انطلقت بمدينة ميونيخ الألمانية فعاليات النسخة السادسة والخمسين من مؤتمر ميونيخ للأمن، بمشاركة أكثر من 500 من صانعي القرار الدوليين رفيعي المستوى أبرزهم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون ورئيس الوزراء الكندي جوستين ترودو، والرئيس الألماني فرانك فالتر شتاينماير الذى افتتح المؤتمر، إضافة إلى رؤساء حكومات ووزراء الخارجية والدفاع بأكثر من 40 بلداً، وممثلين عن الاقتصاد ومنظمات دولية.
ويناقش هؤلاء القادة على مدار ثلاثة أيام قائمة من القضايا والتحديات الدولية الراهنة، منها الهوية الأوروبية والأخطار التي تواجه القارة، والتهديدات المحدقة بالسلم الدولي، والأزمات والنقاط الساخنة من ليبيا إلى الخليج وإلى شرق آسيا، والتحديات الأمنية المستقبلية وتغير موازين القوة بالعالم، وردود الفعل الدولية على خطة السلام للشرق الأوسط التي وضعها الرئيس الأمريكي دونالد ترامب، فضلاً عن آثار تغير المناخ، وتقاطعات التقدم التجاري والتكنولوجي مع الأمن الدولي.
ووصف رئيس المؤتمر فولفجانج إيشينجر خلال مؤتمر صحفي ببرلين لقاء ميونيخ هذا العام بأنه الأهم خلال العشرين سنة الماضية، مضيفاً أن المجتمعين سيناقشون خلاله ملفات وأزمات دولية عالقة ومعقدة وسيحاولون الإجابة على أسئلة مهمة تتعلق قبل كل شيء بمستقبل الغرب وبتراجع دوره سواء على مستوى العالم أو داخل الغرب نفسه، وأسباب هذا التراجع، وسبل معالجته.
وأعرب إيشينجر عن شعوره بالإحباط نتيجة عجز المجموعة الدولية عن حل أزمات عالقة أبرزها الوضع في سوريا وليبيا، ووجه انتقادات للاتحاد الأوروبي قائلا إن دوله عجزت عن تحمل مسؤولياتها تجاه أزمات تشتعل بجوارها وهو أمر غير مقبول ويدعو للقلق.
وقد تم مؤخراً إطلاق التقرير الأمني لميونيخ 2020 الذي من شأنه تحديد نبرة المؤتمر وسيتم توزيعه على جميع ضيوف المؤتمر، ويسلط التقرير عبر نسخته الجديدة الأضواء على أبرز التحديات التي تواجه الدول الغربية والتي تتصدر اهتمامات وتساؤلات المشاركين بالمؤتمر، ومنها مدى قدرة الغرب على الخروج باستراتيجية مشتركة لعصر جديد من منافسة القوى العظمى، وتزايد الانشقاقات والانقسامات داخل المعسكر الغربي، والتي بدت واضحة بمواقف دوله تجاه مستقبل الاتفاق النووي الإيراني ومشروع خط أنابيب نورد ستريم 2، واختلالات التجارة عبر الأطلسي، والإنفاق الدفاعي لحلف الناتو، وهل يجب على دول الاتحاد الأوروبي التعاون بشكل أوثق في قضايا الأمن والدفاع والتجارة والهجرة.
ويشير التقرير إلى تراجع واشنطن عن دورها التقليدي كحارس للنظام الدولي، وتركها المجال لقوى أخرى، مثل روسيا وإيران وتركيا. وتساءل كيف يمكن لأوروبا أن تؤكد نفسها كلاعب عالمي بحد ذاتها.
ونبه التقرير إلى تحديات أخرى منها ضعف صوت الاتحاد الأوروبي عبر العالم، وضرورة الدفاع عن قيمه الأساسية، ومحاولات البعض إثارة الخوف من الإسلام وتصويره غزواً دينيا لأوروبا والخصم الرئيسي والعدو المشترك لها وللحرية والتقدم والديمقراطية والحياة، والمستقبل، وقال إنه قد يكون لدى الغرب أكبر الاقتصادات والأسلحة الأكثر فتكا على وجه الأرض، إلا أن الغرب لن يتمكن من البقاء مالم تكن لديه عائلات وقيم قوية، مضيفاً أن المعركة من أجل الغرب لا تبدأ بساحات القتال، بل تبدأ بالعقول والإرادات.
وأعرب معدو التقرير عن اعتقادهم بأنه إذا ما واصل الغرب تردده نحو التدخل بالنزاعات الأجنبية العنيفة، فلن يعني ذلك اختفاء هذه النزاعات بل قد تزداد تصعيدا. وأشار التقرير للأوضاع بدول الجوار لأوروبا وتحديداً في الشرق الأوسط وشمال إفريقيا، وقال إن شعوب تلك الدول وبعد ثماني سنوات من ثوراتها الشعبية لازالت تتوق للتغيير من الناحية الاجتماعية والاقتصادية، ولم يتحقق سوى القليل فلا يزال النمو راكداً والفساد منتشراً ومعدلات بطالة الشباب من أعلى المعدلات في العالم، كما أن فرص التطور السياسي لا تبدو أكثر إشراقًا، وأضاف أن دول البحر المتوسط، التي مزقتها حالات من عدم الاستقرار خلال السنوات الأخيرة لاتزال، مركزاً ومصدراً وطريقا للنازحين واللاجئين الذين يتجه غالبيتهم إلى أوروبا.
ونبه التقرير إلى أن كل محاولات الاحتواء الجزئي دون الإصلاحات السياسية والاقتصادية الشاملة التي يطلبها الناس في تلك الدول لن تجلب الاستقرار الدائم، وإن التكرار التالي للانتفاضات فيها ربما يكون مسألة وقت فقط.
وفيما يتعلق بالتحديات المناخية يرى التقرير، أن السياسات التي تتبعها دول مجموعة العشرين، وهي أكبر عشرين اقتصادا على مستوى العالم، وتمثل 78 بالمائة من انبعاثات غازات الدفيئة، فشلت إلى حد كبير حتى الآن بإجراء التعديلات والتحولات اللازمة على سياساتها الصناعية والبيئية، وهو ما ينذر حال استمرارها بكوارث مناخية تشرد أكثر من 140 مليون شخص بحلول عام 2050 بإفريقيا جنوب الصحراء الكبرى وجنوب آسيا وأمريكا اللاتينية وحدها. كما تحدث التقرير عن تزايد المخاطر بالفضاء الخارجي جراء تزايد عدد الأقمار الاصطناعية فيه، والتي قدرها بأكثر من 2000 قمر تديرها حوالي 75 دولة، وقال إن الفضاء ساحات عالمية تتطلب التعاون لإبقائها آمنة، خاصة مع وصول العديد من اللاعبين الجدد من الجهات الرسمية وغير الحكومية إلى ساحته.
وتكمن أهمية مؤتمر ميونيخ للأمن بكونه منصة فريدة على مستوى العالم يتم خلالها بحث القضايا الأمنية. كما أنه يمنح الفاعلين السياسيين فرصة التواصل عن قرب بشكل غير رسمي. وخلال تصنيفها الجديد وضعت جامعة بنسلفانيا الأمريكية مؤتمر ميونيخ للأمن بمرتبة أهم مؤتمر من نوعه في العالم.
ويعقد المؤتمر خلال شهر فبراير من كل عام، وقد انعقد للمرة الأولى عام 1963 وكان يُسمى اللقاء الدولي لعلوم الدفاع، بيد أن المؤتمر غير اسمه لاحقاً إلى “المؤتمر الدولي لعلوم الدفاع”، ومن ثم أصبح اسمه “مؤتمر ميونيخ للأمن”.