يبدو أن التدابير الاستثنائية التي أعلن عنها الرئيس التونسي قيس سعيد في 25 يوليو الماضي، وما أعقبها من إجراءات لن تتوقف حتى تحقق الهدف من عودة الدولة التونسية إلى سابق عهدها تنعم بالأمن والاستقرار ومكافحة الإرهاب والفساد.
فالأمس، تعهد الرئيس التونسي بمكافحة الفساد في كافة قطاعات الدولة، مؤكدا أن قراره نحو محاربة الفساد والمفسدين لن يتوقف عند حد معين، حيث توجه نحو استئصال الفساد في أهم قطاع في الدولة وهو القضاء والذي أكد على استقلاليته مهما كانت التكاليف.
وقد أعلن الآلاف من المواطنين التونسيين دعمهم لقرارات الرئيس حيث نزلوا إلى شوارع العاصمة تونس في مظاهرات حاشدة لإعلان تأييدهم لها، وأكدوا أنها كانت ضرورية لإنقاذ البلاد ونجدتها من حالة الجمود الاقتصادي والاجتماعي بسبب السياسات الفاشلة لحركة النهضة الإخوانية ولوضع حد للفساد وتحقيق مطالب التونسيين.. وتضمنت هذه التدابير الاستثنائية تجميد نشاط البرلمان ورفع الحصانة عن أعضائه وإقالة رئيس الحكومة.
وتواجه تونس منذ سنوات استشراء غير مسبوق للفساد والأزمات على كل الأصعدة تضمنت السياسة والاقتصاد والصحة، وتغلغل الفساد في كل مفاصل الدولة التونسية حسب ما أثبتته الإحصائيات والأرقام المحلية منها والعالمية، ودعمه الخبراء والمحللون.
وخلال دعوة الرئيس التونسي إلى التصدي للفساد في جميع المؤسسات والمسئولين بالدولة، أكد أن أغلبية القضاة شرفاء يطبقون القانون بالرغم من محاولات التدخل في عملهم بوسائل مختلفة كالضغط والترهيب والرشاوي، كما أعرب عن ثقته في رفض القضاة لهذه الممارسات، والرئيس قيس نبه إلى أن الفساد لا يزال مستشريا في جزء من القضاة، قائلًا إنه لا يمكن تحقيق أي إصلاح إلا بإصلاح جذري للقضاء حتى يستعيد عافيته.
وأوضح الرئيس التونسي بأنه لن يقبل أبدا بأن يتم المساس باستقلالية القضاء والقضاة وأنه يسعى إلى أن تتوفر في المحاكم آليات وظروف العمل المناسبة، وأكد كذلك على أن إعداد مرسوم يتعلق بالمجلس الأعلى للقضاء ليس تدخلا في الشأن القضائي ولكن سيتم ذلك بمشاركة القضاة أنفسهم.
وطالب الرئيس التونسي القضاة الشرفاء على عدم التردد في تطبيق القانون على الجميع دون استثناء وعلى قدم المساواة، كما دعا المواطنين الصادقين إلى تطهير البلاد من كل من عبث بمقدرات الدولة والشعب.
وفي إطار التصدي للفساد، شدد سعيد على ضرورة القيام بجرد شامل ودقيق للهبات والقروض التي تحصلت عليها تونس في السنوات الماضية والتي لا أثر لها في الواقع، وتطرق إلى مسألة أملاك الدولة حيث أشار إلى أنه سيتم إحداث نوع جديد من الشركات لتمكين المواطنين من استغلال الأراضي حتى تعود الأملاك إلى الشعب، ولا تسوغ بأثمان بخسة داعيا إلى تشديد المراقبة المستمرة لمسالك التوزيع حتى يتم التصدي لكل مظاهر الاحتكار والمضاربة.
ودعا إلى وضع حد لكل محاولات نهب مقدرات الشعب التونسي والتصدي لمظاهر الاحتكار والرشوة والفساد واسترجاع أملاك الدولة، مشددا على أنه لا يوجد أي شخص أو حزب أو تنظيم خارج القانون.
وأكد سعيد ضرورة الحفاظ على أملاك الدولة واستغلالها لصالح الشباب وخاصة العاطل عن العمل، كما تطرق إلى موضوع إسناد أراضي الدولة بعقود مبرمة برشاوي وبأثمان زهيدة لأشخاص بناء على انتماءات سياسية وبدعم من تنظيمات حزبية.
وكشفت جائحة كورونا الفساد في مجال الصحة، حيث شهدت تونس حالة من الفساد المستشري وصفها سعيد وقتها بأنها “كأسراب الجراد” كما أكد في ذلك الوقت أن تونس تملك كل الثروات ولكن للأسف كلما زادت النصوص زادت اللصوص.
وأظهرت الأزمة اختلالات كبيرة تعانيها المنظومة الصحية في تونس، حيث شجع مناخ الفساد الذي يحوم حول هذا القطاع على المزيد من التجاوزات التي تهدد حق التونسيين في الرعاية الصحية السليمة.
وتدهورت الأوضاع الصحية في شهر يوليو الماضي في تونس بعد نفاد مخزون الأكسجين في المستشفيات، والنقص في الطواقم الطبية والأسرة في أقسام الإنعاش مما دفع عدد من الدول إلى إرسال مساعدات طبية.
بدوره، أكد وزير الصحة الحالي علي مرابط أن محاربة الفساد هو التوجه الذي اختارته الحكومة الجديدة، والتي ستعمل على فتح الملفات في جميع القطاعات وليس في القطاع الصحي فحسب، وأنه منذ توليه الوزارة انطلق في القيام بتدقيق متواصل في ملف الهبات والمساعدات التي تحصلت عليها الوزارة خلال فترة كورونا.
ولم يغفل الرئيس التونسي الحوار الوطني، حيث أكد سعيد أنه لن يشمل كل من استولى على أموال الشعب، أو من باع ذمته إلى الخارج وكلف وزارة تكنولوجيات الاتصال بإحداث منصات للتواصل الافتراضي في كل المناطق في أقرب وقت، لتمكين الشباب خصوصا وكافة فئات الشعب التونسي عموما من المشاركة في حوار وطني حقيقي عبر عرض مقترحاتهم وتصوراتهم في كافة المجالات.
وأكد الرئيس التونسي ضرورة إشراك كل التونسيين في الداخل والخارج في هذا الحوار الوطني والاستماع إليهم والإنصات إلى مطالبهم، مشددا على ضرورة العمل على تطهير الإدارات من كل مظاهر الاختراق وعلى أن يعمل الجميع فيها في إطار القانون.
وقال رئيس الجمهورية التونسية إنه بقدر حرص بلاده على مواصلة تعزيز علاقات التعاون مع الدول الشقيقة والصديقة، بقدر تمسكها بسيادتها الوطنية وباحترام اختيارات الشعب التونسي مجددا الإعراب عن رفض كل محاولات الاستقواء بالخارج للتدخل في الشئون الداخلية للبلاد أو الإساءة إليها.
وتوضح القرارات التي يتم اتخاذها في تونس التصدي للفساد، حيث أمرت النيابة العمومية بالقطب القضائي الاقتصادي والمالي مؤخرا، بالتحفظ على ثمانية أشخاص بينهم وزير الفلاحة السابق سمير الطيب على خلفية شبهة ارتكاب جرائم مخالفة للأحكام التشريعية والترتيبية الضامنة لحرية المشاركة وتكافؤ الفرص في الصفقات العامة.
وأفاد مكتب الاتصال بالمحكمة الابتدائية بأن الأشخاص الآخرين الذين تم التحفظ عليهم هم مستشار بديوان وزير الفلاحة السابق، مكلف بالحوكمة ومديرين بوزارة الفلاحة ورئيس لجنة فتح العروض وعضوين من اللجنة المذكورة ووكيل شركة منتفعة بصفقة، مشيرا إلى أن الاتهامات تأتي على خلفية طلب عروض تتعلق بمعدات إعلامية لصالح وزارة الفلاحة بقيمة فاقت الثماني مائة ألف دينار.
وقد أكد الرئيس التونسي أن مكافحة الفساد المتفشي في مؤسسات الدولة سيكون أولوية في عمل الحكومة الجديدة برئاسة نجلاء بودن التي أدت اليمين الدستورية الشهر الماضي.
وجاء تكليف بودن بعد شهرين من عزل الرئيس قيس سعيد للحكومة السابقة وتجميد أنشطة البرلمان، في خطوة وصفها بأنها ضرورية لإنقاذ البلد من الانهيار.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)