تنشغل الدوائر الاستراتيجية والعسكرية برصد ردود روسيا إزاء انضمام فنلندا إلى حلف شمال الأطلسي (الناتو) وما الذي يدور في عقول صناع القرار في موسكو إزاء هذا التموضع الجديد للناتو قرب الأراضي الروسية، ويلقي انضمام فنلندا إلى الحلف بضغوط هائلة على الدفاعات الروسية على حدودها الغربية.
وحقيقة الأمر، فإن الدولة قبل إعلانها رسمياً عن الانضمام للحلف، وبالتحديد في ديسمبر 2021، أصبحت عنصراً بارزاً في قائمة عملاء مقاتلات الجيل الخامس F-35A، إذ طلبت آنذاك شراء 64 طائرة من تلك النوعية من الولايات المتحدة.
والمعروف أن المقاتلة F-35، التي طورت تحت رعاية البرنامج المشترك للمقاتلة الهجومية، قد تم تصميمها في الأساس لتنفيذ مهام الهجمات الجوية الأرضية، وتستغل في ذلك قدراتها الشبحية وتجهيزها بمنظومات حرب إلكترونية متقدمة، ما يجعلها تهديداً محتملاً، خصوصاً بالنسبة للدفاعات الجوية الروسية.
وفي هذا السياق.. أكدت مجلة (ميليتري ووتش) – في متابعتها – أن ردود الفعل الروسية حيال دخول فنلندا رسمياً لعضوية “الناتو” ظلت مثار تكهنات واسعة النطاق حتى قبل شهور من صدور قرار الانضمام ودخوله حيز التنفيذ.
وتلفت المجلة الأمريكية إلى أن المقاتلة F-35، بالذات، تمثل تهديداً مهماً نظراً لحقيقة أن كل المقاتلات من نفس الطراز، التي تعمل في أرجاء العالم، تشكل جزءاً من شبكة واحدة، بما يعني أن تشغيلها على مقربة من الحدود الروسية، حتى إذا كانت فنلندا ليست عضواً في الحلف، فإنه سيوفر بيانات استهداف مهمة لأعضاء حلف “الناتو”، بما فيها ترسانات صواريخ كروز الأمريكية العابرة في البحر أو في الجو.
وعلى نطاق واسع، تُثار تكهنات بأن روسيا ستلجأ إلى التوسع في نشر شبكات دفاع جوي متطورة، علاوة على قدرات وتجهيزات مدفعية وصاروخية أرض- أرض قادرة على استهداف القواعد الجوية التي سترابض فيها المقاتلات عند استلامها في النصف الثاني من العقد الحالي.
واستطردت أنه “ما بين ليلة وضحاها.. بمجرد الإعلان رسمياً عن انضمام فنلندا لتصبح عضواً كاملاً في حلف (الناتو) في الرابع من أبريل الجاري” تضاعفت حدود الحلف مع روسيا لتصبح أكثر من 1600 ميل (بما يعادل نحو 2600 كيلومتر)، في وقت بلغت فيه التوترات الروسية مع الغرب ذروتها منذ اندلاع الحرب الأوكرانية.
وترصد المجلة أن إحدى الإرهاصات الأولى التي بادرت روسيا بها، تمثلت في الإعلان المبكر لوزير الدفاع الروسي، سيرجي شويجو، أنه سيتم تشكيل فيلق عسكري جديد في منطقة كاريليا بالقرب من مدينة سانت بطرسبرج، المتاخمة للحدود الروسية الفنلندية.
ويتألف الفيلق الجديد من ثلاث فرق مشاة ميكانيكية تابعة للقوات البرية الروسية، وفرقتي مظلات، مدعومتين من قوات المظلات الروسية التي ستشكل العصب الرئيسي للقوة القتالية.
ونقلت وسائل إعلام روسية محلية عن ضباط عسكريين تأكيدهم أنه من المرجح بقوة أن تشكل وحدات المدفعية والقوات الصاروخية، ولاسيما منظومة الصواريخ الباليستية الروسية الشهيرة “إسكندر”، القوة القتالية المركزية لتقوية القوات الروسية الموجودة في تلك المنطقة الحدودية التي تمتد إلى نحو 1340 كيلومتراً (800 ميل).
ويقول الكولونيل ميخائيل خوداريونوك، في تصريح لمحطة “آر تي” الروسية: “من المرجح أن تضم تلك التشكيلات الجديدة كتائب لمنظومات صواريخ “إسكندر-إم”، ومدفعية ثقيلة قادرة على إطلاق قذائف نووية”.
وفي الإشارة إلى استخدام القوات النووية لتعويض قصور القدرات التقليدية، يتابع خوداريونوك قائلاً “في ضوء تفوق الناتو على صعيد القوات التقليدية، فإن موسكو ستحسن تقديرها إذا درست زرع ألغام نووية أرضية على امتداد حدود الدولة مع العضو الجديد في الحلف (فنلندا)”.
وذهب إلى تفسير كلامه بالقول “إن أي عملية دفاعية على هذا القدر يتعين الموافقة عليها أولاً. وينبغي تشكيل كل الوحدات العسكرية وتخطيط انتشارها. أما بقية الأعمال اللازمة للتنفيذ والتي تتضمن التنسيق، وسلسلة القيادة والسيطرة، علاوة على توفير جميع سبل الإمداد والدعم اللوجيستي العسكري. ومن الطبيعي أن النفقات المصاحبة لهذه العملية ستكون كبيرة. لكن في مثل تلك الحالة، تأتي مصالح الدفاع والأمن القومي في المقدمة بكل وضوح”.
وفي الليلة التي سبقت إعلان انضمام فنلندا رسمياً إلى الحلف، أطلق نائب وزير الخارجية الروسي ألكسند جروشكو تحذيراته قائلاً “إذا قامت دولة أخرى بنشر قواتها وعتادها على أراض فنلندية، سوف نتخذ خطوات إضافية لضمان أمن روسيا”.
ويقول المراقبون إنه ليس من المؤكد ما إذا كانت هناك نوايا لإحداث زيادة مهمة في القوات من دول غربية على الأراضي الفنلندية، حسبما تؤكد التقارير الأمريكية، التي أشارت كذلك إلى أنه حتى في حال عدم حدوث ذلك، فإن مجرد عضوية الدولة في الحلف، وشراءها لمقاتلات F-35 يمثلان حدثاً فارقاً في الوضع الأمني لروسيا على حدودها الغربية.
وتشير التقارير الأمريكية إلى أنه في ضوء ضعف قدرات الرد المتماثل نتيجة صغر حجم القوات التقليدية الروسية، فمن المتوقع أن تعتمد موسكو بكثافة على عتاد عسكري من نوعية منظومات الدفاع الجوي الأرضية المتحركة، ومنظومات الصواريخ الباليستية التكتيكية، مثلما فعلت بشكل مستمر في مسارح عمليات وجبهات أخرى، امتدت من سوريا إلى كوريا، عند مواجهتها للقوات الغربية.
المصدر: أ ش أ