في الوقت الذي تشهد فيه العلاقات بين الولايات المتحدة الأمريكية والصين توتراً متصاعداً يحمل بين طياته نذر حرب تجارية بين البلدين على خلفية سريان قرار الرئيس الأمريكي دونالد ترامب بفرض رسوم حمائية على واردات واشنطن من الصلب الصيني بنسبة 25 % وصفائح الألومونيوم بنسبة 15%، فإن العلاقات بين الصين وكوريا الشمالية تشهد دفعة قوية تمثلت في زيارة الرئيس الكوري الشمالي كيم جونج أون لبكين ومباحثاته مع الرئيس الصيني شي جين بينج، إذ تتمحور أهمية الزيارة في كونها تسبق القمة بين الكوريتين في أبريل المقبل والقمة بين كوريا الشمالية والولايات المتحدة في مايو المقبل.
وتعمل هذه التحركات على إعادة هيكلة وبناء العلاقات بين كل من بيونج يانج وسول وواشنطن وبكين، الأمر الذي يؤثر على العالم برمته وعلى قضاياه السياسية والاقتصادية وعلى تفاعلات القوى الدولية الأخرى، وفق مصالح وحسابات كل طرف.
وفي محاولة لاحتواء نشوب حرب تجارية جديدة بين أمريكا وباقي دول العالم، بدأت الصين والولايات المتحدة التفاوض من أجل تحسين وصول الولايات المتحدة إلى الأسواق الصينية، ووصول بكين إلى الأسواق الأمريكية بعد تهديد واشنطن باستخدام صلاحياتها لمعالجة الاختلالات التجارية، في ظل تعهد الصين بالمضي قدما في فتح السوق وإجراء إصلاحات تبرهن على أنها ستتعامل مع الشركات المحلية والأجنبية على قدم المساواة وتحمي حقوق الملكية الفكرية، فيما أبلغ رئيس الوزراء الصيني لي كه تشيانج، مشرعين أمريكيين خلال زيارتهم بكين، أن الصين تسعى إلى إجراء حوار تجاري مع الولايات المتحدة، وإلا فإنها مستعدة لحرب تجارية.
بدأ التصعيد في العلاقات بين واشنطن وبكين بعد توقيع ترامب مؤخراً، أمراً رئاسياً يستهدف فرض رسوم جمركية على سلع صينية تصل قيمتها إلى 60 مليار دولار، بسبب ما تصفه الإدارة الأمريكية بأنه انتهاك لحقوق الملكية الفكرية الأمريكية، وأعلنت واشنطن أنها ستستثني موقتاً أوروبا ودولاً أخرى، بينها البرازيل والأرجنتين وكوريا الجنوبية واستراليا، من زيادة الرسوم على الصلب والألومنيوم.
وكانت الولايات المتحدة قد تقدمت بشكوى ضد الصين لدى منظمة التجارة العالمية، اتهمت فيها الصين بانتهاك قواعد المنظمة عبر إنكار حقوق أصحاب براءات الاختراع الأجنبية، بمنع شركة صينية من استخدام التكنولوجيا بعد انتهاء عقد الترخيص.
ووفقا لمحللين فإن فرض ترامب ضرائب على منتجات صينية وواردات الصلب والألمنيوم، هو تنفيذ لوعد انتخابي بالتصدي لممارسات تجارية تصفها واشنطن بأنها “غير عادلة” من قبل شركاء الولايات المتحدة، إذ يحرص الرئيس ومستشاروه حتى الآن على التشديد على المصلحة الأمريكية العامة.
وفي إطار الرد الصيني على المسلك الأمريكي، كشفت بكين عن لائحة تضم 128 منتجاً أمريكياً، ستفرض عليها رسوماً جمركية تتراوح بين 15 و25 في المئة، في حال فشلت المفاوضات الجارية مع واشنطن، وستكون هذه الإجراءات رداً على الرسوم الأميركية على الصلب والألمنيوم التي دخلت حيز التنفيذ، وعلى تهديد ترامب بفرض ضرائب إضافية على ما قيمته 60 مليار دولار من الواردات الصينية.
كما تُعد بكين لائحتين أخريين، ستتضمن منتجات مثل الطائرات والشرائح الإلكترونية، والرسوم قد تطاول السياحة وقطاعات أخرى، وقد بلغ العجز التجاري للولايات المتحدة مع الصين 375.2 مليار دولار العام الماضي.
فضلاً عن ذلك يمكن للصين أن تؤثر سلباً على الداخل السياسي الأمريكي، إذ من الممكن أن تمتنع بكين عن استيراد الصويا من واشنطن، وتلجأ إلى استيرادها من البرازيل تحديداً، فالصين تعتبر المستورد الأول للصويا الأمريكية في العالم.
وفي هذا الحالة سيكون صعباً على ترامب كسب تأييد ناخبين في عشر ولايات، من بينها ايلينوي ومينيسوتا وكنساس، التي تعتمد على تصدير الصويا إلى الصين.
ووسط شبح الحرب التجارية التي تلوح فى الأفق بين الصين الولايات المتحدة، تستعد بكين لإطلاق بورصة لعقود النفط الآجلة المقومة بعملتها المحلية “اليوان”، فى مسعى منها للحد من سيطرة الدولار الأمريكي على تسعير النفط الخام.
والصين أكبر مستورد للنفط فى العالم، إذ يبلغ متوسط وارداتها نحو 8.8 مليون برميل يوميا، وتسعى بكين لجعل اليوان عملة دولية لإجراء التبادلات التجارية وتسهيل التجارة البينية مع دول العالم واعتماد اليوان الصيني وعملة الدولة التي يتم التداول معها بشكل مباشر بدون وجود عملة وسيطة كالدولار.
ومع بدء تفعيل هذه البورصة الجديدة فإنه من المتوقع أن يظهر “البترويوان” – البترول الخام والنفط المباع بالعملة الصينية – ، كمنافس للبترودولار – البترول المباع بالدولار-، وذلك في محاولة صينية لتقليل حدة الهيمنة الأمريكية والدولارية على التعاملات التجارية النفطية.
وتحاول الصين توظيف ورقة الضغط هذه أفضل توظيف من خلال العروض الممنوحة للدول التي تستورد منها النفط أو المنتجات البترولية بتسهيلات من أجل الاعتماد على اليوان الصيني بدلا من الدولار، واقترحت الصين على السعودية تسعير الواردات الصينية من البترول السعودي باليوان حيث يمثل النفط السعودي نحو 15 % من واردات الصين البترولية خلال عام 2016.
وفى خطوة سابقة وقعت كل من بكين وموسكو عقودا نفطية ضخمة منذ عام 2014 يتم التداول فيما بينهما بالعملات المحلية الروبل الروسي واليوان الصيني، وهو ما يعتبر من المحاولات المبكرة لعملية تهديد قيمة الدولار فى السوق العالمية، فبموجب هذا الاتفاق بين البلدين تحصل الصين على النفط من روسيا لمدة 30 عامًا و يتم دفع مصاريف الصفقة بالعملات المحلية.
ويمكن لكل من إيران وفنزويلا الاستفادة من تلك الخطوة عن طريق التعامل باليوان الصيني بدلاً من الدولار للتحايل على أي عقوبات أمريكية، وأعلن الرئيس الفنزويلي إن بلاده ستبيع النفط بعملات غير الدولار من بينها اليوان الصيني والين الياباني والروبل الروسي والروبية الهندي وغيرها.
ونظراً للمصالح الاقتصادية والسياسية المشتركة لكل من واشنطن وبكين، من المتوقع أن تصل الدولتان إلى حلول اقتصادية تجنبهم الانزلاق بالعالم لحرب اقتصادية عالمية كونهما قطبين فاعلين على الساحة العالمية.
ناهيك عن المخاوف الأمريكية التي تكمن في أن ترد الصين على أي حملة تجارية أمريكية ضدها، عن طريق التباطؤ في التعاون في تنفيذ العقوبات ضد كوريا الشمالية، التي تعد عنصرًا رئيسيا في “حملة الضغط”، التي تقوم بها إدارة ترامب لإجبار بيونج يانج على التفاوض حول برامجها النووية، ومن هنا فإن الفترة القليلة المقبلة ستشهد متغيرات كثيرة على صعيد العلاقات بين بكين وبيونج يانج، وبكين وواشنطن، وبيونج يانج وسول وواشنطن.
المصدر : أ ش أ