منذ أكثر من 60 عامًا، وتتزين العملة الوطنية التونسية بصورة المرأة؛ تكريمًا لدورها الوطني وإسهاماتها العظيمة في العديد من المجالات خاصة الفنية والطبية، ففي الأول من نوفمبر عام 1958، اعتمد البنك المركزي التونسي “الدينار” عملة رسمية للبلاد، عوضًا عن “الفرنك” التونسي، ومنذ ذلك الحين وتشهد العملة الوطنية صورًا تحاكي أعمالاً أثرت في تكوين ملامح وثقافة المجتمع التونسي.
ولعل أول ظهور للمرأة التونسية على العملة الوطنية، كان عقب استقلال تونس، وقتها قرر الرئيس الراحل الحبيب بورقيبة تكريم المرأة من خلال وضع صورتها على العملة المعدنية، ورشح آنذاك الممثلة “أنيسة لطفي” لنيل هذا الشرف، تكريمًا لدور الفن والفنانين في تشكيل وجدان وثقافة التونسيين.
كانت الفنانة القديرة “أنيسة لطفي”، صاحبة الحس المرهف والملامح المسالمة، شغوفة بالمسرح والرقص الكلاسيكي منذ الطفولة، وانطلقت بفنها من خلال فرقة مدينة تونس، لتقدم أعمالاً درامية عديدة منها “قمرة سيدي محروس” و”يازهرة في خيالي” ومسلسل “صيد الريم”.
وتألقت الفنانة القديرة، التي تحتل مكانة كبيرة في قلوب التونسيين، في أدوار عديدة على خشبة المسرح، على غرار مسرحية “بيت برناردا ألبا” و”البخيل” و”ليلة من ألف ليلة وليلة”، ولم تفوت فرصة العمل مع عمالقة الفن بمصر، حيث قدمت مسرحية “عطيل” مع الممثل الكبير جميل راتب، وقدمت أدوارًا سينمائية في أعمال عدة من بينها “دار الناس”، “الصراخ”، و”وغدا”.
وقالت رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية راضية الجربي – فى تصريح لمراسل وكالة أنباء الشرق الأوسط بتونس – “إن المجتمع التونسي دائمًا ما يفتخر بتكريمه للمرأة الرائدة ويعترف بالكفاءات النسائية في كافة المجالات، ووضع صور المرأة التونسية على العملة الوطنية يحمل رسائل هامة تبرهن على مكانتها في المجتمع، وهذا ما ظهر جليًا بنقش صورة الفنانة (أنيسة لطفي) على العملة المعدنية، كإحدى الرائدات في مجال الفن والتي أثرت في تكوين الثقافة والحس الفني في مجتمعنا”.
ومن الفنانة القديرة “أنيسة لطفي” إلى الطبيبة “توحيدة بن الشيخ”، والتي كرمت في 27 مارس الماضي، عندما طرح البنك المركزي التونسي في عهد الرئيس قيس سعيد، عملة ورقية جديدة من فئة (10 دنانير)، وحملت العملة النقدية الجديدة صورة أول طبيبة في تونس والمغرب العربي؛ تقديرًا لدورها ودور المرأة التونسية في المجتمع خاصة في مجال الطب.
وتزامن تكريم “توحيدة بن الشيخ” مع بداية انتشار فيروس “كورونا” في العالم، فكان بمثابة تحية للأطباء الذين يعملون على مدار الساعة لمواجهة هذه الجائحة، ولتصبح توحيدة رائدة مجددًا، فهي أول امرأة تونسية بل وعربية توضع صورتها على أوراق العملة.
وعن تكريم المجتمع التونسي للطبيبة “توحيدة بن الشيخ”، تقول رئيسة الاتحاد الوطني للمرأة التونسية “هي نموذج للمرأة التونسية الناجحة، حيث درست في فرنسا وعادت مرة أخرى إلى تونس وكانت من أوائل المدرسات في مجال الطب، ولها دور توعوي كبير في قضية تنظيم الأسرة، وأٌطلق اسمها على العديد من الجمعيات الخاصة بالصحة الإنجابية تقديرًا لدورها وإسهاماتها في المجتمع، وجاء وضع صورتها على العملة الورقية ليكون بمثابة تكريم ليس للمرأة وحسب بل لكافة القطاعات الطبية كذلك”.
وبين تكريم “بورقيبة” للفن، وتقدير “قيس سعيد” للجيش الأبيض في زمن “كورونا”، يواصل المجتمع التونسي تقدير المرأة بطريقته الخاصة، لدورها البارز وعطائها المستمر، إذ تحظى بمكانة خاصة كونها رائدة في مختلف المجالات ومشاركة للرجل في كافة المسؤوليات، ودائمًا ما يفتخر المجتمع التونسي بتكريمه للنساء الرائدات اللائي زين تاريخ تونس وحاضرها.
المصدر : أ ش أ