تحت شعار “معاً من أجل النهوض بأوروبا”، تتسلم ألمانيا اليوم /الأربعاء/ الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي لمدة ستة أشهر، في فترة من أصعب الفترات التي تمر بها القارة الأوروبية في ظل تفشي وباء (كورونا) العالمي الذي اجتاح أوروبا خلال الأشهر الماضية، وأسقط ملايين الضحايا والمصابين.
وأولت الرئاسة الألمانية للاتحاد الأوروبي لموضوع (كورونا) والتداعيات الاقتصادية الناجمة عنه أهمية خاصة، حيث تضعه على رأس قائمة الأولويات خلال فترة رئاستها.
في هذا السياق ، اقترحت المستشارة الألمانية أنجيلا ميركل والرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون، خطة نهوض بقيمة 500 مليار يورو بهدف مساعدة الاتحاد الأوروبي في تجاوز الأزمة الناجمة عن وباء (كورونا) وتقديم الدعم للدول الأكثر تضررا، بحيث تموّله المفوضية الأوروبية عبر الاقتراض من الأسواق “باسم الاتحاد الأوروبي”، في آلية غير مسبوقة في الاتحاد.
وباتت ميركل تراهن على “التضامن والمساعدة المتبادلة” بين الدول الأعضاء الــ 27، محذرة من أن عدم تبني خطة نهوض “سيفاقم كل المشاكل” من خلال تعزيز التطرف والشعبوية، وذلك في إشارة إلى معارضة كل من هولندا والنمسا والدنمارك والسويد لخطة النهوض.
واعتبرت ميركل أن هذه المبادرة خطوة أولى أمام خطة أوروبية بقيمة 750 مليار يورو يتوجب على أوروبا بحثها، مؤكدة أنها مدركة تماما صعوبة المفاوضات المقبلة وأن الرهان كبير لأن مستقبل الاتحاد الأوروبي سيرسم في الأسابيع المقبلة.
ثاني التحديات التي ستواجه ألمانيا خلال رئاستها للاتحاد الأوروبي تتمثل في مفاوضات (مرحلة ما بعد بريكست) والتي تهدف للتوصل إلى اتفاق تجاري ينظم العلاقات بين بريطانيا والاتحاد الأوروبي بعد إتمام الخروج البريطاني من التكتل رسميا في 31 يناير الماضي، والتي لم تحقق أي تقدم ملحوظ على مدار الأشهر الماضية.. فمن ناحية لم ينجح الطرفان في تجاوز القضايا الخلافية بينهما أو الوصول إلى حلول توافقية، ومن ناحية أخرى، جاء وباء (كورونا) ليعوق عقد اللقاءات بين المفاوضين ويزيد الأمور تعقيدا خاصة في ظل تصميم لندن على عدم مد الفترة الانتقالية لما بعد ديسمبر 2020، كل ذلك يطرح على الساحة بقوة سيناريو “خروج بلا اتفاق” والذي سيكون له تداعيات اقتصادية كارثية على الجانبين.
في هذا السياق، أكدت ميركل أن على بريطانيا “تحمل عواقب” علاقة اقتصادية أضعف مع الاتحاد الأوروبي بعد خروجها منه، فيما لم يطرأ أي تقدم على المفاوضات لتنظيم العلاقة بينهما بعد بريكست.
ومن التحديات أيضا التي تواجه الرئاسة الألمانية النهوض بدور الاتحاد الأوروبي عالميا لمواجهة الصين، وذلك في ضوء إلغاء قمة الاتحاد الأوروبي والصين التي كان من المقرر عقدها في (لايبزيغ) الألمانية في سبتمبر المقبل، وتم إلغاؤها بسبب وباء (كورونا) دون أن يتحدد لها موعد جديد، وعبرت ميركل عن رغبتها في إبرام (اتفاق استثمارات) مع الصين، ولكن إلغاء القمة وانسداد أفق التوصل إلى اتفاق قد حال دون عقد هذا الاتفاق، ووصفت ميركل الصين، في كلمة لها أمام البرلمان، بأنها شريك استراتيجي للاتحاد الأوروبي، مؤكدة على أهمية إجراء حوار “منفتح” مع (بكين) تتحدث من خلاله أوروبا بصوت واحد.
وتركز ألمانيا أيضا في رئاستها الأوروبية على محاور سياسة التنمية متمثلة في أفريقيا “قارة المستقبل”.. فقد دعا وزير التنمية الألماني، غيرد مولر، المفوضية الأوروبية، برئاسة فون دير لاين، إلى جعل أفريقيا مركز سياستها في حماية المناخ.. قائلا “أنتظر من المفوضية الأوروبية الجديدة في إطار الاتفاق الأخضر برنامجًا استثماريًّا وابتكاريًّا طموحًا لتوسيع الطاقة المتجددة في أفريقيا”، مضيفًا أنه “كخطوة أولى يمكن تأسيس منصات بحثية مشتركة خلال العام الجديد، خاصة في شمال أفريقيا”، ومطالبًا بتعديل ميزانية الاتحاد الأوروبي لتسمح بتقديم مزيد من الدعم لمثل هذه الاستثمارات المستقبلية، “بدلًا من مواصلة الاستثمار في الإعانات المكتسبة داخل أوروبا.
ووفقا للمراقبين، فإن تولي ألمانيا مسؤولية الرئاسة الدورية لمجلس الاتحاد الأوروبي، بالتزامن مع استلامها رئاسة مجلس الأمن في الأمم المتحدة، يعطي الكثير من الانطباعات بأن الفترة القادمة ستشهد حراكا واسعا على مختلف الأصعدة. ومما دعم هذه الفكرة تقارب المحور الفرنسي الألماني في الفترة الراهنة بهدف النهوض بالاتحاد الأوروبي وتجاوز التداعيات المتفاقمة لجائحة كورونا، فضلا عن رئاسة وزيرة الدفاع الألمانية السابقة فون دير لاين، رئاسة المفوضية الأوروبية التي لاتزال قريبة من المستشارة الألمانية ميركل وتتمعع بعلاقات جيدة معها.
ويؤكد المراقبون أنه بالنظر إلى أن ألمانيا دولة ذات ثقل على الساحة الأوروبية والدولية في ضوء اقتصادها القوي، ودورها السياسي البارز وقيادتها لدفة القاطرة الأوروبية بوضوح خلال السنوات الأخيرة، فإنه من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة تحركات ملحوظة، وأن تلعب القاطرة الألمانية دورا بارزا في رسم موقف أوروبي قوي إقليميًّا ودوليًّا.
يشار إلى أن ألمانيا من الأعضاء المؤسسين للاتحاد الأوروبي منذ خمسينات القرن الماضي، ولم تتول الرئاسة الدورية للاتحاد منذ عام 2007، وتأتي رئاسة ألمانيا ضمن ثلاثية رئاسة الاتحاد الأوروبي والتي تبدأ في يوليو الجاري تليها رئاسة البرتغال التي تبدأ في يناير 2021، وتنتهي برئاسة سلوفينيا التي تتسلمها في يوليو 2021 وتستمر حتى ديسمبر من العام نفسه، وفكرة الثلاثية أو ما يطلق عليه الــ (تريو) بدأت منذ عام 2008 وتعني ثلاث دول تتناوب على الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي خلال 18 شهرا متتابعين وتضع برنامجا للعمل المشترك لتحقيق أهداف طويلة المدى مما يضمن الاستمرار والفاعلية، وستركز الرئاسة المشتركة على معالجة وباء كورونا والتركيز على الدروس المستفادة من الأزمة، والعمل معًا لدفع عجلة التنمية الاقتصادية والاجتماعية في أوروبا.
ورغم أن الرئاسة الدورية للاتحاد الأوروبي قد فقدت الكثير من صلاحياتها بعد سلسلة التعديلات التي أدخلت على معاهدة لشبونة خلال السنوات الأخيرة إلا أنها لا تزال تتمتع باختصاصات مهمة ومحورية على صعيد الاتحاد مثل ترؤس كافة الاجتماعات الوزارية، وعقد الصفقات التشريعية التي تدفع عجلة الاتحاد، ، فضلا عن لعب دور الوساطة في الاتفاقات بين الدول الأعضاء والمساهمة في بلورة وصياغة السياسات العامة للاتحاد. وتهدف الرئاسة الأوروبية الدورية إلى تعميق دور القادة الأوروبيين في إدارة شئون الاتحاد وتعزيز شعور الانتماء الأوروبي لدى الدولة التي تتولى الرئاسة الدورية.
المصدر : أ ش أ