أنهت مصر استعداداتها للمشاركة في القمة الأفريقية المقبلة المقرر عقدها يومى العاشر والحادى عشر من فبراير الجاري بالعاصمة الاثيوبية أديس أبابا والتى يرى المراقبون السياسيون فى عواصم القارة أنها ستشكل منعطفا تاريخيا بالغ الأهمية ليس فقط على صعيد تعزيز العلاقات المصرية الأفريقية ولكن أيضا على صعيد مسيرة التكامل والاندماج الأفريقي مع تولى الرئيس عبد الفتاح السيسى رئاسة الاتحاد الأفريقي لعام ٢٠١٩ .
ويؤكد المراقبون السياسيون الأفارقة مدى أهمية قيادة الرئيس عبد الفتاح السيسى للاتحاد بكل اذرعه والياته السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية والتنموية بوصفه المحفل الرسمي الأفريقي الأهم إقليميا ودوليا فى ظل إدراكهم لعزيمته السياسية الصادقة ومن ورائه الألة الدبلوماسية المصرية العتيدة فى نشر وإعادة الاستقرار لربوع القارة السمراء والدفاع عن مصالح دول القارة فى مواجهة التحديات المتعاظمة والتعبير بشكل واقعى وفق خطط وبرامج وخطوات ملموسة عن طموحات شعوبها .
هذه الثقة الأفريقية سواء على المستوى الثنائى أو متعدد الأطراف فى مصداقية وكفاءة الدور المصرى فى الدفاع عن المصالح والطموحات الأفريقية المشروعة والمتعاظمة – فى ظل ما تملكه دول القارة من موارد بشرية وطبيعية هائلة – لم تأت فقط استنادا لتاريخ حافل بنقاط الدعم والتعاون المضيئة وإنما عززه كذلك ما شهدته السنوات الأخيرة ومع وصول الرئيس السيسى الى دفة الحكم من حرص على تطوير التعاون مع الأشقاء الأفارقة واستعادة الدور المصري الرائد في أفريقيا في إطار الاستراتيجية التي تتبناها الحكومة نحو الانخراط الكامل والتعاون مع الدول الأفريقية، وذلك لما تمثله العلاقات المصرية الأفريقية من أهمية للأمن القومي المصري.
ولم يكن مفاجئا او من قبيل المصادفة ان تحتل الدائرة الأفريقية أولوية بارزة ضمن أولويات سياسة مصر الخارجية فيما تمضى سفينة الدبلوماسية المصرية بثبات – فى ظل مناخ دولى وإقليمي مضطرب – من أجل استكمال مسيرتها في الدفاع عن المصالح الوطنية المصرية في الخارج من خلال عملية مراجعة دقيقة لجهودها وخطط العمل والأهداف التي سعت لتحقيقها على مدار العام المنصرم، وتحديد الأهداف التي تحرص على تحقيقها خلال العام الجاري .
وتستند الدبلوماسية المصرية فى ثبات خطواتها لرؤية واستراتيجية شاملة تضع ملامحها الحكومة وتقرها القيادة السياسية لكافة أجهزة ومؤسسات الدولة.
وتأتى رئاسة مصر للاتحاد الأفريقي لعام ٢٠١٩ الجاري تتويجا لجهود مكثفة واتصالا وتحركات مصرية منسقة على مدار العام الماضي تتفيذا لتوجيهات القيادة السياسية المصرية .
فعلى الصعيد الثنائى حرصت وزارة الخارجية على تعزيز العلاقات الثنائية بين مصر وكافة الدول الأفريقية، خاصة دول حوض النيل ومنطقة القرن الأفريقي. كما تتابع عن كثب كافة التطورات بالقارة الأفريقية، وكذا دراسة تداعياتها على الأمن القومي المصري والمصالح المصرية بصفة عامة.
كما قامت وزارة الخارجية بالإعداد لمشاركات رئيس الجمهورية في الفعاليات الدولية والقارية، ومقابلات سيادته الثنائية مع القادة والزعماء الأفارقة، وأبرزها زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي للقاهرة، وزيارة الرئيس السيسي إلى كل من تشاد والجابون، ومقابلات الرئيس مع العديد من القادة والزعماء على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، ومنتدى الصين أفريقيا.
وقامت الوزارة بالتحضير لمشاركات الوزير سامح شكري في الفعاليات الأفريقية والدولية خلال العام، وكذا زياراته للعديد من الدول الأفريقية وأبرزها زياراته لكل من إثيوبيا وإريتريا وبوروندي، مما كان له أثر كبير فى دفع العلاقات المصرية مع تلك الدول خاصة في ظل تطورات الأوضاع في المنطقة، وما تمثله من أثر على الأمن القومي المصري.
وشهد العام الماضى العديد من الزيارات والمشاركات مع الدول الأفريقية على المستويين الوزاري والرسمي بالتعاون والتنسيق بين وزارة الخارجية والجهات الوطنية المعنية، بهدف تعزيز وتنويع مجالات التعاون مع الدول الأفريقية مما أسهم بشكل رئيسي في تعزيز آفاق التعاون مع الدول الأفريقية في شتى المجالات، وتوجت تلك الزيارات بالتوقيع على عدد من مذكرات التفاهم والاتفاقيات الثنائية بين مصر والدول الأفريقية محل الاهتمام.
وفيما يتعلق بملف مياه النيل والأمن المائي المصري، تعكف وزارة الخارجية على متابعة ملف سد النهضة، والمشاركة في اجتماعات المجموعة الفنية المستقلة المعنية بالسد، بالإضافة إلى المشاركة في اللجنة الوطنية الثلاثية المعنية بمتابعة الدراسات الفنية الخاصة بالسد. كما تشارك في المنتديات التي تتناول موضوعات المياه على المستويات الأوروبية والعربية والأفريقية.
وفى إطار حرص السياسة الخارجية المصرية على تعزيز التبادل التجاري مع الدول الأفريقية، وتشجيع رجال الأعمال والقطاع الخاص على الاستفادة من الفرص التجارية والاستثمارية المتاحة فى أفريقيا، فقد قامت وزارة الخارجية بالتنسيق مع وزارة التجارة والصناعة بالتواصل مع ودعم العديد من رجال الأعمال المصريين والتعريف بالفرص الواعدة للتجارة مع الدول الأفريقية.
وفى إطار دور مصر الريادي في إطار المنظمات والتجمعات الأفريقية ..توجت جهود وزارة الخارجية لاستعادة الدور المصري الرائد في أفريقيا باختيار مصر من قبل الأشقاء الأفارقة لتولي رئاسة الاتحاد الأفريقي خلال عام 2019، وهو القرار الذي تم اعتماده في قمة الاتحاد الأفريقي في يناير 2018، حيث استكملت الوزارة الإعداد والتحضير لرئاسة مصر للاتحاد بالتنسيق مع الجهات الوطنية المعنية.
وحرصت مصر قبيل توليها رئاسة الاتحاد على استضافة العديد من الفعاليات الأفريقية مثل خلوة مجلس السلم والأمن الأفريقي خلال الفترة من 29 إلى 31 أكتوبر الماضي بالقاهرة، وخروج نتائجها على النحو الذي يعكس أهمية تفعيل بنية السلم والأمن الأفريقية وتعزيز الدبلوماسية الوقائية.
ونجحت مصر في استضافة مقر مركز الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات AUC-PCRD، كما ساهمت وزارة الخارجية في عقد ورشة عمل يومي ١٥ و١٦ أكتوبر الماضي تحت عنوان “تفعيل سياسة الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية بعد النزاعات في منطقة الساحل: تحديد الخطوات المستقبلية”، بهدف إعادة إحياء وتفعيل سياسة الاتحاد الأفريقي لإعادة الإعمار والتنمية، والمساهمة الموضوعية في تحديد مجالات عمل وأنشطة المركز، فضلا عن ربط هذه الأنشطة بعملية المراجعة الشاملة لهيكل الأمم المتحدة لبناء السلام المقررة في ٢٠٢٠.
وقامت وزارة الخارجية بالتعاون مع وزارة التعليم العالى والبحث العلمى بالإعداد لملف استضافة مصر لمقر وكالة الفضاء الأفريقية.
وحرصت مصر على أن تكون في طليعة الدول الموقعة على الاتفاقية المنشئة لمنطقة التجارة الحرة الأفريقية القارية في القمة الاستثنائية للاتحاد الأفريقي في مارس الماضى، وجاري العمل على التصديق عليها في أقرب فرصة ممكنة.
وشاركت وزارة الخارجية في الإعداد لمنتدى الاستثمار في أفريقيا يومي 8 و9 ديسمبر الماضي بشرم الشيخ، حيث استهدف المنتدى توفير منصة لرؤساء الدول والحكومات، وكذلك قادة القطاع الخاص ورجال الأعمال في أفريقيا والعالم من أجل مناقشة مجموعة واسعة من قضايا الأعمال والتنمية في القارة والتعامل مع بعض أهم الشركاء الاقتصاديين وأصحاب المصلحة في أفريقيا.
كما شاركت مصر بفاعلية فى قمة الإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد الأفريقي في نوفمبر الماضي، وقمة الكوميسا العشرين خلال يومي 18 و19 يوليو في لوساكا، وقمة منتدى التعاون الصين – أفريقيا خلال يومي 3 و4 سبتمبر الماضى في بكين، والاجتماع الوزارى لمؤتمر طوكيو الدولي للتنمية في أفريقيا “التيكاد” يومي 6 و7 أكتوبر 2018، بالإضافة إلى استضافة كل من المؤتمر السابع لوزراء التجارة الأفارقة بالقاهرة والمعرض الأول للتجارة البينية الافريقية خلال الفترة من 11 إلى 17 ديسمبر الماضى.
وتواصل مصر – من خلال الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية – دعم الاشقاء الافارقة حيث نظمت الوكالة العام الماضى (54) دورة تدريبية، شارك بها (1805) متدرباً من (44) دولة افريقية في مختلف المجالات.
كما نظمت ست دورات بالتعاون مع وكالة اليابان للتعاون الدولي (JICA) في مجالات إدارة الأعمال، والصحة، والزراعة والتنمية والاستزراع السمكي شارك بها (92) متدرباً، وتم تنفيذ ثلاث دورات تدريبية بالتعاون مع منظمة الأمم المتحدة للأغذية والزراعة (الفاو) في السودان وكينيا وتنزانيا، في مجالات الزراعة والاستزراع السمكي بمشاركة 45 متدرباً.
وامتد الدعم المصرى للأشقاء الافارقة الى المجال الصحى عبر مساعدات طبية ملموسة للدول الأفريقية ، تم فى هذا الإطار إنشاء أقسام طبية مصرية بكل من جنوب السودان وإريتريا وبوروندي، وإرسال وفود طبية مصرية لتركيب المعدات وتدريب الطواقم الطبية لتشغيلها، كما تم تسيير قافلتين طبيتين إلى وادي حلفا بالسودان وجوبا.
وفيما يتعلق بالمنح والمساعدات، فقد قدمت الوكالة المصرية للشراكة من أجل التنمية عشرين معونة إنسانية ولوجستية إلى (11) دولة أفريقية.وأشرفت الوكالة على تمويل وتنفيذ عدد من المشروعات التنموية في دول حوض النيل هى ثلاثة مشروعات لإنشاء محطات توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية في إريتريا؛ مشروع إنشاء محطة توليد الطاقة الكهربائية باستخدام الطاقة الشمسية بأوغندا؛ مشروع إنشاء ورشة لإصلاح المحولات الكهربائية ببوروندي؛ مشروع إنشاء خمس سدود حصاد مياه أمطار بأوغندا؛ مشروع تجهيز وحدتين طبيتين للعيون والأسنان بإحدى المستشفيات الإريترية؛ وتقديم 6 وحدات غسيل كلوى لجنوب السودان.
وادراكا لأهمية الحفاظ على قوة الزخم المصري الأفريقي والذى ظهر جليا العام الماضي فقد أعلنت وزارة الخارجية أن الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي لعام ٢٠١٩ والتي يتسلمها الرئيس عبد الفتاح السيسى فى العاشر من الشهر الجارى تعتزم التركيز على عدد من الأولويات الرئيسية التي تنطلق من أجندة عمل الاتحاد الأفريقي وأولويات العمل المتفق عليها بالفعل فى اطار الاتحاد ومن أهمها أجندة ٢٠٦٣.
وأكدت مصر فى هذا الإطار استعدادها لتسخير كافة إمكاناتها وخبراتها لدفع عجلة العمل الأفريقي المشترك لأفاق ارحب فى ضوء حرصها على تحقيق مردود ملموس من واقع الاحتياجات الفعلية للدول والشعوب الأفريقية.
ووضعت مصر فى هذا الإطار حزمة من الأولويات فى العديد من المجالات ومن بينها “السلم والأمن” وتعزيز التعاون القاري لدحر الإرهاب وتجفيف منابع التطرف الفكري ودفع الجهود المبذولة لمنع النزاعات والوقاية منها والوساطة فى النزاعات ، بالإضافة الى إطلاق منتدى رفيع المستوى “منتدى أسوان للسلام والتنمية المستدامة”.
وتركز أولويات الرئاسة المصرية للاتحاد الأفريقي كذلك على محور التنمية الاقتصادية والاجتماعية والتكامل الاقتصادي والاندماج الإقليمي وتعزيز التعاون بين الاتحاد الأفريقي وشركاء التنمية والسلام الدوليين والإقليميين والمحليين ومواصلة عملية الإصلاح المؤسسي والمالي للاتحاد ومد جسور التواصل الثقافي والحضاري من خلال دعم الفعاليات الثقافية والتوسع فيها والتبادل الثقافي وتطوير منظومة الرياضة الأفريقية.
وتتطلع مصر مثلما يتطلع أشقاؤها الأفارقة لأن يكون عام ٢٠١٩ – فى ظل رئاسة مصر للاتحاد الافريقى – رصيدا إيجابيا جديدا يضاف لرصيد تاريخي حافل بنقاط مضيئة من التعاون والنضال المشترك تكتب معه القارة السمراء صفحة جديدة مفعمة بالأمل نحو مستقبل أكثر رحابة لشعوبها .
المصدر : أ ش أ