تأتي زيارة الرئيس الروسي فلاديمير بوتين اليوم الاثنين إلى مصر، لتعكس عمق العلاقات التاريخية والإستراتيجية بين البلدين الكبيرين، منذ أن بدأت قبل نحو 74 عامًا.
ويبحث الرئيس عبد الفتاح السيسي مع نظيره الروسي، عددًا من القضايا، في مقدمتها القضايا الإقليمية وسبل التعاون المشترك، وسبل الأمن والاستقرار في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، ومن المتوقع أن يتم خلال الزيارة مباحثات تنفيذ اتفاقية إنشاء المحطة النووية في الضبعة، والمنطقة الصناعية الروسية في السويس، وعودة الطيران المباشر بين البلدين، حسبما ذكرت وكالة سبوتنيك الروسية.
ومنذ انتخابه رئيسًا للبلاد، حرص الرئيس عبدالفتاح السيسي، على توطيد العلاقات بين البلدين، من خلال زيارة رسمية له في أغسطس 2014 في أعقاب توليه الحكم، فيما قام الرئيس الروسي بزيارة مصر وكانت الأولى له منذ 10 سنوات وقتها في ،2015 حيث لم يزر مصر منذ العام 2005، وتعد هذه الزيارة الثانية لمصر في عهد الرئيس السيسي.
وتعود العلاقات الدبلوماسية بين البلدين منذ نحو 74 عامًا منذ العام 1943، حيث دشنت أول سفارة لمصر في موسكو، وسفارة للاتحاد السوفييتي في القاهرة وقنصلية عامة في الإسكندرية، منذ ذلك التاريخ، وأصبحتا شريكتين على الصعيد الثنائي والدولي.
في أغسطس عام 1948، وُقعت أول اتفاقية اقتصادية بين البلدين حول مقايضة القطن المصري بحبوب وأخشاب من الاتحاد السوفيتي، وشهدت العلاقة تطورات متلاحقة، ففي أعقاب ثورة يوليو 1952، وثق الاتحاد السوفييتي علاقاته على كافة الأصعدة الاقتصادية والعسكرية والتجارية.
وبلغت العلاقات الثنائية ذروتها في خمسينيات وستينيات القرن الماضي، وقتما كان الرئيس جمال عبدالناصر على سدة الحكم، حيث ساعد آلاف الخبراء السوفييت في إنشاء المؤسسات الإنتاجية في مصر، بينها السد العالي في أسوان ومصنع الحديد والصلب في حلوان ومجمع الألومنيوم بنجع حمادي ومد الخطوط الكهربائية أسوان – الإسكندرية، وتم إنجاز 97 مشروعًا صناعيًا بمساهمة الاتحاد السوفيتي، وزودت القوات المسلحة المصرية منذ الخمسينات بأسلحة سوفيتية.
واتخذ العلاقات بين البلدين منحى آخر في عهد الرئيس الراحل محمد أنور السادات، حيث شهدت نوعًا من التوتر، سرعان ما بدأت في التحسن تدريجيًا في عهد الرئيس الأسبق حسني مبارك.
وتعد مصر من طليعة الدول التي أقامت العلاقات الدبلوماسية مع روسيا الاتحادية بعد انهيار الاتحاد السوفيتي عام 1991، وتطورت على إثرها العلاقات السياسية على مستوى رئيسي الدولتين والمستويين الحكومي والبرلماني، عكستها أول زيارة رسمية للرئيس الأسبق مبارك إلى روسيا الاتحادية سبتمبر 1997، وقع خلالها البيان المصري – الروسي المشترك وسبع اتفاقيات تعاون، أعقبها زيارتان رئاسيتان مصريتان إلى روسيا عامي 2001 و2006.
في عام 2005، زار الرئيس الروسي فلاديمير بوتين مصر، وصدر في ختام المباحثات الثنائية التي جرت في القاهرة، البيان المشترك الذي عبر فحواه عن عميق علاقات الصداقة والشراكة بين روسيا الاتحادية ومصر، واتخذت دورة مجلس جامعة الدول العربية في سبتمبر في نفس العام، للمرة الأولى في تاريخها قرارًا باعتماد سفير روسيا في مصر بصفته مفوضًا مخولًا لدى جامعة الدول العربية.
وفي أبريل عام 2007، قام وزير الصناعة والطاقة الروسي فيكتور خريستينكو بزيارة القاهرة، وتم توقيع مذكرة التفاهم في مجال إنشاء منطقة صناعية خاصة يسهم فيها الرأسمال الروسي، فيما أصبح التعاون في ميدان الطاقة الموضوع الرئيسي للمباحثات التي جرت في موسكو مارس 2008 بين الرئيسين دميتري ميدفيديف وحسني مبارك، وأسفرت عن توقيع اتفاقية حول التعاون في ميدان الاستخدام السلمي للطاقة الذرية.
وفي عام 2009، وُقعت مذكرة تفاهم بين وزارتي الثروات الطبيعية في البلدين، للتعاون في مجال التلفزة واتفاقية التعاون في الرقابة على المخدرات وغيرها، كما وقع رئيسا روسيا ومصر معاهدة الشراكة الاستراتيجية بين البلدين، ورسمت هذه الوثيقة المؤلفة من 300 صفحة اتجاهات التعاون بين البلدين خلال عشر سنوات قادمة، بالإضافة إلى توقيع مذكرة التفاهم بين وزارتي العدل في الدولتين، وأخرى بين وكالة الارشيف الفيدرالية الروسية والمكتبة الوطنية المصرية وأرشيف مصر.
اقتصاديًا، تقلصت نسب التبادل التجاري بين البلدين خلال فترة التسعينات، لكنه في أعقاب تلك الفترة بدت العلاقات الاقتصادية بين البلدين في اطراد مستمر، لاسيما خلال السنوات الأخيرة، حيث بلغ حجم تبادل السلع والخدمات بين البلدين في عام 2006 حوالي مليار و950 مليون دولار، يشكل التبادل التجاري منه قرابة المليار و200 مليون دولار، وارتفع حجم التبادل السلعي بين البلدين عام 2008 ليبلغ 2.065 مليار دولار.
فيما بلغ حجم التبادل التجارى بين البلدين 3.5 مليار دولارعام 2016، ليرتفع 14% عن العام الذي سبقه، وسط توقعات بارتفاع هذا الرقم ليصل لنحو 4 مليارات دولار بانتهاء عام 2017، حسبما ذكرت وكالة سبوتنيك الروسية، التي أشارت في تقرير لها، أن روسيا تعد واحدة من أكبر الشركاء التجاريين لمصر بين الدول الأعضاء فى الاتحاد الاقتصادى الأورواسى، لاسيما أن روسيا لديها حصة 97% من مبيعات التصدير لمصر، و94% من حصة الاستيراد من مصر، فضلًا عن استثمار الشركات الروسية 1.5 مليار دولار فى تطوير قطاع الغاز والنفط فى مصر عامي 2015-2016.
وفي العام 2015، وقعت مصر وروسيا على اتفاق لإنشاء أول محطة نووية لإنتاج الكهرباء في الضبعة، لتلبية الاحتياجات المتزايدة على الطاقة في مصر، كما تم توقيع اتفاقية أخرى تحصل بموجبها مصر على قرض روسي لتمويل إنشاء هذه المحطة بقيمة 25 مليار دولار.
ويبدو أن عمق العلاقات المصرية الروسية، ليس قائمًا فقط على صعيد العلاقات الرسمية والتمثيل الدبلوماسي فقط، بل إن هناك قبولًا شعبويًا فيما بدا بأحد استطلاعات الرأي الروسية التي أجريت مؤخرًا حول: ما هو الشعب الأكثر قبولًا واحترامًا للشخص الروسي، وكانت مصر في المرتبة الأولى في نتائج الاستطلاع، لتظهر الصداقة بين المجتمعين المصري والروسى.