على الرغم من الانتقادات شديدة اللهجة من عدة دول أوروبية بعدم شرعية الانتخابات الرئاسية، التي أجريت أمس الأول الأحد في فنزويلا، إلا أن المجلس الوطني للانتخابات في فنزويلا أعلن فوز الرئيس نيكولاس مادورو بولاية رئاسية ثانية في الفترة من عام 2019 وحتى 2025، وذلك بعد حصوله على 67.7% من الأصوات متقدما بفارق شاسع على منافسه الرئيسي هنري فالكون، الذي حصل على 21.2% من الأصوات.
ومن جانبه، أعلن فالكون المنافس الأبرز للرئيس الفنزويلي مادورو، رفضه الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية، مؤكدا أنها تفتقر إلى الشرعية.. مطالبا بإعادتها قبل نهاية العام الجاري، حيث شارك في الانتخابات الرئاسية في فنزويلا 4 مرشحين، هم: الرئيس الحالي مادورو، ومنافسه الرئيسي فالكون الذي ترشح رغم دعوة المعارضة لمقاطعة الانتخابات، والمهندس رينالدو كيهادا، والقس السابق خافيير بيرتوتشي.
وتوالت ردود الأفعال الأوروبية معلنة عدم الاعتراف بنتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية، فأكد رئيس تشيلي سيباستيان بينيرا أن بلاده لا تعترف بنتائج الانتخابات الرئاسية التي أجريت في فنزويلا، وكتب عبر صفحته على موقع التواصل الاجتماعي (تويتر) “إن الانتخابات في فنزويلا لا تفي بأدنى المعايير الديمقراطية الحقيقية، فهي ليست انتخابات نزيهة وشرعية، ولا تمثل الإرادة الحرة والسيادية للشعب الفنزويلي، مثل معظم البلدان الديمقراطية”.
ومن جانبها، وصفت الخارجية الأمريكية الانتخابات الرئاسية في فنزويلا بأنها “غير شرعية”، وقالت المتحدثة باسم الخارجية الأمريكية هيزر نويرت، عبر حسابها الرسمي علي (تويتر) “إن ما يسمى انتخابات اليوم في فنزويلا عديمة الشرعية، وتقف الولايات المتحدة مع جميع الدول الديمقراطية إلى جانب الشعب الفنزويلي وحقه السيادي في اختيار ممثلين عنه عبر انتخابات حرة ونزيهة”.
وكانت الولايات المتحدة قد فرضت حزمة جديدة من العقوبات على أربعة مواطنين فنزويليين وثلاث شركات مرتبطة بأحدهم، متهمة الحكومة الفنزويلية بقمع المعارضة السياسية، حيث وقع الرئيس الأمريكي دونالد ترمب مرسوما ينص على فرض مزيد من العزلة الاقتصادية على النظام في فنزويلا، وذلك غداة إعادة انتخاب الرئيس نيكولاس مادورو في عملية وصفتها واشنطن بأنها “غير شرعية”.
وفي سياق متصل، اعتبر مايك بنس نائب الرئيس الأمريكي أن الانتخابات في فنزويلا “مهزلة”.. قائلا “إن الانتخابات في فنزويلا مهزلة، وليست حرة ولا عادلة، والنتيجة غير الشرعية، وهي ضربة جديدة للتقليد الديمقراطي العريق في فنزويلا، لافتا إلى أن الولايات المتحدة لن تبقى مكتوفة اليدين في وقت تنهار فنزويلا، ولايزال الشعب الشجاع ضحية البؤس”، علي حد تعبيره.
وبدوره، توعد وزير الخارجية الأمريكي مايك بومبيو، بفرض مزيد من العقوبات على فنزويلا.. وقال “إن الولايات المتحدة تقف إلى جانب الدول الديمقراطية دعما للشعب الفنزويلي، وستتخذ تدابير اقتصادية ودبلوماسية سريعة دعما لاستعادة هذا الشعب ديمقراطيته”.
ومن جهتها، أعلنت دول أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي عن رفضها الاعتراف بالانتخابات الرئاسية في فنزويلا، داعية إلى اتخاذ إجراء دبلوماسي ومالي ردا على ذلك.. وأعربت مجموعة (ليما)، وهي تحالف مكون من 14 دولة في أمريكا اللاتينية ومنطقة الكاريبي، عن تنديدها بالتوصيت في الانتخابات الرئاسية في فنزويلا.. كما تعهدت مجموعة الدول، التي من بينها الأرجنتين والبرازيل والمكسيك وكولومبيا، بتقليل مستوى علاقاتها الدبلوماسية مع فنزويلا.
وانتقدت بريطانيا أيضا نتائج الانتخابات الرئاسية الفنزويلية، واصفة الانتخابات بأنها “لم تكن حرة ولا عادلة”.. وقال وزير الخارجية البريطاني بوريس جونسون “إنه يشعر بخيبة أمل كبيرة لإصرار الرئيس مادورو على إجراء انتخابات “معيبة” لضمان بقائه رئيسا دون منافسة حقيقية، موضحا أن هذه الممارسات لن تؤدي إلا لإضعاف النظام الديمقراطي، داعيا إلى إطلاق سراح السجناء السياسيين واحترام آراء القوى السياسية، معربا عن قلقه الشديد إزاء الأزمة الإنسانية والاقتصادية التي تتفاقم يوما بعد يوم في فنزويلا.
وفي المقابل ، أكدت وزارة الخارجية الروسية أن الانتخابات الرئاسية التي أجريت في فنزويلا خطوة مهمة في حياة الشعب الفنزويلي، لافتة إلى أنها تمت بنجاح.
وقال مدير قسم شؤون أمريكا اللاتينية في وزارة الخارجية الروسية ألكسندر شتينين “لدى موسكو معلومات مبنية على معطيات رسمية للمجلس الوطني للانتخابات الفنزويلية تفيد بأن نيكولاس مادورو فاز بثلثي أصوات الناخبين، مؤكدا أن نتائج الانتخابات هي معيار لا يمكن التراجع عنه”.. وأشار إلي أن الانتخابات تمثل خطوة مهمة في حياة الشعب الفنزويلي وتمهد الظروف الضرورية لحل المسائل المعقدة التي تواجهها البلاد، وخاصة في المجالين الاقتصادي والاجتماعي.
يشار إلى أن فنزويلا تعيش واقعا متدنيا وأوضاعا اقتصادية طاحنة وأزمة سياسية تكاد تفتك بالمجتمع الفنزويلي وتضعه على حافة الهاوية بسبب تفاقم سوء الأحوال الميعشية في مواجهة النقص المزمن للمواد الأساسية والغدائية بعد الهبوط الحاد في أسعار النفط، والذي يعتبر محرك النشاط الاقتصادي في البلاد.
وأصبحت فنزويلا في ورطة كبيرة بعد تراجع عائداتها من صادراتها النفطية، حيث انخفضت إلى ما دون 43 مليار دولار في عام 2015 مقابل 74 مليار دولار عام 2014، كما أن عليها تسديد دين مستحق في العام الجاري بقيمة 10 مليارات دولار.. وقد باتت فنزويلا الآن صاحبة أكبر تضخم في العالم بنسبة 100%.
يذكر أن قوة الاقتصاد الفنزويلي قبل انهياره، والتي استند عليها الرئيس الفنزويلي السابق هوجو تشافيز طيلة فترة حكمه، كانت عبر النفط.. فاعتمدت فنزويلا اعتمادا كليا على البترول كمصدر وحيد لاقتصادها وناتجها الإجمالي، فمثلا شروع المليون وحدة سكنية لدعم محدودي الدخل الذي سعى تشافيز له لدعم شريحة الفقراء وغيرها من المشروعات كان ممولا من شركات النفط، إلا أن هذه المشاريع لم تجلب عوائد استثمارية للبلاد.
كما أن سياسة تشافيز في التأميم والمصادرة دفعت المستثمرين للهروب برؤوس أموالهم الضخمة إلى الخارج، ما أدى إلى انهيار القطاع الخاص.. ويبدو إن نظرة تشافيز التكتيكية للاقتصاد كانت على حساب الاستراتيجية ومن ثم سيدفع ثمنها الرئيس نيكولاس مادورو خليفته في الحكم.
المصدر : أ ش أ