نشر مركز أبحاث ودراسات الشرق الأوسط دراسة للباحث أحمد تركى، أشارت إلى طبيعة الدور المصرى فى ليبيا، والجهود المبذولة لتحقيق الاستقرار هناك.
قال الباحث إن مصر باتت قبلة للسلام وواحة للمشاورات السياسية، ليس فقط لكافة القوى الليبية بكل تشعباتها وأطيافها، إنما لكل الجهود العربية ودول الجوار الجغرافى المعنية بالأزمة الليبية وذلك بهدف عودة الروح السياسية والاستقرار والأمن للمجتمع الليبى.
وانطلاقاً من هذا المبدأ وتلك الحقيقة، جاء لقاء رئيس المجلس الرئاسى الليبى فايز السراج، بالفريق محمود حجازى، رئيس أركان حرب القوات المسلحة، أمس وبحضور أعضاء الوفد الليبى وأعضاء اللجنة المصرية المعنية بليبيا فى إطار الجهود المصرية لتجميع الأشقاء الليبيين وتحقيق الوفاق بين جميع الأطراف حول تسوية الأزمة الليبية.
ناقش اللقاء بشكل معمق وتفصيلى الأوضاع الراهنة في ليبيا، والجهود المبذولة من الجانبين للتوصل إلى حلول توافقية تستند بالأساس على الإطار العام للاتفاق السياسى، وترتكز على القضايا الجوهرية للخروج من حالة الانسداد السياسى الحالية فى إطار سلسلة الاجتماعات المكثفة التى استضافتها مصر.
جاء هذا اللقاء عقب اجتماع اللجنة المصرية المعنية بالملف الليبى، بالمجلس الأعلى للدولة الليبية فى القاهرة خلال الأسبوع الأول من يناير الجارى، والتباحث بشأن آليات الدفع بالتسوية السياسية فى ليبيا، وإمكانية تعديل بعض بنود اتفاق الصخيرات.
وفي سياق الجهود المصرية المتواصلة لإعادة الأمن والاستقرار والروح السياسية للدولة الليبية، احتضنت القاهرة خلال ديسمبر المنصرم 3 من أهم جولات الحوار بين كل أطياف وعناصر ليبيا، ضمت أعضاء بمجلس النواب المنعقد بطبرق لتسوية الأزمة فى ليبيا، وشخصيات برلمانية.
تعديل اتفاق الصخيرات
صدر عن اجتماع 13 ديسمبر الماضى “بيان لقاء القاهرة”، الذي أكد على الثوابت الوطنية الليبية، وهى وحدة التراب الليبى ووحدة الجيش الليبى، إلى جانب شرطة وطنية لحماية الوطن والاضطلاع الحصرى بمسؤولية الحفاظ على الأمن وسيادة الدولة وضرورة الحفاظ على مؤسسات الدولة الليبية ووحدتها وترسيخ مبدأ التوافق ورفض كل أشكال التهميش والإقصاء.
كما تضمن بيان القاهرة: رفض وإدانة التدخل الأجنبى، وأن يكون الحل بتوافق ليبى مع الحفاظ على مدنية الدولة والمسار الديمقراطى والتداول السلمي للسلطة، وبعد التطرق لمختلف الشواغل التي تعرقل تطور العملية السياسية، ومختلف الحلول والبدائل المناسبة التى يمكن طرحها على كافة الأطراف الليبية دون إقصاء لإنهاء حالة الانسداد السياسى، توصل المجتمعون للمقترحات التالية لتجاوز الأزمة والوصول للوفاق الوطني وهى: تعديل لجنة الحوار بشكل يراعى التوازن الوطنى، وتعديل الفقرة الأولى من البند الثانى من المادة الثامنة من الاتفاق السياسى “اتفاق الصخيرات”، من حيث إعادة النظر فى تولى مهام القائد الأعلى للجيش، ومعالجة المادة الثامنة من الأحكام الإضافية من الاتفاق السياسى، بما يحفظ استمرار المؤسسة العسكرية واستقلاليتها وإبعادها عن التجاذبات السياسية.
وتوصل المجتمعون أيضا إلى إعادة النظر فى تركيب مجلس الدولة ليضم أعضاء المؤتمر الوطنى المنتخبون فى يوليو 2012، وإعادة هيكلة المجلس الرئاسى وآلية اتخاذ القرار.
وحث المجتمعون هيئة الحوار والبعثة الدولية الراعية على ضرورة عقد اجتماع فى مدة لا تتجاوز أسبوعين لمناقشة هذه المقترحات وتبنى الحلول اللازمة لإنهاء الأزمة بـ”تعديل اتفاق الصخيرات”، المبرم منذ عام، بشكل يراعي التوازن الوطنى، واستقلالية المؤسسة العسكرية، وإعادة هيكلة المجلس الرئاسي المنبثق عنه، من أجل الوصول إلى الوفاق الوطنى.
مصر تدعم المبادرات العربية
ينطلق هذا التحرك المصرى تجاه الأزمة فى ليبيا من ثوابت استراتيجية راسخة وهى الحفاظ على وحدة الدولة، ويحكمها فى الأزمة الليبية محددات وركائز مهمة وهى: تقديم كافة أشكال الدعم لمؤسسات الدولة الليبية من أجل ضمان أمن واستقرار ليبيا والحفاظ على سيادتها ووحدة أراضيها مع التركيز على أهمية دعم الجيش الليبى فى معركته ضد الإرهاب.
وجاء فى هذا السياق استقبال وزير الخارجية سامح شكرى لوفد مجلس النواب الليبى والذى ضم 40 نائبا برئاسة النائب الأول لرئيس المجلس محمد شعيب، خلال الأسبوع الأول من أغسطس الماضى.
كما أن الجهود المصرية المتواصلة بشأن الأزمة الليبية ليست وليدة اللحظة إنما تنبع من قناعات سياسية واستراتيجية مصرية حتمتها الروابط التاريخية والسياسية والإنسانية والاجتماعية والجغرافية بين البلدين على مدار التاريخ.
وتنطلق الجهود المصرية فى 3 مسارات تدعم بعضها البعض، فالمسار الأول يتعلق بالمباحثات الثنائية التى تتناول التعاون بين الجانبين لتأمين الحدود المشتركة بشكل كامل، وتعزيز التعاون فى ضبط الحدود، وزيادة الروابط الاقتصادية والتنموية.
ويتعلق المسار الثاني بالمبادرات التي طرحتها القاهرة في سياق الجهود العربية الداعمة لحل الأزمة وتحديداً من قبل تونس والجزائر، وكانت مصر قد أطلقت مبادرة بالتشاور مع دول الجوار ارتكزت على ثلاثة مبادئ وهي؛ احترام وحدة وسيادة ليبيا وسلامة أراضيها، وعدم التدخل في الشئون الداخلية لليبيا والحفاظ على استقلالها السياسي، علاوة على الالتزام بالحوار الشامل ونبذ العنف.
كما تشهد القاهرة الآن تنسيقاً مستمراً مع المبادرة التى طرحتها تونس للحل بعد مشاورات مع الجزائر والقاهرة، إذ تتضمن المبادرة التونسية عقد لقاء ثلاثى على مستوى رؤساء تونس والجزائر ومصر، لإيجاد تسوية للأزمة الليبية، على أن يسبقها اجتماع على مستوى وزراء خارجية الدول الثلاث للترتيب والتنسيق للاجتماع الثلاثى.
ومن المنتظر أن تشهد الأيام المقبلة بوادر لعودة الأمل لتحقيق الاستقرار الليبى، مدعومة فى ذلك بضرورة توافق كافة القوى السياسية والشعبية على إعلاء المصلحة الوطنية العليا للدولة الليبية، وكما أكد الرئيس عبد الفتاح السيسى أن الليبيين فقط هم من يملكون حق تقرير مصيرهم، معرباً عن ثقته فى قدرة الشعب الليبى على التغلب على التحدي الكبير الذى يواجهه والمتمثل فى إعادة بناء دولة حديثة قوية تتمكن من إرساء دعائم الأمن والاستقرار فى كل أنحاء ليبيا.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)