يمثل اجتماع مجلس الأمن الدولي، الذي عُقد مؤخرا بشأن بحث اقتراح الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريش، إرسال بعثة مراقبين دوليين جديدة إلى اليمن للإشراف على احترام اتفاق استكهولم، يمثل حلقة جديدة في سلسلة الاجتماعات الأممية، ويطرح تساؤلا عن مدى فاعلية البعثات الدولية في حسم الأزمة اليمنية، خاصة مع تباعد وتباين وجهات نظر الحوثيين بشأن إحلال السلام في اليمن وإدارة العملية السياسية.
إذ تضمن اقتراح جوتيريش، أن تضم اللجنة الجديدة 75 مراقبا يساندهم عناصر إداريون وأمنيون، وستراقب البعثة احترام الطرفين لوقف إطلاق النار وإعادة الانتشار المتبادلة للقوى الموجودة في مدينة الحديدة وفي مرفأيها الصليف ورأس عيسى، وذلك تطبيقا للاتفاقات التي تم التوصل إليها في ديسمبر في السويد، ومن المفترض أن تصل بعثة المراقبين الجديدة بحلول 20 يناير، وهو تاريخ انتهاء مهمة لجنة المراقبة.
وكان مجلس الأمن قد صوت بالإجماع على القرار الأممى رقم 2451 وقضى القرار بنشر فريق مكون من 16 مراقبا دوليا في اليمن بقيادة الجنرال الهولندي باتريك كاميرت، لمراقبة الالتزام بالهدنة فى الحديدة ولمدة 30 يوما، وتعزيز وجود الأمم المتحدة ورصد الالتزام بتنفيذ اتفاقيات ستكهولم ومراقبة التزامها بالجدول الزمنى لاتفاقيات “الحديدة وتبادل الأسرى وتعز”، ونص القرار على توقف إطلاق النار وإعادة الانتشار المتبادل للقوات بالحديدة ، ورفع تقرير أسبوعى عن أى خرق لاتفاقيات السويد.
وقد التزمت الحكومة الشرعية، والتحالف العربي في اليمن بتقديم كافة التسهيلات لإنجاح محادثات السويد وما ترتب عنها من اتفاقيات، وفي ذات الوقت وافق مجلس الأمن في الحادي والعشرين من ديسمبر المنصرم، على مشروع قرار بريطاني أمريكي لدعم اتفاقيات السويد، ودعا إلى نشر فريق من الأمم المتحدة لمراقبة وقف إطلاق النار في الحديدة.
ولكن مع استمرار الخروقات التي قام بها الحوثيون، تعقدت العملية السياسية من جديد، وبات الوضع الانساني في اليمن وضعاً مأساوياً كشفته التقارير الدولية، بعد اتباع جماعة الحوثي سياسة التسويف والمماطلة والالتفاف على اتفاق استوكهولم، وتضليل المنظمات الدولية من خلال نشر معلومات وبيانات غير دقيقة حول الأزمة الإنسانية في اليمن، وتعطيل جهود الإغاثة والدعم الإنساني للمنظمات الإنسانية في المناطق التي تحتلها، وهو ما دفع برنامج الغذاء العالمي، في نهاية ديسمبر الماضي، إلى اتهام الحوثيين بالاستيلاء على شحنات الإغاثة في المناطق الخاضعة لسيطرتها، وطالبها باتخاذ إجراء فوري للتصدي للتلاعب بالمساعدات الغذائية.
ثمة عدة اشكاليات تكتنف المشهد اليمني، يأتي في مقدمتها، أن القرارات الأممية لا تنصاع لها جماعة الحوثي وليس ثمة إلزامية قانونية تجبر الحوثيين على الانصياع لقرارات مجلس الأمن، باعتبار أن ما يقوم به يصب في مصلحة تحقيق الأمن والسلم في اليمن وإعادة الاعتبار للشرعية السياسية في اليمن والحفاظ على الكيان المؤسسي للدولة في اليمن هذا من جانب.
ومن جانب آخر يمارس الحوثيون سياسة إعادة التموضع في المشهد السياسي اليمني كشريك للحكومة، وليس كفصيل من بين فصائل سياسية عديدة، حيث سيتم تقاسم أغلب المهام معهم في المرحلة الأولى للاتفاق؛ لاسيما وأن الوفد الحوثي قدم مقترحا بتشكيل حكومة انتقالية من الأحزاب السياسية، وهو ما تم رفضه من جانب الحكومة الشرعية.
وهذا يعني سعي الحوثيين لنسف المرجعيات الثلاثة للعملية التفاوضية (المبادرة الخليجية، مخرجات الحوار الوطني، القرار الأممي 2216 )، الأمر الذي يفرض تحديات أمام المبعوث الأممي للعمل على انصياع الحوثيين للقرارات الأممية.
خاصة أن الحوثيين تمرسوا في انتهاج سياسة عرقلة وإفشال كل محاولات الحل السياسي للأزمة اليمنية، وهي المساعي التي تمت برعاية الأمم المتحدة وأطراف إقليمية ودولية مثل: سلطنة عُمان، والكويت لحل الأزمة اليمنية، وهنا تبدو في الأفق أن الكويت ستكون هي المحطة القادمة من محطات التسوية السياسية للأزمة اليمنية ، إذ يأمل غريفيث أن يتمكن خلال يناير الجاري من أن يجمع طرفي النزاع، مرة أخرى لاستكمال المفاوضات التي بدأت في السويد.
ثاني الاشكاليات تتمثل في هشاشة المواقف الدولية والإقليمية، حيث كشفت الممارسات السياسية للدول الكبرى أن تصرفها وممارسة أي ضغوط على الحوثيين مرتبط ارتباطاً وثيقاً بمصالحها وحساباتها في ملفات المنطقة الشائكة، فقد ركزت الولايات المتحدة على دعم وساطة الأمم المتحدة في اليمن، وتقديم المساعدات الإنسانية للشعب اليمني، ورغم توجه ترامب لزيادة الدعم المقدم لقوات التحالف العربي لاستعادة الشرعية في اليمن، إلا أن السياسة الأمريكية الآن يشوبها تعنت من الكونجرس لإنهاء الدعم الأمريكي للحرب في اليمن.
في حين يرتبط الموقف الروسي بالأزمة اليمنية بمصالحها وحساباتها السياسية والاقتصادية والأمنية مع إيران، فلم تمتنع فقط عن التصويت على قرار مجلس الأمن 2116 بفرض عقوبات على الحوثيين، بل استخدمت حق الفيتو لإجهاض مشروع قرار تقدمت به الولايات المتحدة وبريطانيا وفرنسا في مجلس الأمن خلال فبراير 2018، لإدانة إيران بسبب تهريبها أسلحة للحوثيين في اليمن.
أما الموقف الإيراني، فهو موقف هزيل، نظراً للارتباط الوثيق العقائدي بين الحوثيين وطهران، إذ كشفت الممارسات السياسية الإيرانية عن دعم غير مسبوق للحوثيين، وهو ما يشجعهم على مواصلة الانتهاكات والخروقات، وتنتهج طهران سياسة المساومة بالملف اليمني لتحقيق مكاسب في ملفات أخرى، وعلى رأسها تخفيف الضغوطات والعقوبات الأمريكية عليها في القضية النووية، فضلاً عن تواصلها مع قادة الحوثيين للتنسيق معهم بشأن أي مبادرات يتم طرحها للأزمة اليمنية.
يبقى القول أن المشهد اليمني سيكون مفتوحاً لفترة قد تطول أو تقصر، مع إصرار الحوثيين على انتهاج سياسة التسويف والمماطلة في تنفيذ القرارات الدولية، وربط مواقف القوي المؤثرة في المشهد اليمني بمصالحها وحساباتها من ملفات أخرى، مع قابلية وإلزامية كافة أطراف المشهد السياسي تنفيذ قرارات مجلس الأمن الدولي على أرض الواقع وإخضاع الطرف المناوئ للعقوبات القاسية.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط (أ ش أ)