ضخم مقتل خمسة من رجال الشرطة في دالاس بالرصاص التحدي الذي تواجهه هيلاري كلينتون المرشحة المحتملة عن الحزب الديمقراطي في انتخابات الرئاسة الأمريكية في الوقت الذي تسعى فيه لطمأنة كل من الناخبين الذين يشعرون بقلق إزاء الاضطرابات الاجتماعية من ناحية والنشطاء الغاضبين من انتهاكات سلطات إنفاذ القانون من ناحية أخرى بأنها تقف في جانبهم.
بالنسبة لكلينتون فإن المخاوف السياسية التي تواجهها تسير على خطين متوازيين .. فهي من ناحية لا يمكنها أن تنفر الناخبين السود والتقدميين -الذين تحتاج أن يخرجوا بأعداد كبيرة في الانتخابات الرئاسية في نوفمبر تشرين الثاني- باتخاذ موقف قوي ضد المحتجين الذين خرجوا في الآونة الأخيرة في لويزيانا ومينيسوتا مما أسفر عن اعتقال المئات.
وفي الوقت ذاته لا يمكن أن تسمح للناخبين الأكثر اعتدالا والذين يشعرون بقلق إزاء اللقطات التي عرضت على شاشات التلفزيون بأن يجذبهم منافسها المرشح الجمهوري المفترض دونالد ترامب الذي حاول استغلال المأساة التي وقعت في دالاس لتأكيد أنه المرشح الأفضل للحفاظ على الأمن والنظام.
وتعترف كلينتون نفسها بالخط الرفيع الذي تحاول السير عليه. وفي تصريحات يوم الجمعة بعد أن قتل مهاجم خمسة من رجال الشرطة اعترفت كلينتون أنها تبعث برسالة متضاربة بالدعوة لإصلاح سلوك الشرطة وفي نفس الوقت الإشادة بشجاعة ضباط الشرطة.
وقالت كلينتون في فيلادلفيا “أعلم أنه بتصريحي بكل هذه الأمور معا قد أغضب بعض الناس.”
وأوضحت نتائج استطلاع للرأي ومؤسسة إبسوس لقياس الرأي العام الاختلاف الكبير في نظرة أنصار كل من ترامب وكلينتون للشرطة عندما يتعلق الأمر بالأمريكيين من أصل أفريقي.
وأوضحت نتيجة استطلاع أجري في الفترة من 13 مايو وحتى السابع من يونيو أن 24 بالمئة من الناخبين المؤيدين لترامب يعتقدون أن السود يتلقون معاملة أسوأ من البيض مقارنة مع 55 بالمئة من الناخبين المؤيدين لكلينتون.
ووفقا للاستطلاع مثل الأمريكيون الأفارقة نحو مثلي البيض الذين وصفوا الشرطة بأنها “عنيفة للغاية”.
وقالت السلطات إن المسلح ميكاه جونسون الذي قُتل أطلق الرصاص على نحو 12 من رجال الشرطة لأنه أراد أن “يقتل بيضا”.
وقبل الهجوم حاولت كلينتون توضيح تضامنها مع حركة (بلاك لايفز ماتر) وهي حركة حقوق مدنية نشأت بعد حوادث قتل الشرطة لأمريكيين من أصل أفريقي في ضاحية سانت بول بمينيسوتا وباتون روج في لويزيانا.
وقالت إنه يجب أن يبدأ “البيض” في الاستماع “للمطالب المشروعة التي تأتي من الأمريكيين من أصل أفريقي وهم مواطنون مثلنا.”
والتقط الجنرال المتقاعد مايكل فلين -أبرز المرشحين لخوض الانتخابات مع ترامب في منصب نائب الرئيس- تصريحات كلينتون يوم الأحد. ووصف تصريحات كلينتون في مقابلة مع شبكة (إيه.بي.ٍسي نيوز) بأنها “غير مسؤولة” لأنها تحدثت كما لو كان البيض هم الملامون”.
وقال ترامب على تويتر يوم الأحد إن الولايات المتحدة “أمة مقسمة” ويرجع ذلك جزئيا إلى قيادة كلينتون والرئيس الحالي باراك أوباما.
وتشير تقارير إلى أنه يدرس الآن بقوة اختيار فلين لخوض الانتخابات معه في منصب نائب الرئيس فيما يرجع جزئيا إلى القلق المتزايد بين الأمريكيين إزاء الأمن العام.
لكن كلينتون لديها مشاكل أيضا مع النشطاء السود. كان اثنان من أعضاء حركة (بلاك لايفز ماتر) اقتحما تجمعا لجمع التبرعات لحملتها الانتخابية في فبراير وشكوا من تصريحات سابقة لكلينتون متعلقة بعصابات الشبان.
وفي أبريل تشاحن محتجون مع زوجها الرئيس الأمريكي الأسبق بيل كلينتون بشأن مشروع قانون عام 1994 الذي وقعه ليتحول إلى قانون والذي ينص على فرض عقوبة بالسجن لفترات طويلة على جناة غير عنيفين.
وكانت كلينتون تحدثت طويلا عن إصلاح العدالة الجنائية وتقليص حقوق امتلاك سلاح إلا أن الكثير من التقدميين -الذين لهم نفوذ متزايد في الحزب- ما زالوا يعتبرونها وسطية أكثر من اللازم.
على سبيل المثال يتوقع الديمقراطيون أن تدعو رسميا إلى إلغاء عقوبة الإعدام لأول مرة أثناء مؤتمر الحزب لإعلان مرشحه في الانتخابات الرئاسية الذي سيعقد في وقت لاحق من الشهر الجاري.
ورغم أن كلينتون تنتقد التحيز العرقي في تطبيق عقوبة الإعدام إلا أنها لم تذهب لحد التصريح بضرورة إلغاء العقوبة.
وقال ترامب إن عقوبة الإعدام يجب أن تسري بشكل تلقائي على كل من يدان بقتل ضابط شرطة.
وقال ستيف شاله الاستراتيجي الديمقراطي في فلوريدا إنه يعتقد أن كلينتون يمكنها التوصل لصياغة لتهدئة كل من المعتدلين والليبراليين فيما يتعلق بقضية عنف الشرطة.
وأضاف “يمكنها الحديث مع نوع الناخبين الذين يدعمون بقوة سلطات إنفاذ القانون لكنهم يتفهمون أيضا أن هناك بعض الروايات المثيرة للقلق التي تحدث في مجتمعات بعينها وقضايا حقيقية تحتاج أن يجري التعامل معها.”
ويمكن لكلينتون أيضا استخدام نائب الرئيس جو بايدن المحبوب بين سلطات إنفاذ القانون للتواصل مع الشرطة.
وكان من المقرر تنظيم حدث انتخابي يجمع بين كلينتون وبايدن يوم الجمعة إلا أنه جرى إلغائه في أعقاب واقعة دالاس.
لكن بايدن كان مناصرا لمشروع القانون الجنائي في عام 1994 الذي أصبح الآن عرضة للإزدراء من النشطاء السود مما يسلط الضوء على القضية السياسية الشائكة داخل الحزب.
ويتمتع ترامب بنفس الميزة بين الناخبين البيض التي كان يتمتع بها ميت رومني مرشح الحزب الجمهوري في عام 2012. وتوضح نتائج أحدث استطلاعات للرأي للبيض تقدم ترامب على كلينتون وسط الناخبين البيض بنقطتين مئويتين إلا أنه يتراجع عن كلينتون بنحو 13 نقطة مئوية فيما يتعلق بتأييد كل الناخبين.
وهذا يجعل إقبال الناخبين الأمريكيين من أصل أفريقي نقطة مهمة بوجه خاص بالنسبة لكلينتون.
وفي عام 2012 فاز رومني بنحو 60 في المئة من أصوات الناخبين البيض إلا أنه هُزم أمام أوباما الذي جذب الأقليات إلى صناديق الاقتراع بأعداد كبيرة.
المصدر : رويترز