يفتتح الرئيس عبدالفتاح السيسى متحف الفن الإسلامى، بعد ثلاثة أعوام من إغلاقه، حيث شهدت القاهرة وتحديدا فى يوم الخميس 24 يناير لعام 2014 تفجيرا هائلا، دمر واجهة المتحف.
كان إرهابيون قد تركوا سيارةً مفخخة استهدفت مبنى مديرية أمن القاهرة الذى يبعد حوالى 20 مترًا عن المدخل الرئيسى لمتحف الفن الإسلامى، وتسبب الانفجار فى تدمير أجزاء كبيرة من متحف الفن الإسلامى بباب الخلق فى قلب القاهرة التاريخية.
حدث هذا بعد شهور قليلة من الانتهاء من تطوير المتحف والذى تكلف، حسب بيانات وزارة الآثار، أكثر من 107 ملايين جنيه، والوزارة نفسها أكدت بعد حادث التفجير إلى أن المتحف بحاجة لأضعاف المبلغ السابق، لإعادته إلى ما كان عليه، نتيجة الدمار الذى تعرض له.
وقد أسفرت التقديرات الأولية للحادث وقتها، عن تحطم معظم ديكورات المتحف الداخلية، وتساقط الأسقف، وتهشم للزجاج الخارجى للمبنى، كما تهشمت الواجهات الزجاجية المعدة لعرض المقتنيات الأثرية، والتى تهشم العديد منها بالفعل، وكان من بينها المحراب الخشبى النادر للسيدة رقية الذى تحطم بالكامل.
يمثل متحف الفن الإسلامى بالقاهرة أكبر متحف إسلامى فى العالم، ويضم مجموعات متنوعة من الفنون الإسلامية من الصين وإيران والهند، وكذا شمال إفريقيا والجزيرة العربية ومصر والشام والأندلس، ويأتى افتتاحه كتتويج لتكاتف جميع الجهود في الوقوف أمام الإرهاب عبر رسالةٍ مفادُها أن الخير والحب والفن والجمال هى القيم الأبقى، وقد تبرعت منظمة اليونسكو بمبلغ ضخم لترميم القطع الأثرية وإعادة المتحف للعمل من جديد.
فقد متحف الفن الإسلامى بعد هذا العمل الإرهابى البغيض مجموعة مهمة من المقتنيات الأثرية والتاريخية منها محراب السيدة رقية، الذى يمثل أقدم محراب خشبى فى العالم، وكرسى محمد بن قلاوون، ومشكاوات السلطان حسن، وإبريق محمد بن مروان، وبعض مشاهد العزف والغناء المرسومة على جدران القصور الفاطمية، وأكثر مقتنيات الخزف الإسلامى جمالًا فى العالم.
أول فكرة لإنشاء متحف للفنون والآثار الإسلامية ظهرت عام 1869م فى عصر الخديوى إسماعيل، وكان فرانتز باشا قد جمع التحف الأثرية التى ترجع إلى العصر الإسلامى فى الإيوان الشرقى لجامع الحاكم بأمر الله، وازداد الاهتمام بجمع التحف بإنشاء لجنة حفظ الآثار العربية عام 1881م واتخذت من جامع الحاكم مقرًا لها.
غير أن ضيق المساحة فى صحن الجامع، جعل الأنظار تتجه إلى إنشاء المبني الحالى فى ميدان باب الخلق ليسمى “دار الآثار العربية”، وتم وضع حجر الأساس سنة 1899م، وانتهى البناء سنة 1902، ثم نُقلت التحف إليه، وافتتحه الخديوى عباس حلمى فى 28 ديسمبر سنة 1903.
سنة 1882ضم المتحف 111 تحفة فنية، وتزايد هذا العدد تدريجيًا حتى بلغ قرابة الـ3000 تحفة عند افتتاح الدار سنة 1903، وتوالت بعد ذلك الإهداءات من الأمراء والملوك والهواة، ثم تغير اسم “دار الآثار العربية” إلى “متحف الفن الإسلامى”، نظرًا لأن الفن الإسلامى يشمل جميع الأقاليم الإسلامية العربية وغيرها على امتداد الإمبراطورية الإسلامية.
تم توزيع التحف المعروضة فى 25 قاعة مقسمة حسب العصور والمواد، حيث خُصص الجانب الأيمن للداخل من الباب الرئيسى للمتحف الفن الإسلامى فى مصر بداية من العصر الأُموى وحتى نهاية العصر العثمانى، بينما يضم الجانب الأيسر قاعات عرض خصصت للفنون الإسلامية خارج مصر فى تركيا وإيران (بلاد فارس)، وكذلك قاعات نوعية منها قاعة للعلوم وقاعة للهندسة وأخرى للمياه والحدائق، والكتابات والخطوط، وتركيبات وشواهد القبور والتوابيت المختلفة فى العصور والبلدان الإسلامية.
100 ألف تحفة فنية بديعة كانت شاهدة على 12 قرنًا هجريًا، ضمها المتحف الذى يمتلئ بتحف مختلفة المنشأ، فضلًا عن مكتبة بالدور العلوى حوت مجموعة من الكتب والمخطوطات النادرة باللغات الشرقية القديمة مثل الفارسية والتركية، ومجموعة أخرى باللغات الأوروبية الحديثة كالإيطالية والفرنسية والألمانية والإنجليزية، ومجموعة كتب فى الآثار الإسلامية والتاريخية، حيث تضم المكتبة أكثر من 13 ألف كتاب.
تم تزويد المتحف لاحقًا بعدد كبير من محتوياته عن طريق الهبات التى تبرع بها أبناء الأسرة العلوية، مثل الملك فؤاد الذى قدم مجموعة ثمينة من المنسوجات والأختام، والأمير محمد على، والأمير يوسف كمال، والأمير كمال الدين حسين، ويعقوب آرتين باشا، وعلى إبراهيم باشا، الذين زودوا المتحف بمجموعات كاملة من السجاد الإيرانى والتركى والخزف والزجاج العثمانى، ومن أحدث مقتنيات المتحف كنوز لسيدات حملت بعض البيوت الأثرية بالقاهرة أسماءهن، مثل السيدة زينت خاتون، ومن هذا المنزل تم اقتناء العملات الذهبية والفضية.
تم الاعتماد فى تقسيم متحف الفن الإسلامى داخليًا على العصور المتعاقبة والعناصر الفنية والطرز، من الأموى والعباسى والأيوبى والمملوكى والعثمانى، وقد قُسِّم إلى 10 أقسام وَفقًا للعناصر الفنية وهى
النسيج والسجاد، الحُلى، الزخارف، السلاح، الأحجار الكريمة، العملات، المعادن، الأخشاب والرخام.
تمثل الشمعدانات المملوكية، وإسطرلاب “من أدوات الفلك”، والطسوت، والثريات، والكراسى، جانبًا مهما من مقتنيات المتحف من المعادن الإسلامية، وكلها محلاة بالذهب والفضة ومزينة بالكتابات والزخارف الإسلامية، ومنسوبة إلى السلاطين والأمراء، كما يضم المتحف المعدنية إبريق مروان بن محمد آخر الخلفاء الأمويين، ويمثل هذا الإبريق آخر ما وصل إليه فن صناعة الزخارف المعدنية فى بداية العصر الإسلامى، وهو مصنوع من البرونز ويبلغ ارتفاعه 41 سم وقطره 28 سم.
كما يحتوى المتحف على مفتاح الكعبة المشرفة من النحاس المطلى بالذهب والفضة باسم السلطان الأشرف شعبان، وكذا أقدم دينار إسلامى تم العثور عليه حتى الآن، حيث يعود إلى العام 77 هجرية، إضافة إلى مجموعة متميزة من المكاحل والأختام والأوزان من بداية العصر الإسلامى الأموى والعباسى، ونياشين وأنواط وقلائد من العصر العثمانى وأسرة محمد على.
يضم المتحف نماذج من الزجاج الإسلامى الذى انتشر فى مصر والشام وخصوصًا فى العصرين المملوكى والأيوبى، وضم مجموعة نادرة من المشكاوات المصنوعة من الزجاج المموه بالمينا، وتمثل واحدةً من أهم نماذج فن الزجاج، إضافةً إلى نماذج من الزجاج المعشق التى تعكس إبداع الفنان المسلم فى هذا المجال، حيث يوجد الزجاج المعشق الهندى الذى يعبر عن علاقة الروح بالعقيدة فى هذه الأنماط.
مجموعة كبيرة من الصوف والحرير ترجع إلى الدولة السلجوقية والمغولية والصفوية والهندية المغولية فى فترة القرون الوسطى الميلادية، ومجموعات قيمة من السجاجيد، يضمها قسم النسيج فى العرض الداخلى للمتحف، وهناك النسيج القباطى المصرى الذى يعد من أهم وأقد وأشهر المنسوجات المزخرفة ويمثل أول محاولة للحصول على زخرفة نسجية مكونة من لونين أو أكثر، وكذلك نسيج الفيوم، ونسيج الحرير والديباج، والطراز الطولونى من العصرين الأموى والعباسى، ونسيج الإضافة من العصر المملوكى، إضافةً لمجموعات قيمة من السجاجيد من الصوف والحرير ترجع إلى الدولة السلجوقية والمغولية والصفوية والهندية المغولية فى فترة القرون الوسطى الميلادية.
1170 مخطوطة نادرة، تنتمى لمصر والمغرب والهند وإيران لإيران ومصر والمغرب والهند وإسبانيا وغيرها، وتنقسم إلى مجموعات، منها مجموعة مصاحف متنوعة كبيرة بعضها من مصر وبعضها من دول أخرى، مثل إيران والمغرب وإسبانيا.
يضم القسم أيضًا أقدم مصحف يرجع إلى العصر الأموى فى القرن الأول وبداية الثانى الهجرى، وهو مكتوب على عظم الغزال ودون تشكيل أو تنقيط، لأن هذه الطريقة كانت سائدة فى تلك الفترة، إضافة إلى مجموعة من المصاحف الفريدة التى أبدع فيها الفنان المسلم، مزيّنةً بزخارف بديعة ذات أساليب فنية متنوعة، منها الضغط والتذهيب والتلوين والتخريم والتفريغ، فصارت أول صفحتين من المصحف لوحة جمالية يبدعها أربعة فنانين، هم الخطاط والمذهب والمصور والمجلد.
ومن المخطوطات النادرة التى يضمها المتحف كتاب “فوائد الأعشاب” للغافقى، ومصحف نادر من العصر المملوكى، وآخر من العصر الأموى مكتوب على رق الغزال، إضافة إلى نحو 70 نوعًا من الخطوط منها خطوط لياقوت المستعصمى، أشهر الخطاطين، والشيخ عبد العزيز الرفاعى آخر الخطاطين العظماء فى مصر.
يحتوى المتحف أنواعًا من الخزف والفخار الذى كان بمصر منذ العصر الأموى، ونتائج حفائر الفسطاط، وخزفًا ذا بريق معدنى، اشتهر فى العصر الفاطمى والمملوكى، وكذا الخزف الإيرانى، والخزف والفخار العثمانى المنسوب إلى “رودس وكوتاهية”، وخزف إيران طراز سلطان آباد والبورسلين الصينى.
تضم قاعة المتحف أسلحة السلاطين والخلفاء الذين كانت لهم بطولات فى الحفاظ على الحضارة الإسلامية، منهم السلطان العثمانى محمد الثانى “الفاتح”، وسيفه الذى تقلده عند فتحه القسطنطينية، وعليه كتابات تدعو إلى العدل والعطف على الفقراء والمساكين.
يحتوى متحف الفن الإسلامى على أخشاب من العصر العباسى بمصر، وخصوصًا فى العصر الطولونى الذى يتميز بزخارفه التى تسمى “طراز سامراء” وهو الذى انتشر وتطور فى العراق، فهو يستخدم الحفر المائل أو المشطوف لتنفيذ العناصر الزخرفية على الخشب أو الجص وغيرها، ومجموعات من الخشب الأُموى الذى زخرفه المصريون بطرق التطعيم والتلوين، والزخرفة بأشرطة من الجلد والحفر، ومنها أفاريز خشبية من جامع عمرو بن العاص ترجع إلى عام 212 هجرية، وتتنوع التحف فى هذا القسم ما بين المنابر الأثرية من العصر الفاطمى والأيوبى والمملوكى، والأحجبة الخشبية، وكراسى المقرئين الموجودة بالمساجد والجوامع الأثرية، كما يحتوى المتحف على منبر “طاطا” الحجازية، وهو المنبر الذى ينتمى إلى أسرة السلطان قلاوون، ومجموعات الصناديق الخشبية تخص السلاطين والأمراء المسلمين، وجميعها منفذة بطرق الحشوات المجمعة والتجليد والتذهيب والحفر والتجسيم، وتدل التحف الخشبية التى يضمها المتحف على تطور زخارف سامراء، وهى تحف نادرة، لم يُعثر على مثيلها فى سامراء العراق نفسها.
يحتوى متحف الفن الإسلامى على مجموعة من الأدوات الطبية، مثل أدوات علاج الأنف، والجراحة، وخياطة الجروح، وعلاج الأذن، وملاعق طبية، وضاغط للسان، إضافة إلى رسومات تبين جسم الإنسان، ودور كل عضلة من العضلات، فضلًا رسائل فى علم الصيدلة والطب، ورسائل طب الأعشاب، كذلك مجموعة نادرة من أدوات الفلك والهندسة والكيمياء والأدوات الجراحية والحجامة التى كانت تستخدم في العصور الإسلامية المزدهرة، إضافة إلى أساليب قياس المسافات كالذراع والقصبة، وأدوات قياس الزمن مثل الساعات الرمليةكما توجد بالمتحف علبة من النحاس كان يتم استخدامها فى تحديد اتجاه القبلة قُبيل الصلاة، إضافة إلى علبة من الخشب بداخلها مؤشر وإبرة مغناطيسية كانت تستخدم لتحديد اتجاه مكة المكرمة والقبلة من كل الاتجاهات، وعلى قسمها العلوى صورة للكعبة المشرفة.
وقد تمت عملية ترميم المتحف بمساعدة خبراء متخصصين فى ترميم قطع الفسيفساء والنافورات الرخامية، ليعاد افتتاحه بعد آثار التفجير التى لحقت به، فى بانورما عرض جديدة، وإضافة العديد من المقتنيات.
المصدر: وكالات