تشهد القاهرة الأسبوع الحالى أكبر تجمع اقتصادى للدول النامية الإسلامية، حيث تعقد منظمة الدول الثمانى النامية للتعاون الاقتصادى المعروفة اختصارا بـ D8 قمتها الـ11 فى تأكيد على تضامنها فى مواجهة المتغيرات العالمية الاقتصادية والسياسية المتلاحقة.
وتضم المنظمة التى تأسست عام 1997 ، ومقرها اسطنبول، كلا من مصر وبنجلاديش وإندونيسيا وإيران وماليزيا ونيجيريا وباكستان وتركيا. ويبلغ مجموع سكانها حوالى 1.2 مليار نسمة أو 60% من مسلمى العالم، و 13% من سكان العالم، وتغطى مساحة 7.6 مليون كيلومتر مربع، أى 5% من مساحة الأرض فى العالم، وهو ما يعنى أن هذا التكتل يشكل قوة سياسية واقتصادية عالمية لا يستهان بها، وتضامنها يعنى تأثيرها فى صنع القرار العالمي، خاصة وأن كلا من الدول الأعضاء تتميز بتجربتها السياسية والاقتصادية الناجحة والتى تتمتع بقدرة على الصمود فى مواجهة التحديات المعاصرة.
والتعاون بين هذه القوى الاقتصادية الاستثنائية نجح فى الازدهار منذ نشأتها نهاية القرن الماضي. ففى عام 2006، بلغ حجم التجارة بين الدول الأعضاء فى مجموعة الدول الثمانى النامية 35 مليار دولار، وبلغ حوالى 68 مليار دولار فى عام 2010. وشكلت المعاملات بينها 3.3% من التجارة العالمية فى عام 2010. بلغ إجمالى الناتج المحلى للدول الثمانى حوالى 4.92 تريليون دولار اعتبارًا من عام 2023.
فى هذا الملف نستعرض نشأة منظمة الدول الثمانى النامية وأهدافها وقدراتها الاقتصادية، وكيف اكتسبت قمتها المرتقبة بمصر أهمية خاصة فى ظل الواقع الإقليمى والدولى المتغير.
الانضمام للتحالفات الدولية والاقليمية أحد الأهداف الإستراتيجية التى تعمل مصر على تعزيزها فى اطار سياستها الاقتصادية والتجارية والمالية لتوسيع نطاق التعاون الاقتصادى والتكامل مع الدول ذات المصالح المشتركة وتعزيز الثقل الدولى والإقليمي.
ويأتى انعقاد قمة مجموعه الثمانى الاسلامية النامية للتعاون الاقتصادى والتنمية التى تستضيفها مصر الخميس المقبل ــ والتى تتولى رئاستها فى الفترة من مايو 2024 الى ديسمبر 2025 ــ فى ضوء اولويات الدولة المصرية لتعزيز التعاون بين دول المجموعة ورفع مستوى الشراكة والعمل فى مجالات التجارة والزراعة والسياحة والصحة والاتصالات والتصنيع الى جانب دعم آليات تسوية المنازعات والاتفاقيات التجارية التفضيلية، وذلك فى اطار الدور المنوط بالمجموعة لتكتل اقتصادى وتجارى قوى يعمل على تحقيق التنمية المستدامة والشاملة.
وكانت مصر حريصة على عضويتها فى مجموعة الثمانى الاسلامية النامية كأحدى المجموعات التى تدعم العمل المشترك وتضم فى دولا إسلامية ذات ثقل وزن كبير وهى إندونيسيا وايران وماليزيا وتركيا وباكستان ونيجيريا وبنجلاديش بالإضافة الى مصر، ويرجع تاريخ تأسيسها الى قمة رؤساء الدول بإسطنبول فى عام 1997، لتنطلق المجموعة من عدة أهداف تتمثل فى تحقيق التنمية الاجتماعية والاقتصادية من خلال تطبيق مبادئ السلام وتحسين أوضاع الدول الاقتصادية وزيادة المشاركة التجارية وتحسين مستويات معيشة الشعوب.
وتلعب مصر دورا محوريا فى تنسيق المواقف والسياسات داخل المجموعة لتعزيز التبادل التجارى والسلعى وتشجيع الاستثمارات والشراكات بين القطاع الخاص من دول المجموعة، كما استضافت مصر عدة فعاليات لدعم التعاون وتبادل الخبرات فى القطاعات الاقتصادية المختلفة واهمها قطاع الأسمدة والطاقة والبنية التحتية الى جانب تبادل السلع والخدمات.
وتعمل مصر على بذل كافة الجهود لدعم آلية اتخاذ القرار بالمجموعة والتغلب على كافة تحديات تفعيل اتفاقية التجارة التفضيلية بين دولها الثمانى إلى جانب توفير سبل زيادة التبادل العلمى فى مجالات البحث والتطوير فى قطاع الزراعة والامن الغذائى الذى يعد أحد المجالات الحيوية التى تعمل مجموعة دول الثمانى على تنميتها الى جانب المجالات المالية والخدمات المصرفية، والتكنولوجيا، والطاقة، والبيئة.
وتتقاطع عضوية مصر مع دول مجموعة الثمانية مع عضويتها فى عدة تجمعات اقليمية ودولية أخرى، ووفقا للاطار التنظيمى لمجموعة الثمانى الاسلامية، فان هذا التقاطع لا يتعارض مع أهداف المجموعة، ولكنه يدعمها ويعززها لزيادة قوتها وتأثيرها وقدرتها على تحقيق أهدافها.
وفى هذا الإطار، منحت الجمعية العامة للأمم المتحدة مجموعة الثمانى الاسلامية مركز المراقب، كما وقعت دول المجموعة إعلانا مشتركا مع منظمة الأمم المتحدة للتنمية الصناعية.
وتأتى عضوية مصر فى مجموعة الثمانى وتشترك فى عضويتها مع عدد من المنظمات والمؤسسات المالية، منها البنك الإسلامى للتنمية، والذى شهد توقيع عدد من مذكرات التعاون مع دول مجموعة الثمانى الاسلامية للتعاون فى عدد من المشاريع والبرامج الاقتصادية والاجتماعية وتقديم المساعدات الفنية والخبرات الى جانب التمويل.
وتعمل مجموعة الثمانى على تقوية أطر العمل التجارى بينها من خلال تطبيق اتفاقية التجارة التفضيلية والتى وقعت عليها الدول الاعضاء بالمجموعة، والتى تعطى مزايا جمركية وتسهيلات تجارية لدول المجموعة، مع طموحات للتوسع وزيادة التعاون من خلال تطوير نظم للدفع الموحد والسماح بالتعامل بين دول المجموعة بالعملات المحلية.
تكتسب القمة الحادية عشرة لمجموعة الدول الثمانى النامية للتعاون الاقتصادى والتى ستعقد فى مصر الخميس المقبل أهمية كبيرة خاصة مع تزايد التحديات العالمية والإقليمية، حيث تبرز أهمية تضامن هذه المجموعة كقوة إسلامية مؤثرة قادرة على تحقيق التوازن فى النظام العالمى وخدمة مصالح الدول الإسلامية والدول النامية.
والحقيقة أن المجموعة التى تسلمت مصر رئاستها فى مايو الماضي، وتستمر حتى نهاية العام المقبل، تمتلك الإمكانات لتصبح قوة إسلامية مؤثرة على الساحة الدولية، شريطة أن تعزز التعاون والتضامن بين أعضائها، عبر توحيد الجهود واستثمار الموارد المشتركة، وحينها يمكن لهذه المجموعة أن تسهم فى تحقيق التوازن فى النظام العالمي، وتعزيز احترام المجتمعات الإسلامية، وخدمة مصالح الدول النامية والاقتصادات الناشئة، ونتيجة لهذا فإن التضامن بين أعضاء المجموعة يتحول ليكون ضرورة لتحقيق هذه الأهداف الطموحة وليس خياراً.
فمجموعة الدول الثمانى النامية للتعاون الاقتصادى (D-8)، والتى تأسست عام 1997هى منظمة دولية تسعى إلى تعزيز التعاون بين 8 دول إسلامية نامية هى مصر، وبنجلاديش، وإندونيسيا، وإيران، وماليزيا، ونيجيريا، وباكستان، وتركيا؛ بهدف تحقيق تنمية اقتصادية مستدامة وتقوية العلاقات لتحقيق قوة جماعية تستطيع مواجهة التحديات المشتركة، فالدول الأعضاء تمتلك إمكانات كبيرة تشمل الموارد الطبيعية، والقوى العاملة، والموقع الجغرافى الاستراتيجي، ما يجعلها قادرة على التأثير فى الاقتصاد والسياسة العالمية إذا ما وحدت جهودها.
كما أن التضامن بين هذه الدول يخلق منصة لعرض القضايا التى تهم الدول الإسلامية، مثل تعزيز العدالة الاقتصادية، ومحاربة الفقر، وتقليل التبعية للدول الكبرى، ما يؤدى إلى خلق توازن عالمى يخدم مصالحها.
والحقيقة أنه إذا تم استثمار قدرات دول المجموعة بشكل فعال، يمكن أن تتحول إلى قوة محركة ومؤثرة فى النظام العالمي. وهذه الإمكانات تشمل الموارد الطبيعية حيث تمتلك بعض دول المجموعة ثروات نفطية وغازية ضخمة (مثل إيران ونيجيريا)، إضافة إلى موارد زراعية هائلة (مثل بنجلاديش وإندونيسيا).
كما تمتلك المجموعة القوة البشرية الهائلة فالدول الأعضاء مجتمعة تمتلك أكثر من مليار نسمة، ما يوفر سوقًا كبيرة وفرصًا هائلة للنمو الاقتصادي.
أيضاً فى مجال التكنولوجيا والصناعة تمتلك دول مثل ماليزيا وتركيا صناعات متقدمة وتكنولوجيا يمكن نقلها وتطويرها بالتعاون مع باقى الأعضاء.
وهنا نرى أنه من خلال استغلال هذه الموارد، يمكن للمجموعة أن تصبح لاعبًا رئيسيًا فى التجارة الدولية، ومصدرًا رئيسيًا للطاقة والغذاء، وبالتالى تؤثر على صنع القرار العالمي.
وتلعب المجموعة دورًا مهمًا فى خدمة مصالح الدول النامية والاقتصادات الناشئة، من خلال تعزيز التعاون الاقتصادى والتجارى بين أعضائها وتقليل الاعتماد على الأسواق الدولية الكبرى. كما تحظى المجموعة بفرصة حقيقية للتقليل من التبعية للدول الصناعية الكبرى ويقوى الاقتصادات المحلية عن طريق زيادة التجارة البينية داخل الدول الأعضاء، وتطوير التكنولوجيا المحلية ونقل المعرفة وتسريع الابتكار. والأهم هنا مع التطورات السياسية العالمية هو توحيد المواقف السياسية تجاه القضايا الدولية، مما يمنحها نفوذًا أكبر فى المنتديات العالمية مثل الأمم المتحدة ومنظمة التجارة العالمية، وهنا تبرز أهمية تلقى رئيس حكومة تصريف الأعمال اللبنانية نجيب ميقاتى دعوة من الرئيس عبد الفتاح السيسي، للمشاركة فى أعمال القمة والتى سيخصص الجزء الأكبر منها لبحث معالجة الاوضاع الانسانية فى كل من لبنان وغزة وايضاً لمسألة اعادة الإعمار بحسب سفير مصر لدى لبنان علاء موسى.
ولأن المجموعة صوتً قويً للدول الإسلامية على الساحة الدولية، فيمكنها أيضاً تقديم صورة إيجابية عن الإسلام كقوة حضارية تسعى للسلام والتنمية، مما يعزز احترام العالم لتلك الدول. علاوة على ذلك، يمكن للمجموعة أن تعمل على حل القضايا التى تؤثر على تلك الدول عالميًا، مثل مكافحة الإسلاموفوبيا وتعزيز التعليم والتنمية فى المجتمعات الإسلامية.
وفى النهاية فإن منظمة الدول الثمانى النامية منصة مهمة للتعاون الاقتصادى والتنمية المستدامة بين الدول الأعضاء. وعلى الرغم من التحديات التى تواجهها، فإنها تمتلك إمكانات هائلة لتعزيز النمو الاقتصادى وتحقيق الفائدة المشتركة يتطلب تحقيق هذه الأهداف المزيد من التنسيق والاستفادة من الإمكانات المشتركة، مما يسهم فى تحسين أوضاع شعوب الدول الأعضاء وتقوية حضورها على الساحة الدولية.