس.
ويأتي الضغط الاوروبي بلا تبرير سوى استغلال حالة الاقتصاد التونسي الهشة، خاصة وان عدد المهاجرين عبر السواحل التونسية لم يتجاوز 900 شخص في عام 2016. كذلك فإن جعل تونس مركزا لمخيمات اللاجئين يفاقم تحدياتها الأمنية كالإرهاب والتهريب.
إجماع “شمال أفريقي” على رفض المقترح الأوروبي
تكرر موقف تونس الرافض للمقترح الأوروبي ، وهو نفس موقف دول الشمال الأفريقي، حيث رفضت حكومة الوفاق الليبية اقتراحا إيطاليا بشأن إقامة مخيمات استقبال للاجئين على حدود البلاد الجنوبية، علما بأن نسبة كبيرة من المهاجرين المتوجّهين إلى أوروبا يغادرون عبر سواحلها. وقال نائب رئيس المجلس الرئاسي لحكومة الوفاق الوطني الليبي أحمد معيتيق خلال مؤتمر صحفي مشترك مع وزير الداخلية ونائب رئيس الوزراء الإيطالي ماتيو سالفيني في طرابلس أواخر يونيو الماضي: “نتفق مع أوروبا فيما يتعلق بمسألة الهجرة، لكننا نرفض بشكل قاطع إقامة أي مخيمات للمهاجرين في أراضي ليبيا”.
وعلى نفس الخطى، سارعت الجزائر لإعلان رفضها فكرة القبول بمشروع من تمويل الاتحاد الأوروبي لإقامة مراكز استقبال المهاجرين على أراضيها قبل اعلان نتائج قمة بروكسل. وقال وزير الخارجية عبد القادر مساهل لإذاعة فرنسا الدولية “نحن نعاني أصلا من نفس المشكلة ونعمل على إبعاد المهاجرين غير الشرعيين من أراضينا وفق الاتفاقات التي تربطنا مع بلدانهم الأصلية”.
كما رفض المغرب فكرة مراكز اللجوء، وفقا لما صرح به وزير الخارجية ناصر بوريطة بعد اجتماع مؤخرا في الرباط مع نظيره الإسباني جوسيبي بوريل.
“الدول الثالثة” منصات وصول للمهاجرين
وكان الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قد صرح عقب الاتفاق الذي توصل إليه زعماء الاتحاد الأوروبي في بروكسل قبل ايام بشأن المهاجرين وطالبي اللجوء، بأن الاتفاق سيسمح بالعمل مع “الدول الثالثة” في أفريقيا والشرق الأوسط، لتكون منصات وصول وفرز للمهاجرين خارج الاتحاد الأوروبي بموافقة المفوضية العليا للاجئين.
تقاطع ذلك مع تصريحات لوزير الخارجية التونسي خميس الجهيناوي استبق فيها نتائج قمة بروكسل بالتأكيد على رفض تونس لهذه المنصات لاحتجاز المهاجرين غير الشرعيين. وقال الجهيناوي ضمن حديث لصحيفة “العرب اللندنية”: “نحن في تونس لا نتحمل مسؤولية تدفق المهاجرين غير الشرعيين على سواحل جنوب أوروبا”.
كما اوضح الجهيناوي، خلال مباحثات مع المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة الجمعة أن “موضوع الهجرة غير الشرعية لا يمكن معالجته برفض الآخر وتشييد مثل هذه المنصات”.
ويكشف تكرار تأكيد هذا الموقف من قبل تونس ما تتعرض له من ضغوط وإغراءات للموافقة، خاصة في ظل الظروف الاقتصادية التي تمر بها، فقد سبق وأكّد رئيس الحكومة التونسية يوسف الشاهد خلال لقائه المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل في ألمانيا في فبراير ٢٠١٧ أن تونس لن تكون أرض عبور للاجئين، ولن تقام بها مخيمات، ردا على دعوات أوروبية مختلفة لاتخاذ تونس منصة للاجئين الذين وصلوا في السنوات الأخيرة إلى أوروبا بطرق غير شرعية.
ووعدت المستشارة الألمانية انجيلا ميركل خلال زيارتها لتونس عام 2017 بضخ الاستثمارات، والمساعدات الاقتصادية مقابل فتح الباب لاستقبال المهاجرين.
وترجع بداية المفاوضات مع تونس حول هذا الموضوع إلى أكتوبر 2016، وتم في تلك الفترة وضع مسودّتَي اتفاقيتين، إحداهما باسم “إعادة القبول” وتقوم على إعادة المهاجرين غير الشرعيين عبر تونس إلى بلدانهم الأصلية، لتكون رادعاً لمن يعتزم المرور من خلالها.
وحينذاك وعدت أوروبا بباقة من الحوافز مقابل التعاون التونسي، من بينها فتح منافذ أوسع للتبادل العلمي والثقافي بين تونس وأوروبا ، وتحديث مؤسسات التعليم العالي، وتطوير التدريب المهني، إضافة إلى الاستمرار في دعم قدرات الأجهزة الأمنية التونسية.
ولا تكفي عروض الدعم الاوروبي محفّزا لتونس على إقامة مثل هذه المخيمات، خاصة وأنها قد تصبح بلا نهاية مثلما حدث بالنسبة للمخيمات الفلسطينية في لبنان وسوريا.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)