مع انطلاق العرس الكروي الافريقي مساء أمس الجمعة في احتفالية مبهرة بإستاد القاهرة الدولي ، تكتب البطولة الثانية والثلاثون لكأس الأمم الافريقية التي تستمر على أرض مصر الخالدة حتى التاسع عشر من شهر يوليو المقبل صفحة جديدة مبهجة في “ثقافة الساحرة المستديرة واللعبة الأكثر شعبية في العالم”.
وهذه البطولة الكبيرة تعيد للأذهان العلاقة الوثيقة والطريفة أحيانا بين المثقفين واللعبة الجميلة التي تعد اللعبة الشعبية الأولى في مصر وقارتها الافريقية والعالم ككل فيما تتحدث افريقيا كلها الآن بأبجدية كرة القدم وتتنفس بهواء الساحرة المستديرة مع انطلاق النسخة الثانية والثلاثين لبطولة كأس الأمم الافريقية.
انه عيد أعياد الساحرة الأفريقية المستديرة وسط اتفاق عام بين الكتاب حول العالم على أن كرة القدم تعني في المقام الأول “البهجة” التي تمنحها الجماهير للملاعب وهي حقيقة تؤكد عليها كتب صدرت في الآونة الأخيرة مثل كتاب “تحت جلد الكرة الحديثة” لمايكل كيفن بينما يرى الكاتب ويل هوتون وهو اصلا كاتب متخصص في قضايا الاقتصاد ان تشجيع فريق لكرة القدم هو جزء من فكرة “نحن” اي “الهوية الجمعية الراسخة في المكان والتاريخ والثقافة.
وهكذا يقول الكاتب والناقد الرياضي الكبير حسن المستكاوي:”هذه بطولتنا..بطولة كل المصريين وواجبنا ان نعرض صورة حضارية ممزوجة بالبهجة والسعادة” فيما اعتبر ان الأحداث الرياضية الكبرى “مباراة حضارية ورياضية وسياسية واقتصادية واجتماعية وثقافية وفنية”.
وباتت القصص الإنسانية في “عالم الساحرة المستديرة” ملهمة لكتب جديدة مثل ذلك الكتاب الذي صدر بالانجليزية بعنوان :” تحت جلد اللعبة الحديثة” ويتناول فيه الكاتب الرياضي البريطاني مايكل كالفين “ماوراء اللعبة الأكثر شعبية في العالم” ومختلف الجوانب الإنسانية للساحرة المستديرة وهي في منظوره القصة الكبيرة والحقيقية للعبة ككل سواء على مستوى المباريات في المسابقات المحلية او المنافسات القارية والبطولات الدولية.
وقد اجرى مؤلف الكتاب مقابلات امتدت لمئات الساعات مع شخصيات كروية حول العالم من الفرنسي ارسين فينجر المدير الفني السابق لفريق الأرسنال الإنجليزي الى ستيفن جيرارد قائد فريق ليفربول السابق والمدير الفني “لأكاديمية الريدز”وعبر هذه المقابلات تتأكد بالفعل مقولة ان “كرة القدم هي لعبة حياتنا” بالقيم والأمل وبالبهجة كما تجلى في افتتاح البطولة الثانية والثلاثين لكأس أمم افريقيا.
وإذ يؤكد مدير بطولة كأس الأمم الافريقية في نسختها الثانية والثلاثين محمد فضل ان البطولة الحالية التي تستضيفها مصر للمرة الخامسة في تاريخها ستحقق أعلى نسبة عوائد قياسا على البطولات السابقة فان مايكل كيفن يؤكد في كتابه الجديد :”تحت جلد الكرة الحديثة” أن الكرة الحديثة أو الجديدة تحولت الى صناعة عملاقة في العالم.
فالبطولة الحالية لكأس الأمم الأفريقية تأتي في سياق ومشهد كروي عالمي يقول عنه ناقد كروي بارز مثل البريطاني جوناثان ويلسون انه حافل بمتغيرات في اقتصاديات اللعبة كما هو حافل بالتطورات في تكتيكات الساحرة المستديرة.
وهذه التكتيكات وافانين اللعبة الجميلة على المستطيل الأخضر تأخذ بألباب الكثير من المثقفين في أفريقيا وحول العالم ككل وفى كينيا على سبيل المثال لم يخف مثقف افريقي لامع وكاتب من اصحاب الاقلام المبدعة هو “اودور اونجوين” ولعه بكرة القدم رغم أنه تخصص فى الاقتصاد ويعد من الخبراء الذين يشار لهم بالبنان فى هذا المجال.
ومن الطبيعي ان يتابع هذا المثقف الكيني الكبير والمولع بالساحرة المستديرة منتخب بلاده في البطولة الحالية لكأس الأمم الأفريقية حيث يتنافس منتخب كينيا في المجموعة الثالثة مع منتخبات الجزائر والسنغال وتنزانيا.
ومن طرائف كتاباته انه اعترف بأنه يتعرض فى البطولات الكروية الكبرى لحالة من التمزق بين قلبه وعقله او بين ميوله الرياضية وشغفه “بالساحرة المستديرة” وبين تخصصه فى الاقتصاد حيث يتفرغ لمتابعة مباريات المنتخبات الافريقية في البطولات الكبرى.
وعلى ايقاع العرس الكروي الافريقي الحالي وما يثيره هذا الحدث الكبير على أرض مصر من ذكريات مبهجة للعلاقة بين مبدعين كبار في الأدب وبين الساحرة المستديرة لن يغيب ابدا وجه وابداع النوبلي المصري نجيب محفوظ الذي كان عاشقا كبيرا للعبة الجميلة.
وللساحرة المستديرة ان تزهو بأن نجيب محفوظ الذي كان ضمن أحلامه في أيام الصبا أن يصبح لاعب كرة استمر على عشقه للعبة الجميلة حتى في أعماله الإبداعية الأخيرة قبيل رحيله عن الحياة الدنيا في الثلاثين من أغسطس عام 2006 وهو ما يتجلى في “أحلام فترة النقاهة”.
ففي الحلم رقم 271 في “أحلام فترة النقاهة” يقول نجيب محفوظ:”رأيتني لاعب كرة في المنتخب رغم حداثة سني وضآلة حجمي ولكن سرعان ما جذبت الأنظار لمهارتي في المحاورة واصابة الهدف ، فراح المشاهدون يحرضون أبطالهم على كسري للتخلص مني ووجدتني محاصرا وإذا بالكرة تأخذني وتصعد بي حتى ذهلت جميع الأعين وهي تتابعني..ومازالت الكرة تصعد بي حتى توارت بين السحب”!.
ومع انطلاق العرس الكروي الافريقي ومبارياته على الملاعب المصرية تتحقق من جديد مقولة الكاتب الأمريكي بريان كورتز فى مقال بعنوان “المثقف والكرة” تناول فيه ما يحدث في البطولات الكروية الكبرى عندما يتوحد البشر مع المباريات الحافلة بالتشويق وهم يرددون بحماس الهتافات المبهجة.
وعلى نحو يعيد للأذهان علاقة عشق لكتاب كبار وسادة ابداع الكلمة لكرة القدم ومن بينهم فى مصر اديب نوبل نجيب محفوظ والعلامة والمحقق اللغوي الكبير محمد محمود شاكر يؤكد كاتب الأورجواى الشهير ادواردو جاليانو هذه العلاقة بين ابداع القلم والابداع على المستطيل الأخضر!.
واذا كان أديب نوبل المصرى وهرم الرواية العربية نجيب محفوظ قد أشار مرارا فى كتاباته وأحاديثه وحوارات أجريت معه لعشقه لكرة القدم واجادته لمهارات الساحرة المستديرة وانخراطه كلاعب فى مبارياتها ايام الصبا وباكورة شبابه قبل ان يكرس حياته للابداع بالكلمة ، فإن العلامة والمحقق المصرى الراحل محمد محمود شاكر عرف أيضا بحبه لكرة القدم وهو ما ينطبق على ثلة من المبدعين بالكلمة من بينهم سيد الابداع فى الأورجواى ادواردو جاليانو وصاحب الكتاب الشهير “كرة القدم في الظل والشمس”.
والذاكرة الثقافية المصرية لن تنسى تآملات كروية للكاتب والأديب الراحل إبراهيم أصلان توميء للعلاقة بين الأدب والساحرة المستديرة بقدر ما تكشف عن عشق هذا الراحل العظيم للعبة الجميلة وهو الذي كتب من قبل عن أهمية “الايقاع الصحيح على المستطيل الأخضر وخارجه” وقال ان “الايقاع الصحيح هو ملمح الشخصية المتكاملة على مستوى الأفراد والفرق والمجتمع كله”.
وصاحب “مالك الحزين” و”بحيرة المساء” و”عصافير النيل” و”خلوة الغلبان” الذي قضى في السابع من يناير عام 2012 هو الذي قال في سياق تأملاته الكروية: “المرء يعرف بايقاعه حتى ليمكن القول إنك ان لم تمتلك ايقاعك الشخصي فأنت لا تمتلك شيئا”.
وإذا كان الناقد الكروي الإنجليزي جوناثان ويلسون قال إن كرة القدم ببساطة هي “لعبة صراع يتنافس فيها فريقان على الكرة للاستحواذ وتسجيل هدف في مرمى الفريق المنافس” ويوضح ان الفارق يكمن في الطرق المختلفة للفرق لتحقيق هذا الهدف وفي تلك الطرق المختلفة تتجلى عوامل القوة الشاملة والقدرات الكلية والسرعات والايقاعات والمهارات والخطط الفنية على المستطيل الأخضر وهي عوامل متصلة أيضا بشخصية كل فريق وفلسفة مديره الفني فإن بعض كبار المدربين لفرق كروية شهيرة عرفوا بأنهم “أصحاب رؤى وفلسفات كروية”.
وهذا ما يتجلى بوضوح في حالة الأسباني بيب جوارديولا المدير الفني الحالي لفريق مانشستر سيتي الإنجليزي الذي توج للعام الثاني على التوالي ببطولة الدوري الإنجليزي الممتاز ويوصف هذا المدرب الكروي الكبير” بالفيلسوف الذي يعرف كيف يبني الفرق الكبيرة” وقيل عنه أيضا انه “المدرب الذي يمتلك الكيمياء القادرة على تحويل التراب الى ذهب”.
ولعل العرس الكروي الافريقي الذي انطلق مساء امس يلهم المبدعين في الأدب وحقول الثقافة ككل بمزيد من الإبداعات التي تشكل قيمة مضافة لثقافة الساحرة المستديرة العالمية في وقت تتوالى فيه كتب تسعى لتوصيف وتشخيص حالة اللعبة الأكثر شعبية في العالم مثل ذلك الكتاب الجديد الذي أصدره فيلسوف بريطاني يهوى الكتابة عن الساحرة المستديرة وهو ستيفن مومفورد أستاذ الميتافيزيقا في جامعة دورهام.
وفي هذا الكتاب الجديد الذي صدر بعنوان:”كرة القدم: الفلسفة وراء اللعبة” تتجلى الإمكانات والقدرات الثقافية المتعددة لستيفن مومفورد كفيلسوف وقاص وعاشق متيم باللعبة الجميلة ويطرح رؤى كروية جديرة بالتأمل من بينها ان “الفرق الكبيرة اكبر من أي لاعب بل واكبر من محصلة مجموع لاعبيها الفرادى” ليوميء للتاريخ والشخصية والتراث والإنجازات في كتاب يكاد ان يكون رسالة حب للعبة الجميلة.
ومن المبدعين “الذين وقعوا في هوى الساحرة المستديرة” الشاعر الفلسطيني الراحل محمود درويش الذي قضى في التاسع من أغسطس عام 2008 وكان يعتبر ان هذه اللعبة العالمية هي الأكثر عدالة في هذا العالم ومازال الكثير من قراء هذا الشاعر الكبير يستعيدون كتابات له تدخل في “أدب كرة القدم” مثل تأملاته عن اسطورة الكرة الأرجنتينية مارادونا.
ولن يكون من الغريب ان تظهر ابداعات أدبية وتتوالى كتابات ثقافية حول هذه اللعبة الجميلة في سياق البطولة الحالية لكأس الأمم الافريقية التي يشارك فيها لأول مرة 24 منتخبا كرويا افريقيا وهي بطولة باتت واحدة من اهم البطولات الكروية في العالم خاصة مع وجود الكثير من النجوم الأفارقة في فرق اندية أوروبية شهيرة.
وإذ يعتبر الكاتب والناقد الرياضي حسن المستكاوي ان كرة القدم “اهم واقوى قوة ناعمة” في الكوكب الأرضي الآن ، فإنه يلفت الى ان كل بطولة “تعكس حالة من البهجة والروح والفنون من الرسوم الى الموسيقى” ومنوها في سياق البطولة الحالية لكأس أمم افريقيا “بأعمال فنية جميلة لعشرات المبدعين من الشباب الذين مزجوا بين الحضارة المصرية القديمة والثقافة الافريقية”.
ومع وجود مشجعين لمنتخبات في هذه البطولة يمثلون أكثر من نصف الأفارقة يتحقق تلقائيا نوع من التفاعل الثقافي بين أبناء القارة الواحدة فيما لسان حال كل مصري يقول “مرحبا بالأشقاء الأفارقة..مرحبا بقارتنا وأهل قارتنا”..انها مصر تتحدث عن نفسها في العرس الكروي الافريقي وتمنح عطرها للساحرة المستديرة.
المصدر : أ ش أ