نشرت مجلة “كريستيان ساينس مونيتور” مقالا لسكوت بيترسون، يقول فيه إن القصف الذي تعرضت له شرق حلب، التي كانت تسيطر عليها المعارضة المسلحة، على أيدي الروس والجيش السوري والميليشيا التي تقودها إيران، كان غير مسبوق، من حيث شدته، حتى بمقاييس الحرب الأهلية السورية، التي دامت ست سنوات.
ويقول بيترسون إن “الهجوم كان فعالا أيضا في إزالة فصائل المعارضة المسلحة، وبعضها تدعمهم أمريكا وغيرهم من الإرهابيين الإسلاميين، من أهم معقل مدني في سوريا، ويحتفل بشار الأسد بأهم انتصار له في الميدان إلى الآن، مع أن الخلافات بين إيران وروسيا قطعت ما كان مفروضا أن يكون وقفا لإطلاق النار، وأظهرت الصور حارات تم تحطيم عماراتها السكنية، تتخللها استنجادات السكان المرعوبين على مواقع التواصل الاجتماعي، مستصرخين (أنقذوا حلب)”.
ويورد المقال، عن الأسد، قوله على التلفزيون الروسي يوم الأربعاء: “إن تحرير حلب لا ينتهي بتحرير المدينة ذاتها، بل هناك حاجة لتأمينها من الخارج”، وأضاف أن المنطقة التي سيستهدفها لاحقا “هي المدينة التي يوجد فيها أكبر عدد من الإرهابيين”.
وتستدرك المجلة بأن التداعيات الاستراتيجية لسقوط حلب تصل إلى أبعد من مدينة حلب، بحسب المحللين، وتشير إلى تغيير في أدوات ديناميكية السلطة في الشرق الأوسط، لافتة إلى أن “روسيا وإيران استثمرتا القوة العسكرية، وعملتا معا لتحقيق النتيجة المرجوة، وهي الحفاظ على الأسد، ومنع سقوط الحكم في أيدي الإسلاميين، والمزيد من الفوضى، بحسب وصفهم، وفي الوقت ذاته، فإنهما هزمتا الجهود المترددة لواشنطن وحليفاتها تركيا والسعودية وقطر للإطاحة بالأسد، عن طريق دعم الثوار”.
ويقول الكاتب إن “هذا كان بالنسبة لإيران يعني مد نفوذها عبر ما تسميه (محور الممانعة) ضد أمريكا وإسرائيل وحلفائهما، وبالنسبة لروسيا، فإن هذه تعد خطوة مهمة تجاه إعادة نفوذها، في وقت تراجع فيه الاستعداد الأمريكي للتفاعل في الشرق الأوسط”.
وينقل المقال عن الخبير في شؤون الشرق الأوسط والأستاذ في “لندن سكول أوف إيكونوميكس” ومؤلف كتاب “ISIS: A History” فواز جرجس، قوله: “هذا ما يهم إيران وروسيا، وهو أن المشروع السياسي الجيواستراتيجي ضد الأسد وإيران فشل وتم دفنه تحت أنقاض حلب”، ويضيف جرجس: “قد تكون سوريا فعلا إشارة إلى ظهور نظام دولي جديد”، مشيرا إلى أن الرئيس الأمريكي باراك أوباما اتخذ قرارا بعدم التدخل أو التورط أو استثمار أي جهد عسكري أو سياسي كبير في الشرق الأوسط.
ويتابع جرجس قائلا إن ضعف التدخل الأمريكي لم يكن “بسبب قلة المقدرة أو قلة الإرادة.. وفي المقابل فإن الرئيس الروسي فلاديمير بوتين قام باستثمار استراتيجي تبدو عائداته إلى الآن ممتازة”.
وتلفت المجلة إلى أن جرجس وغيره من المحللين، حذروا من أنه حتى بعد سقوط حلب، فإن الأسد لا يسيطر سوى على ثلث البلد، ولذلك ترى روسيا وإيران أن الحرب في سوريا مستمرة، وغالبا ما ستضغطان نحو حل سياسي للصراع.
ويقول بيترسون إنه “من هنا، فقد زاد ثمن الحرب البشري مع الحرب على حلب، وسنوات من براميل النظام المتفجرة تزيد من عدد الضحايا، الذي وصل إلى حوالي 470 ألفا، ومن بين التقارير حول جرائم ارتكبها الطرفان، قالت الأمم المتحدة يوم الثلاثاء إن القوات المؤيدة للأسد أعدمت 82 مدنيا، واستمر القصف المكثف للمدينة يوم الأربعاء مع انهيار الاتفاقية، التي أعلنت عنها روسيا لمغادرة الثوار”.
ويعلق الكاتب قائلا إن “ثوار حلب هزموا في قتال غير متماثل، أثبتت فيه الأمم المتحدة والزعماء الغربيون عجزهم عن حماية المدنيين مما يتوقعونه من عقوبة سينزلها النظام بهم، وهناك مقارنات كثيرة بين ما فعلت روسيا في عاصمة الشيشان جروزني في تسعينيات القرن الماضي وذبح الصرب لـ8 آلاف مسلم في سريبرينيشا في البوسنة عام 1995”.
وينوه المقال إلى أن “إيران دعمت الأسد من البداية بالمستشارين –وخسرت عددا من الضباط كبار الرتبة على الطريق– وحشدت حزب الله اللبناني الشيعي، بالإضافة إلى أنها سخرت الآلاف من رجال الميليشيا الشيعية من العراق وأفغانستان، وحتى من باكستان، للقتال في سوريا، فيما صعدت روسيا من تدخلها في سبتمبر العام الماضي، وهي أول مرة تستخدم فيها قواتها خارج حدود الاتحاد السوفييتي سابقا منذ عقود، بطلب من إيران، بحسب التقارير، وبعد ذلك بقليل قال أوباما: (إنها لا يمكن أن تنجح)، وتوقع لموسكو التورط في (مستنقع) الحرب في سوريا”.
وتذكر المجلة أن بوتين أشار إلى الفشل الغربي في سوريا، وقال لقناة “أن تي في” الأسبوع الماضي: “إن التوازن العالمي بدأ يعود بالتدريج، فقد فشلت إقامة عالم أحادي القطب”.
ويفيد الكاتب بأن النبرة في طهران كانت نبرة انتصار أيضا، حيث حملت صحيفة (كيهان) المتشددة عنوانا يقول: (أثمرت المقاومة، وكسرت شوكة أمريكا وآل سعود)، وأعلن نائب قائد الحرس الثوري العميد حسين سلامة، أن (تحرير حلب هو هزيمة لقوى الاستكبار السياسي والعسكري كله في بقعة واحدة من العالم الإسلامي، حيث رفع علم الجهاد)”.
ويقول بيترسون إن “عددا قليلا من الناس يرى أن مغادرة الثوار لحلب تعني نهاية الحرب السورية، التي ستستمر كحرب عصابات على جبهات كثيرة أخرى، ويقول المحللون إن هناك عوامل تحد من النفوذ المتصاعد لإيران وروسيا، فالهدنة، التي فشلت يوم الأربعاء، لم تنجح بسبب الجدل بين روسيا وإيران حول كيف وإن كان ممكنا إخلاء المقاتلين، الذين تعدهم القوات المؤيدة للأسد (إرهابيين)، وعشرات الآلاف من المدنيين، من المساحة الصغيرة من الأرض التي لا تزل تحت سيطرتهم”.
ويجد المقال أن “انتصار” الأسد في حلب شابه إخفاق في تدمر، التي احتلها مقاتلو تنطيم الدولة ثانية في الأيام الأخيرة، حيث يقول الكاتب في الشؤون الدفاعية في مجلة “نوفايا جازيتا” بافل فيلغينهاور: “كان هناك أمل كبير بأن يحطم الانتصار في حلب معنويات المعارضة السورية، وأن تبدأ بالتصدع، وأن تكون هناك انشقاقات حادة”.
ويضيف فيلجينهاور: “لحلب، حشدوا كل ما استطاعوا حشده، أحضر حزب الله كتيبتين جديدتين.. ورتب الروس قصفا مكثفا يشبه قصف جروزني.. ولذلك نجحت العملية، ولكن المشاة السوريين من الدرجة الثانية هزموا في تدمر، وتمت السيطرة على كميات من الأسلحة، ما خفف من آثار معركة حلب في تحطيم المعنويات”.
وتبين المجلة أن “الدور الروسي المتمدد في سوريا يعود ببعض الفوائد، حيث تستضاف روسيا في دول الخليج، مثل السعودية، وتعيد بناء علاقاتها مع دول أخرى، مثل تركيا ومصر، اللتين هما بالأصل حليفتان تقليديتان لأمريكا، بالإضافة إلى أن القيادات الفلسطينية سعت إلى مساعدة بوتين في إقناع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو باستئناف مفاوضات السلام، وهو الدور الذي أدته واشنطن لفترة طويلة”.
ويرى الكاتب أنه كلما زاد التدخل الروسي في سوريا يزيد احتمال سيناريو المستنقع، بالإضافة إلى المخاطر الأخرى، ويقول فيلجينهاور: “سألني شخص من الكرملين في مايو/أيار، (لماذا لا نأخذ حلب؟) فقلت له: (يمكننا ذلك، لكن سيكون هناك حمام دم، ويجب أن يكون هناك قرار سياسي جاد)، وعندما يستوعب العالم السني حجم حمام الدمام ستكون هناك تداعيات أيضا”.
وبحسب المقال، فإن العامل الآخر الذي يحدد عمل روسيا هو التكلفة، حيث قال لواء في الجيش الروسي إنه أرسل 700 ألف طن معدات عسكرية لسوريا، عن طريق مضيق البوسفور.
ويعلق فيلحينهاور قائلا: “المشكلة هي كم يمكن لروسيا أن تستمر في سياستها هذه عندما تنفد مواردها.. إن تلك كمية كبيرة (من المواد)، وإن ذلك عبء كبير على البحرية الروسية وعلى الميزانية الروسية.. كما أن هناك مشكلة تتعلق بالمعنويات الروسية هنا”.
ويقول جرجس إن تجارب روسيا في صراعات أخرى هي التي تجعلها تضغط باتجاه حل سياسي، ويحتج بالقول إن “الجيش السوري موزع ومتفرق في مناطق كثيرة، ولم يعد من الممكن للأسد أن يفرض سيطرة مركزية على سوريا كلها.. وفي الواقع ما نراه اليوم انتصارا للأسد قد يتحول إلى سنتين أو ثلاث من سنوات أفغانستان في تسعينيات القرن الماضي.. روسيا تعرف ذلك، ودون حل سياسي فإن روسيا ستبقى ميدانا للحروب لسنوات عديدة قادمة”.
وتفيد المجلة بأن “إيران تواجه تحدياتها الخاصة بها، ليس أقلها عدم معرفتها كيف ستكون توجهات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، الذي قد يسعى إلى تحسين العلاقات مع روسيا على حساب إيران، ولذلك فهي أيضا تسعى إلى حل سياسي”.
وينقل بيترسون عن المتخصص في العلوم السياسية في طهران ناصر هاديان جازي، قوله: “المفهوم السائد في طهران هو أنه لا يوجد حل عسكري في سوريا.. يعني أن الوقت ملائم للذهاب إلى حل تفاوضي؛ لأنه من الأسهل إقناع الأسد بأن يقدم تنازلات من موقف قوة لا من موقف ضعف”.
وتختم “كريستيان ساينس مونيتور” مقالها بالإشارة إلى قول جازي إنه مع أن بعض الفصائل المحافظة تحتفي بانتصار “المقاومة” في حلب، فإن هذا ليس هو الرأي السائد “وقواتنا تتحمل فوق طاقتها، ونعرف أنه لا ضوء في نهاية النفق، وأي تقارب بين روسيا وأمريكا سيضر بإيران، ولذلك فإن ما نفضله هو تحويل ذلك النصر بسرعة إلى حل تفاوضي.
المصدر: وكالات