يبدأ الرئيس الفرنسي ايمانويل ماكرون غدا الخميس زيارة لروسيا تستمر يومين بدعوة من نظيره الروسي فلاديمير بوتين للمشاركة في منتدى “سان بطرسبورج” الاقتصادي الدولي و ذلك بعد مرور عام على اللقاء الأول بين الزعيمين بفرساي في فرنسا.
و من المقرر أن يعقد ماكرون و بوتين جلسة مباحثات ثنائية ” على هامش المنتدى يليها لقاء موسع يضم وفدي الجانبين لبحث القضايا الدولية لا سيما الملفين الإيراني و السوري و العلاقات الثنائية و اعتماد عدد من الاتفاقات في المجالات الثقافية و الجامعية والرياضية و الاقتصادية.
و سيشارك ماكرون الجمعة في منتدى “سان بطرسبورج” الذي يحل عليه ضيفاً شرفياً و يعد الحدث الاقتصادي الأبرز في روسيا ويجمع كل عام العديد من الفاعلين الاقتصاديين الدوليين ، كما يحضره رئيس الوزراء الياباني شينزو آبي و أكثر من 100 ممثل للقطاع الاقتصادي و المجموعات الكبرى في فرنسا بالإضافة إلى مديرة صندوق النقد الدولي كريستين لاجارد.
و سيلتقي ماكرون برؤساء الشركات الفرنسية و الروسية و كذلك بمثقفين و ممثلين عن المجتمع المدني في “سان بطرسبورج” التي تعد “نافذة لروسيا على أوروبا”.
كما يشارك ماكرون- خلال زيارته الأولى لروسيا التي ترافقه فيها قرينته “بريجيت”- في مراسم إحياء ذكرى الحرب العالمية الثانية في روسيا و تعرض مدينة لينينجراد (سان بطرسبورج الآن) للحصار من قبل قوات دول المحور. كما سيحضر مراسم تكريم مصمم الرقص الفرنسي “ماريوس بوتيبا” الذي عاش معظم حياته في روسيا و ذلك بمناسبة مرور 200 عام على ميلاده عام 1818 بمارسيليا بجنوب شرق فرنسا.
و يضم الوفد المرافق للرئيس الفرنسي عدداً من الوزراء منهم وزيرا الخارجية جون ايف لودريان و الثقافة فرانسواز نيسين إضافة إلى رئيسي مجموعتي الصداقة الفرنسية الروسية في غرفتي البرلمان (الجمعية الوطنية و مجلس الشيوخ) و ممثلي الشركات الصغيرة والناشئة و شخصيات فرنسية مرتبطة بعلاقات وثيقة مع روسيا مثل الوزير الفرنسي الأسبق جون بيير شوفينمان و باحثين ليسوا بالضرورة متخصصين في الشؤون الروسية مثل “جيل كيبيل” الخبير في دراسات الإسلام السياسي بالشرق الأوسط.
وبالرغم من التباين في المواقف بين باريس و موسكو حول بعض الملفات، إلا أن الحوار مستمر بينهما و قد أبدى قادة البلدين رغبتهما في إقامة حوار بناء و صريح و العمل سويا.
كما يؤكد بوتين و ماكرون تمسكهما بالحفاظ على الاتفاق النووي الإيراني بعد انسحاب واشنطن منه إلا أن الأول يطالب بتنفيذه الصارم فيما يدعو الرئيس الفرنسي إلى التحاور بشأن اتفاق موسع يشمل مراقبة النشاط النووي بعد عام 2025 و البرنامج الباليستي لإيران ودورها في المنطقة لا سيما في سوريا و اليمن.
وكانت الفترة الماضية قد شهدت اتصالات مكثفة بين البلدين سواء على مستوى القادة أو الوزراء أو المستشارين في ظل الأزمات المستمرة و التطورات الدولية المتلاحقة.
ويرغب الرئيس ماكرون في التوصل مع بوتين لنقاط توافقية تتيح المضي قدما نحو حلول مشتركة للأزمات الدولية و خاصة بشأن الاتفاق النووي الإيراني و سوريا و أوكرانيا، حيث أن روسيا عضو دائم بمجلس الأمن الدولي و حاضرة بقوة في الشرق الأوسط لا سيما في سوريا، كما أن لموسكو علاقات وثيقة مع طهران.
وهناك توافق في وجهات النظر بين باريس وموسكو حول ضرورة الحفاظ على الاتفاق النووي الايراني و إعادة دفع المسار السياسي في سوريا و إلى مساع فرنسية لجمع كافة الأطراف السورية حول مائدة التفاوض و تجنب التصعيد بين بعض القوي الإقليمية على الأراضي السورية.
و فيما يتعلق بأوكرانيا، تدعم فرنسا تطبيق اتفاقات “مينسك” للسلام بشقيها السياسي و الأمني ، كما تسعي بالتعاون مع المانيا لاحتواء التوترات المستمرة التي توقع المزيد من القتلى بسبب الخرق المتكرر لوقف اطلاق النار.
وحول العلاقات الثنائية ، تسعي فرنسا لدفع علاقات التعاون مع روسيا في كافة المجالات لا سيما الاقتصادية و الثقافية دون الإخلال بالعقوبات الأوروبية و الدولية المفروضة على موسكو و ذلك انطلاقاً من حرصها على عدم تأثر هذه العلاقات بالخلافات في القضايا السياسية. كما تتطلع باريس لفتح افاق جديدة للتعاون مع روسيا لا سيما في الابتكار، و ذلك في الوقت الذي حمل فيه “حوار تريانون” هذا العام عنوان “مدينة المستقبل” و ما يتضمنه من تطوير حضري و في النقل، بحسب المصادر التي أشارت، من ناحية أخرى، الى نجاح التعاون بين البلدين في مجالات الطاقة و الفضاء.
وتهتم الشركات الفرنسية بالعمل في ورسيا ، وتعتزم المشاركة بكثافة في المنتدي الاقتصادي المرتقب في سان بطرسوبورج أكبر مدينة روسية .
و جدير بالذكر أن زيارة ماكرون لروسيا تأتي في أعقاب قضية الجاسوس الروسي المزدوج السابق “سكريبال” و الضربة العسكرية الثلاثية التي شنتها في سوريا كل من الولايات المتحدة و بريطانيا و فرنسا. كما تجيء في أعقاب أزمة انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي الايراني الموقع في 2015 و التصعيد في المنطقة بين ايران و اسرائيل.
و كان ماكرون و بوتين التقيا بقصر “فرساي” بضواحي باريس في 29 مايو 2017 حيث أجرى الجانبان مباحثات حدد خلالها الرئيس ماكرون الأسس التي يرغب في أن تقوم عليها العلاقات الثنائية و كذلك ما يمثله استخدام الأسلحة الكيميائية من خط أحمر بالنسبة لفرنسا و ضرورة التعاون لحل الأزمات الدولية لا سيما الخاصة بسوريا و أوكرانيا و إيران اليوم.
كما شهدت قمة فرساي الإعلان عن “حوار تريانون” أو (المنتدى الفرنسي الروسي للمجتمعات المدنية) بين البلدين وسمي باسم القصر الذي نظم فيه معرض للاحتفال بمرور 300 عام على زيارة القيصر الروسي بطرس الأكبر إلى فرنسا. و يهدف هذا المنتدى إلى تمكين الشباب و الفاعلين الاقتصاديين و المثقفين و المفكرين من البلدين من التحاور و التقرب لتجاوز اي سوء فهم حول بعض القضايا.
المصدر: أ ش أ