مرحلة مفصلية جديدة فى تاريخ إقليم كتالونيا الأسباني، الراغب حكامه فى الانفصال تتحدد ملامحها، بناء على ما ستسفر عنه نتائج الإنتخابات الإقليمية المبكرة المقرر إجراؤها اليوم الخميس لانتخاب برلمان جديد، وسط احتقان وترقب واهتمام شديدين من طرفى أزمة الانفصال لمعرفة عدد المقاعد التي سيحصل عليها الانفصاليون فى هذه الانتخابات، بما يحدد ما اذا كان القادة الانفصاليون الملاحقون جنائيا سيعودون لحكم الإقليم أم لا.
وكانت الحكومة المركزية فى أسبانيا قد فرضت الحكم المباشر علي إقليم كتالونيا قبل أكثر من شهرين، وأقالت رئيس وحكومة الإقليم وحلت البرلمان، وذلك فى أعقاب إعلان السلطات هناك استقلالها عن البلاد، بعد اجراء استفتاء من طرف واحد.
وعلى أمل تحقيق الأحزاب المؤيدة لبقاء كتالونيا جزءا من أسبانيا فوزا كبيرا فى هذه الانتخابات، أعرب رئيس الوزراء الأسبانى ماريانو راخوى عن اقتناعه، بأن هذه الانتخابات ستساعد على انهاء الفوضى الانفصالية فى المنطقة، داعيا إلى المشاركة بأعداد ضخمة فى الانتخابات، وأن تحول الأغلبية الصامتة صوتها إلى تصويت لاستعادة كتالونيا من فوضى الانفصال.
وأضاف “الآن لدينا فرصة لأول مرة منذ 40 عاما، لإغلاق الباب على النزعة الانفصالية إلى الأبد من خلال التصويت لحزب الشعب في كتالونيا بالانتخابات المقبلة”، معربا عن أمله بهزيمة الانفصاليين فى الانتخابات والتى ستهيمن عليها مساعى نواب الإقليم للاستقلال، داعيا الناخبين إلى المشاركة بكثافة، مشددا على العمل لضمان عدم فوز المجموعات الداعمة للاستقلال، محاولا كسب الدعم لحزبه (الحزب الشعبي) فى الانتخابات الإقليمية فى كتالونيا التى لا تزال منقسمة بشأن الاستقلال رغم إعلان البرلمان الانفصال بشكل أحادى.
وفى حين لا يزال نصف أعضاء الحكومة الكتالونية المقالة قيد الحبس الاحتياطى بتهمة “التمرد” و”العصيان”، وافقت الأحزاب الانفصالية على المشاركة فى الانتخابات الاقليمية التى أعلنت مدريد تنظيمها فى 21 ديسمبر، حيث يعتبر الانفصاليين الكتالونيين تلك الانتخابات بمثابة استفتاء جديد على الإنفصال، وقاموا بحملة غير مألوفة تزيد من حدة انقساماتهم استعدادا للانتخابات الإقليمية، عبر خطب مسجلة على أشرطة فيديو من بلجيكا.
واعتبر الرئيس الكتالونى المقال كارليس بوتشيمون “أنها أهم انتخابات فى التاريخ وستكتب وقائع هذا القرن”، متحدثا عن غياب الوحدة فى صفوف الأحزاب الانفصالية التى تتقدم منقسمة الى الانتخابات، فقال “انها لحظة كاتالونيا، ليست (لحظة) الأحزاب السياسية”. وأضاف “أنها لحظة الشمولية والوحدة”، معتبرا أن حزبه، الحزب الديمقراطى الأوروبى الكتالونى، هو القوة السياسية التى تعاملت بالشكل الأفضل مع الوضع.
وخلال تقديمه لائحة ترشحه، اعتبر أنه من المفترض أن تتيح هذه الانتخابات، تأكيد إرادة الكتالونيين العيش فى دولة مستقلة، وتشمل لائحة بوتشيمون “معا من أجل كتالونيا” أعضاء فى الحزب الديمقراطى الأوروبى الكتالونى بالاضافة إلى شخصيات مستقلة.
وأكد، بوتشيمون، الذى لجأ وأربعة من وزرائه السابقين إلى عاصمة الاتحاد الاوروبي، حيث يتمتع بحرية مشروطة، ويدرس القضاء البلجيكي حاليا مذكرة التوقيف التى أصدرتها اسبانيا بحقه، أكد أنه خلال استفتاء تقرير المصير الذى جرى فى الأول من شهر أكتوبر الماضى “برهنا نحن الكتالونيين للعالم أن لدينا القدرة والارادة لأن نصبح دولة مستقلة وفى يوم 21 ديسمبر، من المفترض أن نؤكد ذلك”.
وبدأت الأزمة بين مدريد وكتالونيا عندما صوت البرلمان الكتالونى على استقلال الإقليم فى إعلان أحادى أدى إلى إخضاع كتالونيا إلى وصاية الحكومة الإسبانية المركزية، الأمر الذى تسبب بأسوأ أزمة سياسية فى اسبانيا منذ أن أصبحت ديمقراطية فى عام ١٩٧٨، وأثارت أزمة استقلال كتالونيا المخاوف فى بروكسل فى وقت يتعامل الاتحاد الأوروبى مع تداعيات بريكست، فيما نقلت أكثر من 2400 شركة مقارها القانونية من الإقليم وسط حالة من الضبابية.
واستفتاء استقلال كتالونيا، المعروف في أسبانيا تحت مسمى “1-O “، هو تقرير مصير إقليم كتالونيا من خلال اجراء استفتاء بدعوة من الحكومة الإقليمية بتاريخ الأول من شهر اكتوبر الماضى، وكان السؤال المطروح على الناخبين فى الاستفتاء، هو “هل تريد أن تكون كتالونيا دولة مستقلة في شكل جمهورية؟”.
وتسبب الاستفتاء في نشوء الأزمة الدستورية الأسبانية عندما تم سن قانون من قبل برلمان كتالونيا بعبارات دقيقة يوم 6 سبتمبر 2017، ولكن رد المحكمة الدستورية في أسبانيا جاء في اليوم التالي، مؤكداً أن الاقتراع غير قانوني، لكن رئيس الإقليم كارلس بوتشدمون أكد عزمه إجراء الاقتراع في وقته المخطط له، مما دفع المحكمة الدستورية إلى إصدار حكم نهائي على عدم شرعية الاستفتاء؛ في 12 سبتمبر الماضي.
وبعد صدور قرار المحكمة، التي اعتبرت أن هذا الاستفتاء يتعارض مع دستور أسبانيا لعام 1978، قام المدعي العام في المحكمة العليا بكتالونيا بأمر الحرس المدني، الشرطة الكتالونية، الهيئة الوطنية للشرطة ومختلف قوات الشرطة البلدية باقتحام مكاتب الاقتراع الانتخابية للحيلولة دون إجراء الانتخابات، وفي 20 سبتمبر وضمن إطار عملية أنوبيس، تم توقيف 14 شخصا من أعضاء الحكومة الكتالونية، ما دفع ما يقارب 10 ألاف شخص إلى الخروج لشوارع برشلونة منددين بهذا الإجراء ومتغنين في نفس الوقت بنشيد يعود إلى دكتاتورية فرانثيسكو فرانكو.
وتم عقد الاستفتاء يوم أول أكتوبر، في ظل مناخ ساده التوتر بشكل كبير، حيث حاولت قوات الأمن الأسبانية إغلاق مراكز الاقتراع وأسفر تدخل قوات الشرطة عن إصابة 844 شخصا بجروح متفاوتة، نصفهم في مدينة برشلونة فقط.
المصدر:أ ش أ