في لحظة تاريخية قبل ٥٦ عاما ، تأسست منظمة الوحدة الأفريقية ، ومع تحولها إلى الإتحاد الأفريقى فى عام ٢٠٠١ ، تولى الإتحاد مهمة تسريع وتسهيل الاندماج السياسي والاجتماعي والاقتصادي للقارة، فعمل على تعزيز مواقف أفريقيا المشتركة بشأن القضايا التي تهمها وشعوبها، تحقيقاً للسلام والأمن .
وأعطت مصر خلال رئاستها للاتحاد الأفريقي هذا العام ٢٠١٩ إشارات سياسية واضحة وقوية على دورها الاستراتيجى فى أن تكون بوابة أفريقيا للعالمية ، من خلال نجاحها في مد جسور التواصل بين الدول الأفريقية والعالم، واضعة فى الإعتبار أفريقيا الحاضر وتطلعات المستقبل، خاصة وأن لديها إرادة سياسية لمواصلة المساهمة الفاعلة في العمل الأفريقي الجماعي لتحقيق السلام والاستقرار والتنمية المستدامة والشراكة بين دولها، بالاضافة إلى التحرك على المستوى الثنائي مع بلدانها لتعزيز المصالح المتبادلة.
ويستند التوجه المصري تجاه القارة الأفريقية بهذا الزخم إلى تعزيز قوة أفريقيا وإقامة مجتمع قوى ، ويعود ذلك بشكل أساسي إلى الدور المحوري الذي اضطلع به الرئيس عبدالفتاح السيسي، منذ توليه رئاسة مصر ، والذي أدرك أهمية القارة لمصر، وأهمية مصر لأشقائها الأفارقة، فأصبحت ركائز السياسة الخارجية المصرية قائمة على فتح آفاق جديدة للتعاون الدائم مع أفريقيا، باعتبارها العمق الاستراتيجي الأكبر والأكثر أهمية لمصر.
وإحدى الأولويات الهامة علي أجندة مصر في رئاستها للإتحاد تمثل في تحقيق التنمية الاقتصادية والاجتماعية للدول الأفريقية، من خلال تطوير منظومتي الزراعة والتصنيع بالقارة، مع التأكيد على الدور المحوري لشباب ونساء القارة لتحقيق أهداف أجندة 2063، بالإضافة إلي تطوير منظومة السلم والأمن الأفريقية، خاصة في مجال إعادة الإعمار والتنمية ما بعد النزاعات، وترسيخ قيم الحوكمة والشفافية والمساءلة، وتشجيع القطاع الخاص والمجتمعي على المساهمة فى البرامج والمشروعات الأفريقية القارية، وتعزيز التعاون مع الشركاء الدوليين، استناداً إلى مبادئ الاحترام المتبادل، وتحقيق المصلحة المشتركة، وعدم التدخل فى الشئون الداخلية.
وركز برنامج عمل مصر على “دبلوماسية التنمية”، إلى جانب اقتحام العديد من القضايا الكبري التي تتعلق بالأمن والارهاب والتعاون بين الجنوب والجنوب ، بما يحقق تطلعات شعوب القارة والتكامل بين دولها ، وعملت مصر على ترتيب أولويات هذه القضايا ، حيث هناك العديد من المشكلات التي كانت تعوق تنفيذ التنمية على أرض الواقع بشكل أمثل ، وهناك ضرورة ملحة لتفعيل الجهود لمواصلة مواجهة التحديات التى تعوق التنمية. وانعكست دبلوماسية التنمية بشكل واضح في الأولويات التي حددتها مصر في ظل رئاستها الحالية للاتحاد الأفريقي، وفي مقدمتها تعزيز التكامل الاقتصادى والاندماج الإقليمى فى القارة، بما في ذلك التركيز على مشروعات وبرامج البنية التحتية العابرة للحدود، باعتبارها السبيل لتحقيق تنمية القارة، بما يتماشى مع أهداف أجندة التنمية ٢٠٦٣ .
“إقامة مجتمع قوى “، شعار جديد ساهم فى توطيد علاقات التعاون بين دول القارة، ومنهاج عمل ارتكزت عليه مصر، حيث عززت تنامى “دبلوماسية التنمية “، ذلك الملف الذى نجحت بموجبه فى وضع أفريقيا على طريق التعاون والشراكة الدولية، فشهدت السياسة الخارجية المصرية توجها نحو تعزيز القوة الناعمة لأفريقيا، ورسمت خريطة جديدة لها تتزايد فيها فرص العمل والتنمية والتجارة وريادة الأعمال.
ودبلوماسية التنمية هى ترجمة للبعدين الاقتصادي والتجاري للدبلوماسية التقليدية، واستغلال لكل ما تتيحه الدبلوماسية التقليدية من قنوات اتصال وأطر للتعاون مع الدول الأجنبية لخدمة إقتصاد بلدان أفريقيا، من حيث البحث عن أسواق جديدة للمنتج الأفريقى واستقطاب وجلب رجال الأعمال والمؤسسات الأجنبية للاستثمار فيها.
وهى أيضا إستراتيجية نبعت من عزم مصر على تعميق الشراكة السياسية الاقتصادية والاجتماعية والثقافية مع أشقائها الأفارقة، استناداً إلى الإنتماء الجغرافى والتاريخي لقارتها السمراء، إنتماء دفع إلى مزيد من العمل والتعاون لمواجهة التحديات، وهذا الوعي والإدراك، لطبيعة الانتماء المصري لأفريقيا، نبع إيمان مصر بدورها وواجبها نحو قارتها.
عززت دبلوماسية التنمية التى انتهجتها مصر خلال رئاستها للإتحاد ، فرص إفريقيا كقوة اقتصادية قادرة على الترويج للتقدم الملموس في القطاع الاقتصادي والتجارى فى بلدانها، حيث أن الدينامية الاقتصادية لتلك الدول من شأنها ان تحل الكثير من المشاكل التي تعاني منها ، مما يساهم فى الحد من تسونامي الهجرة التي تعرفها القارة نحو “الشمال المتقدم” .
تحديد الأهداف وتعبئة الموارد، عاملان ضروران لتمكين الدول الأفريقية من الوسائل الضرورية لتجسيد دبلوماسية التنمية التي تبقى رهينة توحيد الجهود والتنسيق بين جميع الأطراف المعنية بالشأن الاقتصادي، وتحقيق هذه الأهداف يبقى رهين بذل الجهود والرؤية المشتركة والتآزر بين جميع الأطراف المتداخلة في العمل الاقتصادي بإفريقيا والمطالبين بالمساهمة فيه، واستقطاب وجلب الاستثمارات الأجنبية المباشرة أو الثلاثية (التعاون الثلاثي) لأفريقيا ، والنهوض بالصادرات الأفريقية من خلال الانفتاح على أسواق جديدة .
وترتكز مصر على نهج أفريقي موحد وجديد ، يهدف إلى التقاء جهود كل المتداخلين في مجال البناء والتنمية (البرلمانيون وهياكل الدعم وغرف التجارة والصناعة والغرف المشتركة) لجلب الاستثمارات والنهوض بمزيد من الصادرات مع وضع إستراتيجية للتأثير والضغط للدفاع عن المصالح الاقتصادية والتجارية الوطنية لدى الهيئات والمنظمات الدولية ومتعددة الأطراف، وتعد اليقظة التنموية والإستراتيجية التى شملت توقيع وإبرام العديد من الإتفاقيات والتفاهمات والبرتوكولات مع الدول المتقدمة أساسية لتمكين بلادها من استغلال الفرص وتوظيفها لصالح الاقتصاد والتجارة الأفريقية.
وعلى وقع الجهود المصرية الرامية إلى تعزيز شراكة تضامنية بين أفريقيا والتجمعات والتحالفات الإقتصادية العالمية الموجودة سابقا، والتى تم تدشينها مؤخراً ” منتدى روسيا أفريقيا “، تحققت نجاحات كبرى وشراكات إقتصادية وتفاعلات بين أفريقيا والفاعلين الدوليين ، ضاعفت من حجم التبادل التجارى الأفريقى حول العالم ، ولعبت “دبلوماسية التنمية” فيه دوراً هاماً.
المصدر: أ ش أ