88 عاما هي عمر العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإثيوبيا، كان دعم المصالح المشتركة من أهم السمات المميزة لها، ورغم وجود خلافات حالية بشأن استكمال بناء سد النهضة، إلا أن الرغبة فى الحوار وتحقيق التكامل بين البلدين لا تزال تسيطر على الأجواء.
وبالتزامن مع زيارة هيلى مريام ديسالين، رئيس وزراء إثيوبيا الحالية لمصر .. نستعرض تاريخ العلاقات الثنائية على كافة المستويات والعثرات التى مرت بها.
تاريخ العلاقات السياسية والدبلوماسية
قبل أكثر من ثمانية عقود، بدأت العلاقات الدبلوماسية بين مصر وإثيوبيا فى عام 1930، وفى عهد الرئيس الراحل جمال عبد الناصر، طالبت حركة تحرير إريتريا الاستقلال عن إثيوبيا، وكان موقف مصر فى تلك الفترة هو احترام وتأييد قرار الأمم المتحدة الصادر فى ديسمبر 1950 والخاص بضم إريتريا إلى إثيوبيا فى اتحاد فيدرالى، ولأن عبد الناصر كان يعى جيدا أهمية إفريقيا، فكانت العلاقات المصرية الإثيوبية فى أوج قمتها فى عهد عبد الناصر والإمبراطور الإثيوبى هيلا سلاسى، حيث كان يدرك أهمية منابع مياه النيل لمصر.
ومنذ بدء العلاقات بين البلدين وقعت مصر وإثيوبيا أكثر من 30 مذكرة تفاهم واتفاقية ، وتأتي أبرز الاتفاقيات في تسيير خطوط جوية منتظمة عام 1952، واتفاق التجارة عام 1959، اتفاق التعاون الاقتصادى والعلمى والثقافي والفنى عام 1976، واتفاق بين البنك المركزى المصري والبنك الأهلى الإثيوبى عام 1976، ومعاهدة لتسوية المنازعات عام 1986، بالإضافة إلى عشرات من اتفاقيات التعاون في مجالات الثقافة والفنون والتعليم والصحة والسياحة بين البلدين.
وبعد عقد من الجمود في العلاقات منذ 1995 بعد محاولة اغتيال الرئيس الأسبق حسني مبارك في أديس أبابا،، بدأت الدولتان في 2005 مباحثات لتعزيز العلاقات الثنائية فى المجالات الاقتصادية والتجارية وتنمية الموارد المائية وتشجيع المشروعات الاستثمارية المشتركة، وفى يوليو 2006 تم توقيع اتفاقيات وبروتوكولات بين البلدين فى مجالات حماية الاستثمارات والشئون الاجتماعية والإعلام والسياحة.
بداية توتر العلاقات بين مصر وإثيوبيا منذ عهد السادات
ظهر التوتر فى العلاقات المصرية الإثيوبية في سبعينيات القرن الماضي بسبب إريتريا، بعد دعم الخرطوم لحركة تحرير إريتريا، ومساندة إثيوبيا لحركات تحرير جنوب السودان، وأعلن الرئيس الراحل محمد أنور السادات وقوفه إلى جانب السودان ما كان له التأثير السلبى على العلاقات المصرية الإثيوبية.
وبدأ ملف المياه يدخل دائرة التوترات بين القاهرة وأديس أبابا بعد إعلان السادات فى 1979، مد مياه النيل لرى 35 ألف فدان فى سيناء، وأعلنت إثيوبيا وقتها أن هذا المشروع ضد مصالحها، وتقدمت بشكوى إلى منظمة الوحدة الإفريقية تتهم فيها مصر بإساءة استخدام مياه النيل.
تصاعدت الأمور بتهديد الرئيس الإثيوبى “منجستو” بإمكان تحويل مجرى نهر النيل، ومن جانبه وجه الرئيس السادات خطابا حاد اللهجة إلى إثيوبيا، وأعلن أن مياه النيل خط أحمر مرتبط بالأمن القومى المصرى.
جاء عصر الرئيس السابق محمد حسنى مبارك، ليشهد بداية مرحلة جديدة من العلاقات، وخفت حدة توتر الخطاب السياسى بين البلدين، وبدأت تحل محلها انفراجة فى العلاقات المصرية الإثيوبية فى صيغة التعاون والتفاهم فى مختلف المجالات، ثم توقفت أعمال المجلس المصرى الإثيوبى 17 عاما كاملة، بعد محاولة اغتيال مبارك فى أديس أبابا عام 1995.
عقب ثورة 25 يناير 2011، أخذت العلاقات بين مصر وإثيوبيا محورًا مختلفًا، بعد شروع إثيوبيا في بناء سد النهضة، وعرض الاتفاقية الإطارية بين دول حوض النيل” اتفاقية عنتيبي”- التي تعترض عليها مصر والسودان- على البرلمان الإثيوبي لإقرارها.
أسس جديدة للعلاقات الثنائية بين البلدين
فى عهد الرئيس عبد الفتاح السيسى، تسعى مصر لتحويل العلاقات المصرية الإثيوبية إلى علاقات تعاون وتكامل، بعد أن تجمدت لسنوات فى إطار الصراع والتشاحن، وذلك على خلفية أزمة “سد النهضة” وسعي أديس أبابا لإنشاء سدود آخرى.
وضمن مساعي مصر لتعزيز التعاون في كافة المجالات السياسية والاقتصادية والصحية والعسكرية، صدر بيان مشترك بين البلدين في 2014 وضع إطارا للتعاون المشترك يقوم على احترام مبادئ الحوار والتعاون كأساس لتحقيق المكاسب المشتركة وتجنب الإضرار ببعضهم البعض، أولوية إقامة مشروعات إقليمية لتنمية الموارد المالية لسد الطلب المتزايد على المياه ومواجهة نقص المياه، احترام مبادئ القانون الدولى، الاستئناف الفورى لعمل اللجنة الثلاثية حول سد النهضة بهدف تنفيذ توصيات لجنة الخبراء الدولية واحترام نتائج الدراسات المزمع إجراؤها خلال مختلف مراحل مشروع السد، تلتزم الحكومة الإثيوبية بتجنب أى ضرر محتمل من سد النهضة على استخدامات مصر من المياه، تلتزم الحكومة المصرية بالحوار البناء مع إثيوبيا، والذى يأخذ احتياجاتها التنموية وتطلعات شعب إثيوبيا بعين الاعتبار، الدولتان تلتزمان بالعمل فى إطار اللجنة الثلاثية بحسن النية وفى إطار التوافق.
اتفاق إعلان المبادىء
وفي مارس 2015، وقعت مصر وإثيوبيا والسودان اتفاق إعلان المبادئ في الخرطوم تقديراً للاحتياج لمواردهم المائية العابرة للحدود وإدراكا لأهمية نهر النيل كمصدر الحياة ومصدر حيوى لتنمية شعوب مصر وإثيوبيا والسودان. وتضمن 10 بنود وهم: التعاون، التنمية والتكامل الإقليمى والاستدامة، عدم التسبب فى ضرر ذى شأن، الاستخدام المنصف والمناسب، التعاون فى الملء الأول وإدارة السد، بناء الثقة، تبادل المعلومات والبيانات، أمان السد، السيادة ووحدة إقليم الدولة، التسوية السلمية للمنازعات.
العلاقات الاقتصادية
يبلغ إجمالى االمشروعات المصرية التي حصلت على تصاريح حكومية فى إثيوبيا منذ عام 1992 حتي الآن، 58 مشروعا، وتتمثل أبرز المشروعات المصرية في مشروعات لصناعة كابلات الكهرباء وصناعة محركات الرى مواسير المياه. ويبلغ حجم التبادل التجاري بين مصر وإثيوبيا نحو المليار دولار سنويا في المتوسط.
وارتفعت الصادرات الإثيوبية لمصر، إلى نحو ٤٠٠ مليون دولار، وفقًا لرئيس غرفة التجارة بإثيوبيا سولومون إفيورك. وتتمثل أبرز الصادرات الإثيوبية إلى مصر في اللحوم الإثيوبية المبردة، إضافة إلى استيراد الأبقار الحية.
علاقات ثقافية ودينية عريقة
الخلفية التاريخية الدينية المشتركة تعد نموذجا للروابط التي تجمع بين مصر وإثيوبيا، والتي تعود إلى أكثر من ١٠٠٠ عام، وهناك تراث روحي يتمثل في جانبه المسيحي بعلاقة الكنيستين المصرية والإثيوبية، كما يتمثل في جانبه الإسلامي منذ القدم حين استقبلت الحبشة المهاجرين الأوائل في عهد الرسول محمد صلي الله عليه وسلم، وهناك أيضًا علاقات دينية قوية بين كنيسة الإسكندرية المصرية وكنيسة أثيوبيا منذ اعتنقت إثيوبيا المسيحية، وكان الأساقفة يأتون من إثيوبيا ويرسّمون من كنيسة الإسكندرية حتى بداية ستينيات القرن العشرين.
وتعد الزيارة الأخيرة للأنبا متياس الأول بطريرك أثيوبيا إلى مصر فى يناير 2015 هي الزيارة الأولى التي يقوم بها بطريرك إثيوبيا خارج بلاده، منذ جلوسه على كرسي الكنيسة في مارس 2013، حيث تعتبر هذه الزيارة أحد أهم الخطوات في تقوية العلاقات بين الكنيسة المصرية والإثيوبية.