يبدو أن فيروس كورونا المستجد” كوفيد 19″ لا يستهدف فقط حياة الإنسان ، كما لم يقتصر أثره على وقف أنشطة الحياة والأنشطة الإقتصادية في أغلب مناطق العالم، بل امتد ليفتك بالاحتياطيات النقدية من العملات الأجنبية لكثير من الدول، لم يفرق فيها ” الفيروس” بين دول كبرى أو صغرى أو بين دول عملاقة ونامية، لتفقد البنوك المركزية حول العالم أكثر من 175 مليار دولار من حجم احتياطيها من النقد الأجنبي في أٌقل من شهرين.
وتظهر حركة مؤشرات الاحتياطي من النقد الأجنبي في أكثر من 50 دولة من الدول الكبرى وأيضا الاقتصادات الناشئة والنامية، أن 30 دولة منها سجلت احتياطاتها النقدية نزيفا حادا، منذ تفشي “جائحة” كورونا في العالم، أبرزها الصين من حيث القيمة، والتي فقد احتياطيها النقدي أكثر من 46 مليار دولار دفعة واحدة في مارس، فيما تصدرتها من حيث النسبة تركيا، التي فقد بنكها المركزي قرابة 15% من الاحتياطي النقدي بقيمة 15.5 مليار دولار في شهر واحد..
وحذرت صحيفة “وول ستريت جورنال” -في تقرير لها -من أن الأسواق الناشئة على وجه التحديد هي الآن أكثر عرضة لمزيد من الصدمات الاقتصادية بعد أن أجبرها زلزال “كورونا” على استنفاد جزء كبير من احتياطياتها من النقد الأجنبي وبأسرع وتيرة منذ حقبة الأزمة المالية العالمية عام 2008، وهو ما ظهر في المملكة العربية السعودية والبرازيل وإسرائيل وسنغافورة وكوريا الجنوبية وهونج كونج واندونيسيا وبولندا.
وأضافت الصحيفة أن الاحتياطي الأجنبي لنحو 12 دولة من أكبر الدول النامية -من بينها البرازيل وروسيا-سجل تراجعا بما يصل إجماليه إلى 143.5 مليار دولار في شهر مارس الماضي وحده، فيما يعد أسوأ معدل تراجع منذ اندلاع الأزمة المالية العالمية قبل أثني عشر عاما، وفقا لبيانات شركة “أركيا” المتخصصة في الأبحاث الاقتصادية..
وأوضحت أن تلك الدول استعانت بما لديها من احتياطي نقدي أجنبي من أجل مكافحة هبوط عملاتها نتيجة التداعيات السلبية لتفشي فيروس كورونا التي تسببت في شل حركة الاقتصاد العالمي منذ منتصف شهر مارس الماضي.
وأشارت إلى أن أزمة تفشي وباء كورونا أحدثت زلزالا بالأسواق العالمية مع سيطرة حالة من الذعر على توجهات المستثمرين متسببة في تخارج رؤوس الاموال من صناديق الأصول الخطرة بالأسواق المال الناشئة والسندات مدفوعا برغبة المستثمرين في تكديس الدولار خوفا من شح العملة الخضراء .
ورصدت صحيفة وول ستريت الأمريكية مخاوف مستثمرين من أن اعتماد بعض الدول على تطويع مخزونها من النقد الأجنبي في سبيل مجابهة تداعيات كورونا، قد يجعلها أكثر عرضة إلى مزيد من صدمات السوق وعلى رأس هذه الدول تركيا، التي تشهد تراجعا قياسيا في احتياطياتها من النقد الأجنبي، بعد أن هبط إلى أدنى مستوياته منذ شهر نوفمبر من عام 2006.
وأشارت الصحيفة إلى أن بعضا من هذه الدول قد يعاني من أجل سداد ديونه المستحقة للمستثمرين الأجانب أو دفع وارداته من النفط والغذاء والمستلزمات الطبية المقومة بالدولار، مضيفة أن استمرار صعود قيمة العملة الأمريكية عالميا سيخلق صعوبة بالغة على الحكومات التي استنفدت احتياطياتها الأجنبية من أجل بناء مخزون جديد خلال الأشهر المقبلة.
ونبهت الصحيفة الأمريكية إلى أن تركيا التي سبق وأن واجهت أزمة تدني العملة خلال عام 2018، لجأت إلى سحب نحو 19.2 مليار دولار من الاحتياطي الأجنبي خلال شهر مارس، تزامنا مع تهاوي قيمة الليرة أمام الدولار ما تسبب في تقليص حجم مخزونها من النقد الأجنبي إلى نحو 92 مليار دولار .
ونقلت الصحيفة عن براد ستسر ، زميل لدى المجلس الأمريكي للعلاقات الخارجية قوله:” يعتقد بأن صافي احتياطي البنك المركزي التركي من النقد الأجنبي حاليا، يعد أقل من مستوى الصفر”.
وبحسب بيانات شركة “ديلوجيك”، يستحق على تركيا ديون بقيمة 12.5 مليار دولار أمريكي يجب أن يتم سدادها بنهاية عام 2021، فيما يحذر المحلل لدى محموعة “إس إي بي” الاقتصادية بير هامرلاند من عدم قدرة القطاع المصرفي التركي على الوفاء بالتزاماته وسداد الديون المستحقة في فبراير من عام 2021 اذا ما واصلت الليرة تهاويها أمام الدولار.
وهبطت الليرة التركية بأكثر من 14 في المائة منذ بداية العام ونحو 40 في المائة من مطلع 2019 جراء الضغوط الكبيرة التي يعاني منها الاحتياطي النقدي للبلاد رغم تدخلات بنوك مملوكة للدولة في السوق من أجل محاولة استقرار الليرة .
وقالت وكالة بلومبرج العالمية، إن صافى الاحتياطى الأجنبى للبنك المركزى التركى قد انخفض إلى أدنى مستوى له منذ مايو 2019، مشيرة إلى أن موقف الاحتياطى الخاص بالبنك المركزى التركى غير مطمئن، ومع مواجهة الاقتصاد خروج التدفق الأجنبى فى ظل وباء كورونا، فإن الاحتياطي التركي قد يستنفد كليا.
وبالنسبة لمصر .. فقد ذكرت وكالة بلومبرج الأمريكية أن البنك المركزي المصري والبنوك المصرية نجحوا في اختبار صعب لمواجهة تخارج الاستثمارات الاجنبية، ما يؤكد قدرة القطاع المصري المصرفي على مواجهة الأزمة والتعامل معها، بعكس بلدان كثيرة.
وفي إندونيسيا.. فقد هوى احتياطي البلاد من النقد الأجنبي بمقدار 9.4 مليار دولار، مسجلا 121 مليار دولار بنسبة انخفاض بلغت نحو 7.2 بالمئة ، في حين خسرت أوكرانيا 6.4 في المائة من احتياطيها بما يعادل 1.7 مليار دولار، وذلك بعدما تراجع من مستوى 26.6 مليار دولار في نهاية فبراير الماضي إلى مستوى 24.9 مليار دولار بنهاية مارس الماضي.
وخسرت بولندا نحو 7.3 مليار دولار من احتياطيها بنسبة 5.7في المائة مسجلا 120.8 مليار دولار، كما فقد الاحتياطي النقدي لجنوب أفريقيا 2.3 مليار دولار مسجلا 52.4 مليار دولار ، ولم يكن الوضع أفضل حالا بالنسبة لكوريا الجنوبية والتي هوى احتياطي النقد الأجنبي لديها من مستوى 409.2 مليار دولار إلى نحو 400.2 مليار دولار، فاقدا نحو 9 مليارات دولار دفعة واحدة.
وضرب فيروس كورونا المستجد الاحتياطي النقدي لإقليم “هونج كونج” ليفقده 8.2 مليار دولار في مارس الماضي، فيما أعلن البنك المركزي السعودي تراجع احتياطي البلاد من النقد الأجنبي في مارس بأسرع وتيرة في عقدين بقيمة 23.9 مليار دولار دفعة واحدة ، وتراجع احتياطي البنك المركزي في كينيا إلى أدنى مستوى في أكثر من عامين مسجلا 7.5 مليار دولار وهو احتياطي يكفي فقط لتغطية واردات البلاد لـ 4 أشهر.
وذكرت بيانات لصندوق النقد الدولي أن احتياطي كندا من النقد الأجنبي قد خسر 1.4 مليار دولار ليصل إلى 86.1 مليار دولار، كما خسرت فرنسا نحو نصف مليار دولار من احتياطيها والهند 3.4 مليار دولار وإيطاليا 773 مليون دولار وإسرائيل 5.2 مليار دولار ورومانيا 2 مليار دولار وسنغافورة 3.8 مليار دولار ، كما أصاب الفيروس ألمانيا في احتياطيها النقدي ليفقدها نحو 2.6 مليار دولار .
المصدر: أ ش أ