قبل يومين ، وفى خطوة مهمة نحو التسوية السياسية للأزمة اليمنية المستعرة منذ خمس سنوات، وقعت الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي الجنوبي ، اتفاقا لإنهاء الاقتتال بين الحليفين في التحالف العربي ضد المليشيات الحوثية.
يؤسس الاتفاق لمرحلة جديدة من التعاون والشراكة، ويعطي إشارة إلى إمكانية التوافق بين الأطراف اليمنية من أجل تجنب الحرب والانقسام، وتوحيد الجهود لمواجهة الحوثي واستئناف عمليات التنمية والبناء، خاصة في المحافظات المحررة جنوبي اليمن، كما أن الاتفاق سيفتح الباب أمام تفاهمات أوسع بين المكونات اليمنية للوصول إلى حل سياسي ينهي الأزمة اليمنية ويحصن اليمن من مخاطر التفتيت، وللحيلولة دون انزلاق البلد نحو المزيد من الانقسام والتفكك.
تضمن اتفاق الرياض ثلاثة ملاحق أساسية حددت المعالم الأساسية لإدارة الدولة اليمنية، الأول تضمن الترتيبات السياسية والاقتصادية، فيما نص الملحق الثاني على الترتيبات العسكرية، في حين تناول الملحق الثالث تفاصيل الترتيبات الأمنية.
أسس المرحلة المقبلة
ووفقاً للمراقبين فإن وثيقة اتفاق الرياض وضعت أسس المرحلة المقبلة من مستقبل اليمن، وباتت التساؤلات المطروحة: هل يُنهي اتفاق الرياض الأزمة في اليمن. أم سيكون مرحلة انتقالية ربما تتبعها مراحل أخرى لاستعادة وحدة الأراضي اليمنية مجدداً، وما هي مآلات اليمن بعد الاتفاق ومستقبل الأزمة فيها؟
على أي حال فإن اتفاق الرياض قد حدد شكل العلاقة بين الحكومة اليمنية والمجلس الانتقالي في الجنوب والتي سيتم على أساسها إدارة المرحلة القادمة وتتضمن: تشكيل حكومة كفاءات سياسية لا تتعدى 24 وزيراً، يعينها الرئيس اليمني عبد ربه منصور هادي بالتشاور مع رئيس الوزراء والمكونات السياسية، على أن تكون الحقائب الوزارية مناصفة بين المحافظات الجنوبية والشمالية، وذلك خلال مدة لا تتجاوز 30 يوما من توقيع الاتفاق.
كما يعين الرئيس اليمني محافظ ومدير الأمن للعاصمة المؤقتة عدن، خلال 15 يوما وتعيين محافظ لـ “أبين” و”الضالع” خلال ثلاثين يوما، وتعيين محافظي ومديري أمن المحافظات الجنوبية خلال 60 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق.
ويباشر رئيس وزراء الحكومة الحالية معين الصبري عمله في عدن، خلال مدة لا تتجاوز سبعة أيام من تاريخ توقيع الاتفاق لتفعيل جميع مؤسسات الدولة في مختلف المحافظات المحررة من ميليشيات الحوثي، وإدارة موارد الدولة، بما يضمن جمع وإيداع جميع إيرادات الدولة بما فيها الإيرادات النفطية والضريبية والجمركية في البنك المركزي بعدن، وتفعيل الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة وتطعيمه بشخصيات نزيهة ومهنية، وإعادة تشكيل وتفعيل المجلس الاقتصادي الأعلى وتعزيزه بشخصيات من ذوي الكفاءة والخبرة والنزاهة والاستقلالية.
كما تضمن الاتفاق تنظيم الشئون العسكرية في اليمن، بما يضمن مشاركة جميع الأطياف تحت لواء جيش الشرعية: عودة جميع القوات التي تحركت من مواقعها ومعسكراتها الأساسية باتجاه محافظات عدن وأبين وشبوه منذ أغسطس الماضي، إلى مواقعها السابقة خلال 15 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق.
وتجميع ونقل الأسلحة المتوسطة والثقيلة بأنواعها المختلفة من جميع القوات العسكرية والأمنية في عدن خلال 15 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق إلى معسكرات داخل عدن، تحددها وتشرف عليها دعم الشرعية في اليمن، ونقل جميع القوات العسكرية التابعة للحكومة والتشكيلات العسكرية التابعة للمجلس الانتقالي في محافظة عدن، إلى معسكرات خارج العاصمة المؤقتة، تحددها قيادة تحالف دعم الشرعية باليمن، وذلك خلال 30 يومًا من تاريخ توقيع الاتفاق، تحت إشراف مباشر من قيادة التحالف.
وتضمن المحلق العسكري ضرورة توفير إجراءات لم شمل وتوحيد القوى العسكرية منها: توحيد القوات العسكرية، وضمها لوزارة الدفاع، وتوزيعها وفق الخطط المعتمدة وتحت إشراف مباشر من قيادة تحالف دعم الشرعية خلال 60 يوما من توقيع الاتفاق، إعادة تنظيم القوات العسكرية في محافظتي أبين ولحج، تحت قيادة وزارة الدفاع بذات الإجراءات التي طبقت في عدن، خلال 60 يوما وإعادة تنظيم القوات العسكرية في بقية المحافظات الجنوبية تحت قيادة وزارة الدفاع بنفس الإجراءات التي طبقت في عدن، خلال 90 يومًا من تاريخ توقيع الاتفاق.
في حين أكد الملحق الثالث للاتفاق أهمية الترتيبات الأمنية، والتي من أبرزها: تتولى قوات الشرطة والنجدة في عدن مسؤولية تأمين المحافظة مع العمل على إعادة تنظيم القوات التابعة للحكومة والتشكيلات التابعة للانتقالي وفق الاحتياج وخطة التأمين، وترتبط بمديرية الأمن في المحافظة وترقيمها كقوات أمنية تابعة لوزارة الداخلية خلال 30 يوما من تاريخ توقيع الاتفاق.
وتضمن الملحق ، إعادة تنظيم القوات الخاصة ومكافحة الإرهاب في محافظة عدن، واختيار العناصر الجديدة فيها من قوات الشرعية والتشكيلات التابعة للمجلس الانتقالي والعمل على تدريبها، خلال 30 يوما، وإعادة تنظيم القوات المسؤولة عن حماية المنشآت في قوة موحدة باسم “قوات حماية المنشآت” خلال 30 يوما أيضاً من تاريخ توقيع الاتفاق.
وينص الملحق على أن تتولى “قوات حماية المنشآت” حماية مقر الحكومة والبنك المركزي وموانئ عدن ومطار عدن والمصفاة ومقرات فروع الوزارات ومؤسسات الدولة بعدن، وحماية المنشآت المدنية والحيوية في باقي المحافظات المحررة وموانئ المكلا والضبة والمخا ومنشأة بلحاف خلال 90 يوما من الاتفاق. فضلاً عن توحيد وإعادة توزيع القوات الأمنية وترقيمها وضمها لوزارة الداخلية وإصدار القرارات اللازمة خلال 60 يومًا من تاريخ توقيع الاتفاق.
سيناريوهان للمستقبل
يعكس الترحيب العربي والدولي بتوقيع اتفاق الرياض، الأهمية المحورية له في تدشين النواة الأولى لبدايات التسوية السياسية للأزمة السياسية في اليمن، ويرى محللون ومراقبون أن ثمة سيناريوهات مستقبلية متوقعة لما بعد اتفاق الرياض.
السيناريو الأول، أن تتحد قوة الحكومة اليمنية مع المجلس الانتقالي الجنوبي أمام مواجهة الحوثيين، مما يفرض تحديات كبيرة في طريق التسوية خاصة في حالة حصول الحوثيين على مزيد من الدعم الإقليمي والدولي، وفي تلك الحالة ربما تتزايد حدة المواجهات بين القوتين.
السيناريو الثاني، أن اتفاق الرياض ربما يكون البداية الأساسية لقبول التوافق مع كافة القوى السياسية في اليمن وخاصة مع مزيد من الجهود الإقليمية والدولية وخاصة من جانب الأمم المتحدة، بغية التوصل إلى توافقات سياسية تضمن أمن ووحدة واستقرار اليمن من جديد، على أن يدرك الجميع أن اتفاق الرياض يمثل منطلقاً مهماً لمرحلة من التعاون وتوحيد الصف بين الأطراف الوطنية في اليمن لتحقيق تطلعات أبناء الشعب اليمني في الأمن والتنمية والرخاء والقضاء على الإرهاب وهو ما نأمل تحقيقه.
المصدر : أ ش أ