“التحول الى التنمية والتقدم”.. تجربة ناجحة للنمر الآسيوى الجديد، جعلت من الزيارة الرسمية التى بدأها رئيس جمهورية فيتنام الاشتراكية تران داي كوانج لمصر أمس (السبت) ذات أهمية خاصة ترسخ سعى البلدين لجعل التعاون والتنسيق بين القاهرة وهانوى نموذجا يحتذى به فى التعاون بين الجنوب والجنوب، من خلال تعظيم البحث الدائم عن شركاء في التنمية.
بالإضافة إلى ما تضيفه من زخم للتنوع المصري في علاقاتها الخارجية وتحركها على مسارات دولية واقليمية مختلفة، وما تعكسه من رغبة فيتنام في مواصلة تعزيز هذا الزخم لصالح نمو العلاقات الثنائية وزيادة قوتها وفاعلياتها.
الرئيس تران داي كوانج سياسى درس في أكاديمية الشرطة، ثم مدرسة فى اللغات الأجنبية التابعة لوزارة الشئون الثقافية في السبعينيات ، وعمل بعد ذلك في عدة مناصب في وزارة الداخلية ، ودرس في جامعة القانون بهانوي من عام 1991 إلى عام 1994، ثم الإدارة العامة بالأكاديمية الوطنية للعلوم السياسية بمدينة هو تشي مينه من عام 1994 إلى عام 1997، وهو عضو في الحزب الشيوعي، تم تعيينه فى عام 2003 نائبا لمدير الأمن العام في وزارة الأمن العام، مع رتبة لواء ، وفي عام 2007، تمت ترقيته إلى رتبة فريق ونائب وزير السلامة العامة، وفي عام 2009، حاز على درجة الدكتوراه، وأضحى أستاذا جامعيا ، وفي العام نفسه أصبح عضوا في اللجنة المركزية للحزب الشيوعي ، وفى عام 2016، تم انتخابه من قبل البرلمان (460 صوتا من أصل 465) رئيسا للدولة.
زيارة كوانج التى ستستغرق أربعة أيام تجعل من الاحتفال بالذكرى الـ55 على إقامة العلاقات الدبلوماسية بين مصر وفيتنام والتي تتزامن مع الزيارة مذاقا خاصا ، كونها الزيارة الأولى التى يقوم بها رئيس فيتنامى لمصر ، وتأتى تلبية للدعوة التى وجهها الرئيس عبد الفتاح السيسي له خلال الزيارة التى قام بها فى سبتمبر الماضى لهانوى ، والتى كانت هى إيضا أول زيارة لرئيس مصرى لهانوى منذ إقامة العلاقات الدبلوماسية بين البلدين ، الأمر الذى ساهم ويساهم فى إزدهار أواصر الصداقة والتعاون بين البلدين في جميع المجالات.
وتشير الزيارة التى جاءت فى ختام جولة إفريقية بدأها الرئيس الفيتنامى الاسبوع الماضى من اثيوبيا إلى مكانة مصر الإفريقية الرائدة باعتبارها واحدة من أكبر ثلاثة اقتصادات في القارة ، ودورها وثقلها الإقليمى والعالمى ، حيث يفتح التواصل المستمر بين البلدين الطريق أمام مصر للوصول إلى سوق الآسيان بمساعدة فيتنام ، فيما تكون مصر بوابة دخول فيتنام إلى الشرق الأوسط ، وتعد مصر حاليا خامس أكبر شريك تجاري لفيتنام في إفريقيا.
وتعكس الملفات المطروحة على جدول أعمال القمة المصرية الفيتنامية المقررة غدا (الإثنين ) أهمية العلاقات التاريخية والمتميزة التي تجمع بينهما ، والتطور الإيجابي الذي يشهده التعاون بين القاهرة وهانوى ، حيث ستتناول مباحثات السيسي ونظيره الفيتنامى سبل تعظيم الاستفادة من إمكانات البلدين ، ومساعدة كل منهما الآخر في التنمية المشتركة، وسبل تعزيز العلاقات الثنائية على كافة الأصعدة ، وتبادل الخبرات وتطوير التعاون في مجالات الاقتصاد والتجارة والاستثمار، وبحث إمكانيات وفرص التعاون المشترك بين البلدين في مجالات الزراعة والثقافة والسياحة ٠
ومن المتوقع أن تسفر مباحثات القمة عن تحقيق المزيد من التقارب في الروئ والافكار السياسية بين الجانبين المصرى والفيتنامى ، وتسهم فى توسيع العلاقات لتشمل مجالات اكثر عمقا ، وتعزز العلاقات الجديرة بالإستثمار لصالح شعبى البلدين حيث تم إعداد مجموعة واسعة من الاتفاقيات لتوقيعها خلال الزيارة من قبل الوزارات والوكالات المعنية تعزيزا للإطار القانوني للتعاون الاقتصادي ، تتويجا لما تكنه فيتنام قيادة وشعبا من تقدير واعتزاز لمصر للدعم الذى قدمته لها من أجل الاستقلال الوطنى والتنمية والتقدم ، وما تكنه مصر قيادة وشعبا من إحترام للتجربة الفيتنامية فى التنمية والتقدم والتى أدت إلى تسجيل معدلات التنمية ارتفاعا ملفت للنظر حولها من دولة فقيرة لدولة متوسطة الدخل.
وفـيتـنام هذا البلد الواقع فى منطـقة جنوب شرق آسيا ممتدة إلى الجنوب من الصين في شكل منحنى ضيق وطويل مماثل حرف ( إس ) اللاتيني ، تربطها ومصر علاقات سياسية واقتصاية وثقافية وثيقة منذ عهد الرئيس جمال عبد الناصر والزعيم هوشى منه الأب الروحى لفيتنام ، وعملت الدولتان على تعزيز هذه العلاقات الثنائية والحفاظ على ديناميكيتها من خلال جولات المشاورات السياسية والمباحثات بين ممثلى البلدين ، إلى أن ساهمت زيارة الرئيس السيسى فى تعميق التعاون في كافة المجالات ، والاتفاق على زيادة حجم التبادل التجاري الثنائى الذى يتزايد باضطراد عاما بعد عام، مسجلا فى النصف الأول فقط من عام 2018 زيادة بلغت نسبتها 44 فى المائة على أساس سنوى ، مستهدفا الوصول بحجم التبادل التجاري الثنائي إلى مليار دولار أمريكي.
وتتمثل صادرات مصر لفيتنام فى الكيماويات ، الصلب، الادوية، المنتجات البترولية، النسيج الخام ومنتجات الالبان ، والبترول ،الفوسفات ،الغاز والادوية، فيما تشمل أهم الصادرات الفيتنامية للسوق المصري (المنسوجات والملابس الجاهزة، والاسماك والمأكولات البحرية، والمعدات، الهواتف المحمولة).
وفى إطار توسيع مجالات التعاون الإقتصادى والتجارى بين البلدين على ضوء المشروعات التنموية العملاقة التى تنفذها مصر، تم تنظيم حملة ترويجية للاقتصاد المصرى ، وقامت الدكتورة سحر نصر وزيرة الاستثمار والتعاون الدولي والفريق مهاب مميش رئيس هيئة قناة السويس ورئيس المنطقة الاقتصادية لقناة السويس بزيارة هانوي ، وأسفرت الزيارة عن توقيع سبع مذكرات تفاهم والاتفاق على برنامجين تنفيذيين تتعاون فيهما البلدين في عدة مجالات .
وترتبط البلدان بعلاقات ثقافية وفنية متميزة نابعة من تقارب التجربتين الفيتنامية والمصرية من حيث ظروفها ، وعدد السكان ،والمشكلات الاجتماعية، والبيئة الإقليمية، والثورة ضد الإحتلال مع معطيات أكثر صعوبة اجتازها الفيتناميون إلى أن عبروا ببلادهم مسار النمو والحداثة والتقدم، وصنف شعبها ضمن أكثر شعوب العالم سعادة، وذلك طبقا لتقرير مؤشر السعادة في العالم الذى ضم نحو 155 دولة بمعايير كل من متوسط العمر المتوقع، ومستوى الرفاهية، والمساواة، والعوامل البيئية.
وتتوقع المؤسسات المالية الدولية أن تصبح فيتنام أحد النمور الاقتصادية القوية في منطقة جنوب شرق آسيا لو استمر اقتصادها في تحقيق نسبة النمو الحالية لعشر سنوات قادمة .
فيتنام البالغ تعداد سكانها نحو ٩٠ مليون نسمة لم تبدأ الإصلاح والعمل على بناء دولة مستقرة ناهضة إلا بتحقيق الاكتفاء الذاتي من الأرز زراعة وتصنيعا وتصديرا ، ولم يكن طريق الإصلاح سهلا، ولم تبدأ ثماره في الظهور إلا مع بداية تسعينيات القرن الماضي، عندما تحقق الاكتفاء الذاتي في الأرز وصدرت فيتنام أول مليون طن من الفائض، وبعده انطلق النمو وتحققت معجزة اقتصادية في ربع قرن، ويصف الفيتناميون بلادهم بأنها تشبه سلتى أرز معلقتين على طرفي عمود. فدلتا نهر الميكونج في الجنوب هي إحدى هاتين السلتين، بينما تشكل دلتا النهر الأحمر في الشمال السلة الثانية.. أما الشريط الأرضي الضيق الواصل بين الاثنتين فهو بمثابة العمود الذي يحمل السلتين.
وتشير أرقام التنمية فى فيتنام إلى أن متوسط النمو السنوي بلغ نحو 7 فى المائة من عام 1990 حتى عام 2016 ، وتراجعت نسبة المواطنين تحت خط الفقر من 60 فى المائة فى عام ١٩٩٣ إلى 11 فى المائة فى عام 2014، وانتقل الاقتصاد من أفقر دول العالم بمتوسط دخل الفرد 100 دولار في نهاية السبعينيات إلى إحدى دول الدخل المتوسط بنحو 2000 دولار نصيب الفرد من الناتج المحلي الإجمالي، الذى بلغ 200 مليار دولار مقسوما على عدد السكان الذى يقرب من 100 مليون نسمة.
وتضاعفت الصادرات بزيادة نحو 20 فى المائة سنويا حتى وصلت إلى 165 مليار دولار فى عام 2014 (سبعة أضعاف صادرات مصر) والواردات 150 مليار دولار بفائض 15 مليار دولار في الميزان التجاري، وبلغ التضخم أقل من 1% عام 2015 بعدما تجاوز 76 فى المائة فى ١٩٩٠ ، بينما وصل عجز الميزانية إلى حدود 1.2 فى المائة من الناتج المحلي الإجمالي، والدين العام الخارجي أقل من 50 فى المائة من الناتج المحلي الاجمالي.
وتستقبل فيتنام ملايين السياح الذين يدرون عليها مليارات الدولارات ، بالأضافة إلى الإمتيازات والتسهيلات التى ساهمت فى تدفق الاستثمارات الأجنبية المباشرة ومضاعفتها بسرعة نتيجة رخص تكلفة العمالة المتعلمة والمدربة بعدما تحول شباب فيتنام إلى ثروة وطنية نتيجة سياسة تعليمية ناجحة ينفق عليها أكثر من 7 فى المائة من الناتج المحلي الإجمالي.
المصدر: وكالة أنباء الشرق الأوسط ( أ ش أ )