كتيبة أزوف التابعة للحرس الوطني الأوكراني، تقاتل وتدافع بشراسة عن مدينة ماريوبول الأوكرانية الساحلية المحاصرة. لكن لماذا تثير هذه الكتيبة الكثير من الجدل واللغط منذ تأسيسها عام 2014؟ وما هي قصتها ومن يقف وراءها؟
مقطع فيديو قصير يظهر شاشة في سيارة يشتبه بأنها تابعة للجيش الأوكراني، تسير في منطقة شبه ريفية بالقرب من ماريوبول، وفي شارع فرعي تقف ناقلات جند مدرعة عليها حرف “Z” باللون الأبيض وهو رمز تستخدمه القوات الروسية في أوكرانيا. بعد ذلك يسمع المرء صوت طلقات، وتندلع النار في عربة يشتبه أنها روسية.
قبل عدة أيام نشرت كتيبة آزوف مقطع الفيديو هذا، على قناتها في موقع تليجرام. وتدعي الكتيبة أنها دمرت خلال يوم واحد ثلاث عربات روسية عسكرية مدرعة وأربع ناقلات جند مدرعة و”أبادت الكثير من جنود المشاة” الروس. كما نشرت صورة رجل ميت باللباس العسكري، ادعت أنه لجنرال روسي قتله. لكن من الصعب التحقق من صحة هذه الادعاءات.
يتم الدفاع عن مدينة ماريوبول بشكل أساسي من قبلكتيبة آزوف “السيئة السمعة”. وهذه المدينة إلى جانب العاصمة كييف وخاركيف ثاني أكبر مدن البلاد، تعتبر من المناطق التي تخوض فيها روسيا أشرس المعارك وأكثرها وحشية. يبلغ عدد سكان ماريوبول حوالي 500 ألف نسمة، وهي محاصرة منذ بداية شهر مارس الجاري وتتعرض للقصف بشدة. وقد تم قطع المياه والكهرباء عنها، كما أن هناك نقص شديد في المواد الغذائية.
المقر الرئيسي لكتيبة آزوف في مدينة ماريوبول، وهي جزء من الحرس الوطني وبالتالي فهي تتبع وزارة الداخلية الأوكرانية. ومقاتلوها مدربون بشكل جيد، ولكنها تثير الجدل لأنها تتكون من قوميين ويمينيين متطرفين. ووجود هذه الكتيبة كان إحدى الحجج التي تذرعت بها روسيا لغزو أوكرانيا.
نشأت آزوف عام 2014 من كتيبة متطوعين في مدينة بيرديانسك، لدعم الجيش الأوكراني في قتاله ضد الانفصاليين الموالين لروسيا في شرقي أوكرانيا. بعض المتطوعين كانوا جزء مما يسمى بـ “القطاع اليميني” وهو عبارة عن مجموعة أوكرانية يمينية متطرفة لكنها نشطة. وأساس المتطوعين كانوا جزء مما يسمى بـ “القطاع اليميني” وهو عبارة عن مجموعة أوكرانية يمينية متطرفة لكنها نشطة.
وأساس (لب) هذه المجموعة ينتمي لشرق أوكرانيا من الناطقين بالروسية المنادين أصلا بوحدة الشعوب السلافية الشرقية أي الروس والبيلاروس والأوكرانيين. وبعض هؤلاء ينحدرون من مشاغبي الملاعب “ألتراس”، وآخرون كانوا نشطين ضمن المجموعات القومية المتشددة. “كانت عبارة عن مجموعات يمكن وصفها في ألمانيا بمجموعات الرفاق الأحرار (اليمينيون)” يقول أندرياس أوملاند، الباحث في مركز ستوكهولم لدراسات شرق أوروبا.
كما أثارت آزوف الجدل بسبب رايتها وشعارها. “الشعار له دلالة يمينية متطرفة، إنه رمز وثني، استخدمه النازيون أيضا” يقول أوملاند في حواره مع DW، ويضيف “ولكن لا ينظر الأوكرانيين إلى هذا الشعار على أنه رمز فاشي”. لكن كتيبة آزوف تريد أن يفهم من هذا الشعار الذي يعود إلى عهد النازية، على أن الحرفين “N” و “I” يرمزان إلى ” nationale Idee/ فكرة الوطنية”.
كان لكتيبة آزوف دور بارز في استعادة السيطرة على مدينة ماريوبول من الانفصاليين الموالين لروسيا عام 2014
مؤسس وقائد كتيبة آزوف كان أندري بليتسكي (42 عاما) الذي تخرج من كلية التاريخ في جامعة خاركيف الوطنية، وكان نشطا في الوسط اليميني المتطرف لسنوات طويلة. في صيف عام 2014 كانت مشاركة كتيبة آزوف واضحة في استعادة السيطرة على ماريوبول من الانفصاليين الموالين لروسيا. ومنذ خريف عام 2014 تعمل ككتيبة، وحسب تقارير إعلامية يصل عدد أفرادها إلى نحو ألف مقاتل ولديها دباباتها ومدافعها الخاصة بها. وفي ذلك الوقت قررت الحكومة في كييف دمج القوميين المتطرفين في هياكل الدولة.
في عامي 2015 و2016 نشأت حركة كانت بمثابة ذراع سياسية لآزوف. حيث استقال بليتسكي من منصبه كقائد للكتيبة وأسس مع مقاتلين سابقين في الكتيبة حزب “الفيلق الوطني” الذي لم ينجح في الانتخابات، لكن بليتسكي استطاع دخول البرلمان الأوكراني عن طريق الانتخاب المباشر وليس عن طريق قائمة الحزب، لكنه خسر مقعده في انتخابات عام 2019 ولم يعد نائبا في البرلمان الأوكراني؛ ومنذ بدء الغزو الروسي يدعي أنه يحارب على جبهة كييف.
عام 2019 كانت هناك مبادرة في الكونغرس الأمريكي لتصنيف كتيبة آزوف كـ “منظمة إرهابية”، لكن المبادرة لم تنجح في ذلك. لكن الحقيقة هي أن آزوف لديها ومنذ أعوام اتصالات مع الوسط اليميني المتطرف في خارج البلاد، بما في ذلك ألمانيا حسب ما أفادت به الحكومة في ردها على سؤال لكتلة حزب اليسار في البرلمان الألماني “بوندستاج”.
البروباغندا الروسية أيضا ساهمت في نشوء “أسطورة آزوف” حسب رأي الباحث أوملاند. وفي حرب عام 2014 كانت هناك اتهامات كثيرة للمقاتلين المتطوعين بمن فيهم مقاتلو آزوف، بسوء السلوك والقيام بأعمال سلب ونهب.
“عادة ما نرى اليمين المتطرف خطرا يمكن أن يؤدي إلى نشوب حرب” يقول أوملاند لـ DW. في أوكرانيا جرى العكس، حيث أدت الحرب إلى صعود وتحول المجموعات اليمينية الهامشية لتصيح حركة سياسية، حسب أوملاند. ولكن تأثيرها على المجتمع مبالغ فيه، فبالنسبة لأغلب الأوكرانيين يعتبر هؤلاء مقاتلون يدافعون عن بلدهم ضد معتد “غاشم”.
المصدر: وكالات