ألمانيا والتى كانت من الدول الأعضاء القليلة في حلف الناتو التي عارضت تدخل الحلف العسكري سنة 2011 للإطاحة بالزعيم الليبي العقيد معمر القذافي، تستقبل عاصمتها برلين اليوم الأربعاء ثاني مؤتمر حول ليبيا.
أمام المشاركين في المؤتمر مهمة أولى تتمثل في مساعدة الليبيين على تنظيم الانتخابات في موعدها المقرر بتاريخ 24 ديسمبر المقبل وفقا لاتفاق الحوار الليبي الذي تم برعاية الأمم المتحدة إلا أن المؤتمر تواجهه قضية شائكة هي إخراج القوات الأجنبية والمرتزقة، والخيارات إزاءها صعبة للغاية.
وفي حقائب وفود الدول المؤثرة في الأزمة الليبية أوراق أخرى تنتظر وضعها على طاولة المفاوضات حالما تبدو الطريق سالكة أمامها، ويتعلق الأمر بحصتها في خطط إعادة إعمار البلد بعد حوالي عقد من الفوضى.
وإذا كان إحراز تقدم في المهمة الأولى لمؤتمر برلين الثاني يقع ضمن سقف التوقعات ولو بنسبة معقولة من النجاح، فإن المهمة الثانية تبدو صعبة التحقيق.
فبقدر ما تتوفر عملية تنظيم الانتخابات على خيارات وفرص لتحقيقها رغم عدد من الصعوبات، تبدو الخيارات المتاحة لإخراج القوات الأجنبية والمرتزقة محدودة.
فما هي إذن المخرجات الممكنة في مؤتمر برلين التي لخصت وزارة الخارجية الألمانية الهدف منه في “بحث العملية الانتقالية الليبية منذ مؤتمر برلين 19 يناير 2020) والمراحل المقبلة لفرض استقرار دائم” للوضع في البلاد ؟
منذ تعيينها في العاشر من مارس الماضي، قطعت حكومة رجل الأعمال المستقل عبد الحميد الدبيبة خطوات بطيئة في سبيل الإعداد لتنظيم الإنتخابات التشريعية والرئاسية ومن شأن المؤتمر الدولي الذي تحتضنه برلين أن يمنح الحكومة الانتقالية دفعة جديدة في توفير مزيد من شروط النجاح.
فبعد جولة الحوار الليبي التي احتضنها المغرب في بداية شهر يونيو الجاري، والتي تم فيها إحراز تقدم في توزيع المناصب السيادية التي تشمل حاكم المصرف المركزي، والمدعي العام ورؤساء هيئة الرقابة الإدارية، والهيئة الوطنية لمكافحة الفساد والمفوضية العليا للانتخابات والمحكمة العليا، ما تزال فرصة أخرى أمام الحكومة الانتقالية عندما يجتمع فرقاء الأزمة الليبية برعاية الأمم المتحدة قبل نهاية الشهر الحالي في سويسرا.
وناهيك عن الصعوبات التي ظهرت في وضع أجندة العملية الانتخابية، تحتاج أطراف الأزمة الليبية للاتفاق على قاعدة دستورية قانونية للانتخابات، فبدونها سيكون الباب مفتوحا للطعن في الاقتراع.
وقبل أن يتوجه إلى برلين أعطى رئيس الحكومة الإنتقالية الإشارة لفتح الطريق الساحلية بين مصراتة وسرت التي تربط بين شرق وغرب البلاد، بعد إغلاق دام حوالي سنتين منذ هجوم قوات الجنرال حفتر على العاصمة طرابلس.
ورغم أهمية هذه الخطوة على درب التقارب بين طرفي الأزمة بطرابلس وبنغازي (شرق)، فان الطريق يبدو أنها ما تزال غير سالكة بشكل تام إلى سرت ومنها إلى بنغازي عاصمة شرق البلاد التي تتمركز فيها قوات الجنرال خليفة حفتر. بل إن سرت التي احتضنت في مارس الماضي اجتماع مجلس النواب الذي منح الثقة لحكومة الدبيبة، ما تزال المدينة محاطة بالألغام العسكرية والأمنية والسياسية. فعلى تخومها ترابط من جهة وحدات عسكرية موالية لحكومة طرابلس وتدعمها قوات تركية وضمنها مرتزقة سوريون، ومن جهة ثانية تتمركز قوات تابعة لـ”الجيش الوطني” الذي يقوده حفتر وتساندها من الخلف فرق من مرتزقة فاغنر الروسية.
ينعقد مؤتمر برلين على وقع اتصالات ومساع حثيثة لتفكيك عُقد ملف القوات الأجنبية والمرتزقة الشائك، والذي توجد أوراقه الرئيسية بأيدي موسكو وأنقرة، ولذلك شددت المستشارة أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في لقائهما قبل المؤتمر بأيام قليلة على أن أوروبا تواجه “تحديات كبيرة ” في التعامل مع كل من روسيا وتركيا.
وتشكل مسألة سحب القوات الأجنبية من ليبيا ملفا مركزيا في مؤتمر برلين، إذ تغذي قوى خارجية بشكل واسع النزاع في البلاد كما تضع عقبات أمام تنفيذ تفاهمات الأطراف الليبية على درب تسوية الأزمة.
وفي ديسمبر 2020 قدرت الأمم المتحدة بنحو 20 ألفا عدد المرتزقة والمقاتلين الأجانب في ليبيا من روس في مجموعة فاغنر الخاصة وتشاديين وسودانيين وسوريين وغيرهم. وينتشر مئات من العسكريين الأتراك بموجب اتفاق ثنائي مبرم مع حكومة طرابلس السابقة.