من النضال والتحرر إلى الاستقرار والتنمية ، يبقى الدور المصري جليا فى المشهد الأفريقي ، حيث يذكر التاريخ وأدبيات الدراسات الإفريقية مساعدة مصر ودعمها لحركات التحرر بدول القارة إلى أن حصلت الكثير منها على استقلالها خلال ستينيات القرن الماضى ، بفضل ما قدمته مصر من نموذج جديد للتحرر من الاستعمار خلال نضالها ضد الإنجليز وقيام ثورة ٢٣ يوليو عام ١٩٥٢ ، بالإضافة إلى نظر زعماء حركات التحرر والثوار الأفارقة للرئيس الراحل جمال عبد الناصر باعتباره ملهما وزعيما قادرا على مواجهة الاستعمار وكفاحه.
دعم مصر لحركات التحرر الأفريقية ومساندتها لها بدأ باتساع دوائر القاهرة للحركات الوطنية الإفريقية ، حيث عجت العاصمة المصرية فى أوائل الستينيات بوفود دول القارة وشجعتها على فتح مكاتب سياسية دائمة على غرار المكاتب التي فتحتها جبهة التحرير الجزائرية ، ووصل عدد هذه المكاتب إلى حوالى ٢٢ مكتبا وهيئة تحملت مصر تكاليفها كاملة .
وقامت مصر بامداد حركات التحرير الإفريقية بالسلاح ، وفتحت أبوابها لتدريبها عسكريا ، فكانت أول دولة فى العالم تقدم هذا الدعم لهذه الحركات، إلى جانب قيامها بتوسيع دوائر بث عشرات الإذاعات الإفريقية الموجهة باللغات المحلية للأفارقة من الإذاعة المصرية.
وساندت مصر حركات التحرر الوطنية فى شمال إفريقيا ، وساهمت فى خلق جميع الظروف الثورية الملائمة للقيام بعملية تحريرية، فى الجزائر ، وتونس ، والمغرب . كما دعمت حركات التحرر الإفريقية فى المجال الدبلوماسى من خلال دعوتها وحثها لهذه الحركات بإرسال مندوبين عنها فى المحافل الدولية بالأمم المتحدة التى تعقد فى مقرها بنيويورك لطرح قضيتهم من خلال الدعم الفنى والقانونى الذى يقدمه لها الوفد المصري.
واهتمت مصر ودعمت إنشاء منظمة الوحدة الإفريقية (التي تحولت إلى الاتحاد الأفريقي حاليا) التى استهدفت مساندة دول القارة فى الحصول على استقلالها ، فكان الزعيم الراجل عبد الناصر من الزعماء المؤسسين للمنظمة مع كوامى نكروما ( غانا )، وجوليوس نيريرى ( تنزانيا )، وأحمد سيكوتورى ( غينيا )، والإمبراطور الأثيوبى هيلاسلاسى ، حيث أقر مؤتمر أديس أبابا ميثاق منظمة الوحدة الإفريقية، في 22 مايو عام 1963، إذ اجتمع رؤساء (30) دولة إفريقية مستقلة، ووقعوا على الميثاق الذي تم اعتباره دستور المنظمة.
وظهر آنذاك تقارب مثمر بين دول أفريقيا العربية وغير العربية، كما حدث تقارب بين الدول الناطقة بالفرنسية، والدول الناطقة بالإنجليزية، والدول التي لم تنضم لأي مجموعة ، وبهذا التقارب أصبح الطريق ممهدا لعقد مؤتمر يضم كافة التجمعات الأفريقية، للمرة الأولى في تاريخ أفريقيا.
وقد سعت مصر وعدد من الدول الأفريقية إلى عقد هذا المؤتمر، بهدف وضع الأسس العامة للتعاون، على مستوى القارة للدفاع عن القضايا المشتركة التي تجمع بين هذه الدول تحت مظلة منظمة دولية ، وذلك في ظل تهديد الاستعمار الأوروبي لأغلبها آنذاك.
المصدر : أ ش أ