مشهد ضبابي يخيم على مستقبل العلاقات السعودية الأمريكية في الوقت الحالي، إذ يمر البلدان بأزمة دبلوماسية، بعد أن وافق مجلس النواب الأمريكى “الكونجرس” على قانون يسمح لضحايا أحداث 11 سبتمبر 2001 وعائلاتهم بمقاضاة حكومات أجنبية، على رأسها المملكة العربية السعودية، إذ يشتبه أنها تدعم الأعمال الإرهابية ضد الولايات المتحدة، ورفع الكونجرس هذا القانون إلى البيت الأبيض ليصادق عليه الرئيس باراك أوباما ليكون نافذا، ولكن أوباما أعلن رفضه للقانون، لمخالفته مبدأ الحصانة السيادية، التي تحمى الدول من القضايا المدنية أو الجنائية.
واستخدم الرئيس الأمريكي، باراك أوباما، الجمعة الماضي، حق الفيتو الرئاسي للاعتراض على القانون، وقال إنه يشعر بتعاطف عميق مع الأسر، لكن ذلك القانون “سيضر المصالح القومية الأمريكية”.
لكن كانت المفاجأة صباح اليوم، حيث أسقط مجلس الشيوخ والنواب الأمريكي حق الفيتو الذي استخدمه أوباما، وهو أول فيتو يتم إسقاطه لأوباما.
وكان مجلسا الشيوخ والنواب والأمريكيين وافقا بأغلبية ساحقة أمس، الأربعاء، على اعتماد التشريع الذي سيتيح لأسر الضحايا الذين سقطوا في هجمات عام 2001 في نيويورك المطالبة بتعويضات من الحكومة السعودية.
وسبق أن رفضت الرياض اتهامات بأنها دعمت المهاجمين الذين قتلوا ما يقرب من 3000 شخص باسم تنظيم القاعدة، وكان 15 من المهاجمين الـ19 من مواطني السعودية.
من جانبها، وصفت وزارة الخارجية السعودية القانون الأمريكي بأنه يشكل “مصدر قلق كبير”، وقالت في بيان نشرته وكالة الأنباء السعودية، إن “إضعاف الحصانة السيادية للدول من شأنه التأثير سلبا على جميع الدول بما في ذلك الولايات المتحدة”.
وعلى رغم أن علاقات البلدين شابها فتور متزايد منذ وصول أوباما إلى الحكم مطلع 2009، إلا أن التعاون في مجال مكافحة الإرهاب لم يتأثر بحرارة العلاقة السياسية، وتشارك السعودية منذ صيف 2014، في التحالف الذي تقوده واشنطن ضد تنظيم “داعش”.
وتأتي تلك التطورات في توقيت حساس، إذ تشهد الولايات المتحدة الأمريكية مرحلة تغيير رئاسي في غضون أسابيع قليلة، الأمر الذي يزيد من ضبابية المشهد حول العلاقة بين واشنطن والرياض، التي دار بها جدل كبير صباح اليوم، إذ تشهد هي الأخرى مرحلة حساسة للغاية بسبب أزمة انخفاض أسعار النفط، التي انعكست على الحياة السياسية داخل المملكة، والتي أعلنت عن خطة تقشف واسعة تشمل تقليل مرتبات الوزراء وموظفين حكوميين والميزات المخصصة لهم بنسبة 20%، في إشارة إلى أن الشعب كله ينبغي أن يتجه نحو التقشف.
وتجددت أزمة العلاقة بين البلدين منذ أبريل الماضي، حين أشارت قناة «سي بي إس» الأمريكية إلى الدور الذي لعبته المملكة السعودية في أحداث 11 سبتمبر 2001 الإرهابية، من خلال تقرير عرضته في برنامجها “60Minutes” تناول ما يعرف بوثائق الـ”28 صفحة”، وهي وثائق سرية لم يُكشف عنها تتعلق بالتحقيقات التي جرت بعد وقوع الحدث عام 2001، وتفيد بتورط المملكة في دعم الإرهابيين الذين هاجموا الولايات المتحدة في ذلك الوقت.
يعد التحالف القائم منذ سنوات بعيدة بين المملكة والولايات المتحدة من أسس السياسة والأمن والتجارة في الشرق الأوسط، لذا مولت الحكومة السعودية حملة دعاية موسعة استهدفت القانون الذي أطلق عليه اسم قانون “جاستا” أو “قانون العدالة ضد رعاة الإرهاب”، إذ أنه يخرق الدستور الأمركي الذي يلزم كافة التشريعات بأن تتسق مع قواعد القانون الدولي وتعهدات الإدارة الأمريكية، كما يخرق بشكل كامل قواعد القانون والأعراف الدولية.
ويعد تطبيق قانون جاستا على المملكة العربية السعودية، عقابا شديد القسوة، ويمكن أن يكون كارثة بكل المقاييس، إذ تقدر تعويضات الضحايا عن أحداث 11 سبتمبر بــ”3.3 تريليون دولار”.
وبذلك يصبح لأمريكا الحق، وفقا للقانون الجديد في الحجز على أموال السعودية بداخلها والتى تقدر بــ”750 مليار دولار” وهذا يمثل ربع المبلغ فقط، وستطالب أمريكا بباقي المبلغ أيضا من السعودية التي تشهد أزمة اقتصادية.
ووفقا لما نقلته رويترز، هوى الريال السعودي أمام الدولار في سوق المعاملات الآجلة اليوم، الخميس، بعد إقرار مشروع القانون، ما أدى إلى تراجع الطلب على الدولار في الرياض.
ومازال الريال السعودي مثبتا عند مستوى 3.75 للدولار في السوق الفورية، لكن البنوك غالبا من تستخدم سوق المعاملات الآجلة للتحوط من المخاطر.
وتكهن بعض المحللين أن بوسع الرياض الرد بتقليص التجارة الأمريكية مع السعودية، صاحبة أكبر اقتصاد في المنطقة العربية، أو تقييد التعاون في المجال الأمني في علاقة لها أهميتها بالنسبة للولايات المتحدة في مكافحة الإرهاب ومساعي السلام في الصراعات العربية.
وقال المحلل تيودور كاراسيك، من جلف ستيت اناليتكس على موقع “العربية” على الإنترنت، إن القانون سيشعل نيران عاصفة من الحرب القانونية ستضعف بشكل مباشر العلاقات السياسية في وقت يتطلب علاقات نشطة لمكافحة الإرهاب.
وأضاف أن القانون قد يعرقل أيضا إصلاحات اقتصادية كاسحة تهدف لتعزيز دور القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي وإبعاد المملكة عن الاعتماد على النفط.
وتكهن بعض المحللين بأن التجارة والاستثمارات الثنائية قد يلحق بها ضرر، في حين أن المملكة لديها سندات خزانة أمريكية قيمتها 96.5 مليار دولار ومن المعتقد أن لها أصولا أخرى وحسابات أمريكية بقيمة مماثلة على الأقل.
المصدر: وكالات